اختتمت وقائع قمة المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي التي استضافتها المنامة مؤخراً وأسفرت عنها عدة نتائج مهمة تستحق الوقوف وتسليط الضوء عليها، وما يعكس أهميتها الظروف التي تمر بها منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط التي فرضت مجموعة من التحديات ينبغي التعامل معها بشكل مختلف.
القمة الثالثة والثلاثون ترأسها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، وهي قمة استثنائية بلاشك في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة والتي دفعت المملكة العربية السعودية إلى طرح مبادرة للانتقال من مرحلة التعاون الخليجي إلى مرحلة الاتحاد الخليجي قبل نحو العام.
شعوب دول مجلس التعاون الخليجي مازالت تتطلع إلى الإسراع بتنفيذ مشروع الاتحاد الخليجي، وهو المشروع الذي مازال قيد الدراسة من قبل فريق متخصص، ومن المتوقع أن ينهي دراساته قريباً ليعلن قيام الاتحاد في قمة استثنائية تستضيفها العاصمة السعودية الرياض باعتبارها صاحبة المبادرة في المشروع نفسه.
انعقدت قمة المنامة وصدر عنها إعلان الصخير في وقت تشهد فيه المنطقة حالة من عدم الاستقرار في كافة الحدود الجغرافية لدول منظومة مجلس التعاون الخليجي، وهي حالة تدفع دول المجلس إلى مزيد من الحذر لضمان أمنها واستقرارها والحفاظ على مكتسباتها ومنجزاتها في مختلف المجالات. أيضاً هناك العديد من التهديدات الأمنية داخلياً وإقليمياً، الأمر الذي يتطلب من دول المجلس التعامل بشكل مختلف معها.
جميع هذه الظروف والتحديات تدفع منظومة مجلس التعاون الخليجي إلى تولي دور محوري في المنطقة حالياً باعتبارها قوة إقليمية في المنطقة تملك مقومات التحرك الدبلوماسي والتأثير السياسي بما يخدم مصالحها ويحافظ على الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط والخليج العربي تحديداً.
قمة المنامة أسفرت عنها مجموعة من القرارات الهامة، وهنا يمكن التركيز على أبرز القرارات، التي تتمثل في إنشاء قيادة عسكرية موحدة لدول المجلس، وهو قرار تاريخي يأتي استكمالاً لمشروع قوات درع الجزيرة. فهذه القوات أثبتت فعاليتها في حفظ الأمن الخليجي، خاصة وأنها قوات لها سمة الديناميكية وتشارك فيها جميع الدول الأعضاء بالمجلس، ويمكن الاستعانة بها عندما تواجه إحدى الدول تهديداً أمنياً، إذ يكون تهديداً لكافة دول المجلس وفق مبدأ الأمن الجماعي الذي تنتهجه منظومة مجلس التعاون الخليجي.
قرار إنشاء القيادة العسكرية الموحدة لدول مجلس التعاون يعكس اهتمام دول المنظومة الخليجية بالأمن في ظل تزايد التحديات العسكرية والتي تتركز في مساعي إيران النووية، وتدخلاتها المستمرة في الشأن الداخلي، وتداعيات أزمات الدول المجاورة من سوريا شمالاً إلى اليمن جنوباً.
وبالتالي فإن هذا القرار يزيد من قدرات دول مجلس التعاون الخليجي العسكرية، ويتيح لها أقصى درجات التنسيق في المجال العسكري بدلاً من غياب آلية موحدة مشتركة لإدارة القوات العسكرية لدول المجلس، خاصة وأن هذه القيادة مسؤولة عن إدارة جميع القوات البرية والجوية والبحرية، الأمر الذي يعزز من القدرات الخليجية في تولي مسؤولية أمن الخليج والدفاع العسكري.
استحداث قيادة عسكرية موحدة يعطي مجلس التعاون مزيداً من التكامل العسكري، وهو شكل من أشكال التحالف العسكري بين قوات الدول المنضوية فيه.
أيضاً من القرارات المهمة الصادرة عن المجلس إقرار الاتفاقية الخليجية الأمنية المعدلة، وهي اتفاقية من شأنها تعزيز التعاون الخليجي المشترك في مجال الأمن الداخلي على وجه الخصوص في ظل تزايد التحديات الأمنية الداخلية خلال الفترة الماضية، لاسيما في ما يتعلق بالأنشطة الإرهابية التي تتطلب تنسيقاً عالياً بين دول المجلس.
كما واصل قادة مجلس التعاون الخليجي تنفيذ قراراتهم السابقة للوصول إلى الاتحاد الاقتصادي من خلال استكمال متطلبات السوق الخليجية المشتركة والتي أقرت بشأنها عدة قرارات لضمان الالتزام بالجدول الزمني الموضوع له. وهو توجه مهم للغاية لارتباطه بمشروع الاتحاد الخليجي، فإجراءات التكامل والاندماج الاقتصادي تساعد كثيراً في دعم أي محاولة للاندماج السياسي كما هو الحال بالنسبة لمشروع الاتحاد الخليجي. أيضاً الاتجاه نحو استكمال السوق الخليجية المشتركة تصب في اتجاه تعزيز مبادئ المواطنة الخليجية المشتركة التي لا يمكن الاستغناء عنها في تنفيذ أي مشروع اندماجي بين دول المجلس.
بشكل عام فإن قرارات قمة المنامة وما جاء في إعلان الصخير يعد قرارات وتوجهات مهمة للمرحلة المقبلة من عمل منظومة مجلس التعاون الخليجي التي تسعى قريباً لتطوير الصيغة الحالية من التعاون فيما بينها إلى شكل من أشكال الاتحاد بصيغة أقرب إلى الكونفدرالية وبما يحفظ سيادة كل دول عضو. وهذه القرارات سيكون لها تأثير إيجابي بعد إعلان ولي العهد السعودي خلال قمة المنامة عن تقديم الرياض تصوراً متكاملاً لمشروع النظام الأساسي للاتحاد الخليجي، وهي مبادرة من شأنها الإسراع في إعداد التصورات النهائية لمشروع الاتحاد قريباً.
رئاسة مملكة البحرين للدورة الحالية لمجلس التعاون الخليجي مسؤولية كبيرة تتطلب مزيداً من العمل الجاد والتنسيق المشترك والمستمر بين الدول الأعضاء، وهو ما ينبغي أن تعمل عليه المملكة خلال الفترة المقبلة، كما جاء في الخطاب السامي لعاهل البلاد خلال القمة.