^ كلما كلمت أحد الأخوة المناضلين عن الأضرار الجسمية التي حلت بالبلد جراء تحويل السجال السياسي إلى عنف مباشر ودفاع مذهبي مقدس تجده يكرر كالأسطوانة المشروخة: حكومة منتخبة؛ طيب ما هو مصير الأجيال القادمة التي تربت في هذه الأجواء المريضة؟ يجيب أيضاً بحكومة منتخبة، أخي ماذا عن سنة العنف التي سنتها حركة 14 فبراير كيف سنتصرف مستقبلاً حين يخرج المراهقون بالمولوتوف في كل مناسبة؟ ليقولوا الكلمتين حكومة منتخبة، أظن أن مسألة الحكومة المنتخبة ملحة بشدة لدرجة إدخالهم في غيبوبة أو أنهم غير مبالين بسواها ولو على أطلال وجثث. خلال خمس إلى عشر سنوات هناك جيل آخر سيصعد إلى معترك الحياة في الجامعات وقطاعات العمل والحياة السياسية، هذا الجيل من أسوأ الأجيال حظاً، فرغم إننا عاصرنا احتجاجات وموجات عنف إلا أن العام 2011 غير معالم خارطة التعاطي السياسي التي اعتدناها، صار العنف حقاً ومتنفساً مشروعاً وميداناً لإثبات القوة السياسية، واستبيحت الشوارع وفجر الكل في الخصومة وخرجت الطائفية والتطرف من المنابر ليلياً لتلهو وتعيث الفساد في المدن والقرى، حدثت أمور من الصعب أن تنسى، تدخلت أصوات غير بحرينية لتقف في صف بحرينيين ضد بحرينيين ومنها شخصيات وجماعات ودول لنا معهم خصومات بعضها تاريخي لا علاج له، وهذا أدى إلى تكريس البعد وتراكم الجليد وطأفنة الوضع أكثر. الأطفال هم الضحية الأولى لما حدث، ألوف الأطفال زجوا أولاً في خضم المعركة في الشارع ليس للتظاهر فهم لا يستوعبون ما هو التظاهر؛ بل من أجل إعطاء زخم وملء فراغ، عصابة كبرى من كوادر التربية والتعليم شحنت أطفالنا في حافلات وعربات نقل مفتوحة لرميهم في وسط المنامة، طرد الأطفال من مدارسهم وتركوا بلا رقابة بدءاً بصفوف الحضانة والروضة، والاسم حرية تعبير ونضال حقوقي وحكومة منتخبة. غطوا وجوه الأطفال باللثام والتقطوا صورهم وهم يحملون الأخشاب والحجارة ويقفلون بها ممرات القرية، وضعوا في أيديهم لافتات وشعارات والتقطوا مزيداً من الصور، ولقنوهم عبارات الموت والتسقيط وسجلوها بالصوت والصورة، واكتمل ألبوم الصور ووزع حول العالم، بقي فقط أن تطبع منه بطاقات بريدية للترويج السياحي للعنف في البحرين، هل نفترض أن الطفل سينسى وهل يريدونه أن ينسى أم يربى عمداً على هذه النزعات منذ الصغر ليتعلم كيف يكره وكيف ينعزل في صفوف جماعته أكثر ويهجر الوطن ويلجأ دوماً لمن هم مثله ويشبهونه ويظل جاهلاً بالتعايش مع الآخرين ومع الاختلاف. مساكين أطفالنا لأنهم من الآن يعرفون الشيعي والسني في سن مبكرة وهذا فوق إدراكهم والقناعات تتشكل لديهم وتتعمق كل يوم حين يريدون شراء لعبة أو حلوى ويفاجئون أن هذا المحل مقاطعة وحين يسمعون كلمة بلطجية وأتباع النظام أو الخونة والصفويين، يخطئ من يعتقد أن الأطفال لا يفهمون، وقد تتفاجأ أحياناً مما يعرفه أولادك عن الوضع وما يتشكل في عقولهم من نظريات وصور للواقع. لم يحسبها جيداً من ينشغل بترتيب الكراسي ومن سيتولى الحكومة ومن سيحمل الحقائب الوزارية وهو يدري أن هذا الشعب أصلاً تمزق ويحيا أسوأ أزمة ثقة، أزمة تاريخية غير مسبوقة، هناك أمور بنفس أهمية كرسي الحكومة وتملك القرار السياسي وهي نسيج المجتمع وأمانه واستقراره وتماسكه ومناعته ووحدته ولن يهنأ لنا عيش دونها - العراق مثالاً، والمتضرر الأكبر هم الجيل القادم وما سيليه من أجيال تحمل إرثاً من الصدام والعنف لأن الكبار لم يكلفوا أنفسهم عناء النظر في أسلوب إدارة الخلاف وبرروا العنف بالغايات. أمامنا ضحايا للعنف من المراهقين، حالات قتل وحالات اعتداء وضرب واضطهاد مذهبي، الجيل القادم تعلم لغة المولوتوف والفوارق المذهبية أكثر مما تعلم من علوم في المدرسة، الملاعب خلت والشوارع اكتظت -نتيجة التحريض- بمراهقين يرتدون القفازات البيضاء ويحتفلون بالعنف وحين يسقط أحدهم ستتألم وتتعذب أمه وليس أحد الساسة والحقوقيين الذين سيستهلكون قصته ثم ينسونها. أقحمنا الطب والتعليم في السياسة وأفسدنا براءة الأطفال، صدقوا أو لا تصدقوا: الساسة الكبار يعرفون كيف يحمون أطفالهم، المتضررون هم العامة، ما ذنب الطفل الذي راح ضحية العنف والذي اعتدي عليه بدنياً ولفظياً، والذي وقف أمام بوابة السلمانية ومنع عنه العلاج، والذي طرد من مدرسته وأجبر على التظاهر لا وزارة ولا دولة ولا قانون ولا ضمير، في كل الأحوال هو مجرد طفل مهما كان اسمه ودينه، طفل بدون اسم ولا طائفة، ما هو مصيرهم إذا كان هذا هو حال البلد ومدى سلطة القانون؟ وكيف سيكون مستقبلهم؟.