^   بعد ظهر الثلاثاء الماضي هاتفتني ابنتي من المستشفى حيث تعمل كممرضة في قسم العناية القصوى لتخبرني أنها ستتأخر، سألتها عما بها بعد أن لمست نبرة حزن في صوتها قالت لا شيء لكنني لم أنته من عملي بعد وأغلقت الهاتف. لم ألح عليها وتخيلتها تغالب دمعة. بعد أكثر من ساعة عادت إلى البيت، بدت حزينة، سألتها فقالت إن عندها مريضة شابة في مقتبل العمر حالتها صعبة وأنها في الغالب ستودع هذه الحياة. قلت لها إنها ليست المرة الأولى التي ترين فيها حالات صعبة وتشهدين حالة وفاة مريض، فالقسم الذي تعملين فيه يشهد حالات صعبة في الغالب وإلا لما أطلقوا عليه اسم العناية القصوى. قالت صحيح لكن الأمر هذه المرة مختلف.. لقد رأيت دمعة في عيون سوسن. قلت من سوسن؟ قالت زميلتك سوسن الشاعر. بعد قليل عرفنا أن المريضة تخص زميلتنا سوسن، قالت ابنتي إنها زوجة ابنها، وأن سوسن كانت هناك وأن الكل كان يتألم لألمها ويبكي. سألتها إن كانت تعرف سوسن شخصياً فأجابت بالنفي ثم أضافت.. لكنها سوسن الشاعر. بعد أن هدأت وصفت لنا حال قسم العناية القصوى في الساعات الأخيرة قبل أن تتوفى سيما البستكي رحمها الله، قالت انتشرت عبر الهواتف رسالة قصيرة تدعو إلى التبرع بالدم للمريضة ففوجئنا بأعداد كبيرة من المتبرعين لم يشهد لهم المستشفى مثيلاً، قالت شعرنا أن البحرين كلها تستجيب لنداء التبرع بالدم فالكل جاء ليعبر عن حبه لهذه المرأة التي تعبر يومياً بقلمها عما يعتور في نفوس المواطنين وتطالب بما يطالبون به وتدفع نحو إعطاء هذا الوطن حقه. قالت أغلبنا انشغل بمواساة سوسن التي رغم كل شيء بدت صامدة صابرة. بعد غروب الشمس أرسلت لي ابنتي «مسج» تخبرني فيه عن وفاة المريضة. إنها المرة الأولى التي أرى فيها ابنتي في هذه الحالة، فهي رغم أنها سريعة الدمعة وعاطفية إلا أنها في المواقف ذات العلاقة بطبيعة عملها صلبة ومتماسكة فالمهنة تفرض ذلك. قالت لي لو شاهدت أعداد من وفدوا إلى المستشفى في ذلك اليوم ستعرف مقدار حب الناس لسوسن الشاعر ومكانتها بينهم. وأضافت، تصور أن من بين من جاء للتبرع بالدم امرأة مسنة على كرسيها المتحرك! الملفت أيضاً أن الجميع حتى أولئك الذين يختلفون مع سوسن فيما تكتبه وما تراه ويختلفون مع أفكارها وقناعاتها حزنوا لحزنها وتألموا لألمها فكانت على مدى الأيام الماضية حديث الناس الذين لم يبخلوا على أنفسهم التعبير بصدق عن تعاطفهم مع هذه الكاتبة الإنسانة. الموضوع ليس موضوع شهرة الزميلة سوسن، لكنه موضوع العلاقة التي استطاعت أن تنميها مع القراء والمشاهدين على مدى سنوات طويلة، ولعل الجرأة التي تمتاز بها وصراحتها التي تفاجئ بها الجميع أهم أسباب نمو تلك العلاقة ومن ثم ترجمة احترام وحب الناس لها في مثل هذه المواقف. طبعاً إضافة إلى معدن الإنسان البحريني وطيبته التي تسمح له بالتفاعل الإيجابي في اللحظات التي تستدعي التعبير بصدق عن مشاعره. لكن التعبير عن حب الناس لسوسن الشاعر لم يقتصر على من هم في الداخل، ولعله لو أتيحت الفرصة لمن هم في الخارج للمشاركة بالتبرع بالدم مثلاً لما تأخر الكثيرون عن ذلك ولاختصروا المسافات ليعبروا عن حبهم وتقديرهم لهذه الكاتبة التي نذرت نفسها لخدمة الناس جميعاً. عساها آخر الأحزان يا سوسن ومسح الله على قلبك وقلب ابنك وقلوب أهل الفقيدة وأصدقائها ومحبيكم وقرائك ومشاهديك، وعسى ألا تفاجئني ابنتي بأخبار كهذا الخبر الذي نزل على الجميع كالصاعقة.