كشف الدكتور عادل العوفي رئيس مستشفى الطب النفسي عن إنشاء عيادة للصحة النفسية للحوامل والنفساء بمركز جدحفص للولادة، مبينا بأن هذه العيادة أنشأت بالتعاون مع الاستشاريين المختصين في قسم الولادة والأمراض النسائية بمجمع السلمانية الطبي وإدارة مركز جدحفص للولادة.
وأشار الدكتور العوفي إلى أن هذه العيادة ستبدأ عملها من الشهر القادم بمعدل يوم في الأسبوع، موجها الأمهات الحوامل والنفساء بالتوجه للاستفادة من هذه الخدمات النوعية والحديثة والتي تعد نموذجا حديثا للخدمات الصحية بالبحرين، ومراجعة العيادة عند ملاحظة أي تغييرات نفسية أثناء الحمل والولادة وفترة النفاس.
وجاءت فكرة إنشاء هذه العيادة بعد أن برزت الحاجة للخدمات الطبية والصحية النفسية من خلال تحويل الحالات بشكل ملحوظ وانتشار نسبة الأمراض النفسية لدى المرأة أثناء الحمل والنفاس التي تتخلص في تعسر المزاج أو ما يسمى بـ maternity blues، وهي حالة من الحزن والضيق وتقلب المزاج والعصبية واضطراب النوم والرغبة في البكاء، وتصيب هذه الاعراض نسبة كبيرة من الوالدات تصل الى اكثر من 50%، وتبدأ بحدود اليوم الثالث للولادة وتصل ذروتها ما بين اليوم الخامس والسابع
ومن ثم تخف تدريجيا وتنتهي تماما قبل نهاية الاسبوع الثاني. كذلك الاكتئاب النفسي في فترة النفاس Post-natal Depression، حيث تستمر الأعراض لفتره اطول من اسبوعين مع زيادة في حدة الأعراض فإن الامر قد يتجاوز مجرد تعسر المزاج وقد يصل الى حالة من الاكتئاب ، وتشعر خلالها السيدة بالحزن الشديد لفترة تتجاوز الاسبوعين ويكون هذا الشعور هو الغالب معظم ساعات اليوم ويترافق ذلك مع فتور بالهمة وفقدان الطاقة وعدم القدرة على رعاية المولود اضافة الى نوبات البكاء واضطراب النوم واضطراب الشهية والرغبة في الانعزال.
وتعاني من هذه الحالة حوالي 12-16% من الأمهات وتزيد النسبة مع صغر سن الام وقد تصل الى 25% من الامهات المراهقات أو صغيرات السن، كما انها تصيب المرأة الوالدة ابتداء من الاسابيع الاولى وامتدادا لمدة سنة، وعلى الرغم من أن الاصابة قد تصل الى 16% الا أن 1% فقط يتمكن من الحصول على العلاج في مختلف دول العالم، وفي الحالات الشديدة قد يصل الامر الى محاولة الانتحار أو حتى الانتحار الفعلي أو إيقاع الضرر على المولود.
وبين رئيس الطب النفسي بأن هناك حالة أخرى تعرف بذهان النفاس Post-natal Psychosis، وهي الاخطر من بين الحالات وتتسم بالاضطراب السلوكي الشديد المتمثل بالهلوسة السمعية والبصرية، اضافة الى الاوهام الاضطهادية والشك في الاخرين، والمشاعر المضطربة تجاه المولود والتي قد تصل احيانا الى قتله، وتقدر الدراسات ان نسبة قتل الابناء قد تصل الى 4% من المصابات بذهان النفاس.
ورجح الأسباب لتلك الاصابات النفسية غير المعروفة بالدقة إلى التغيرات الهرمونية حيث يحدث انخفاض سريع لمستوى الاستروجين والبروجيستيرون بعد الولادة مما يخل بالتوازن البيولوجي لبعض الوقت، ووجود تاريخ شخصي أو عائلي للأمراض النفسية أو الاصابة السابقة بأي من اضطرابات ما بعد الولادة، وضغط عملية الولادة، فلا شك أن الولادة ضغط نفسي ليس فقط نتيجة آلام الولادة وصعوبتها، بل إن الأم تقضى شهور الحمل في معاناة، ثم تصل إلى لحظة الولادة، حيث تعانى بشدة حتى تلد، وهى تكون قد قضت عدة ليال لا نوم ولا راحة، ثم تفاجأ أن هناك طفلاً بجانبها يحتاج للرعاية والسهر، وأن احتياجاته لا تنتهي، ويزيد من هذه الضغوط أن تكون الولادة غير طبيعية مثل: الولادة القيصرية، أو الولادة المتعثرة.، كذلك الأمهات الشابات أكثر عرضه من المتقدمات في السن، وخاصة الوحيدات أو البعيدات عن الدعم الاجتماعي والاسري، إضافة إلى ذلك ولادة طفل مريض أو ذي عيوب خلقية، وعوامل نفسية اجتماعية، مثل المرأة الني تعاني من علاقة مضطربة مع الزوج أو أسرته، أو تعيش ضغوطا في العمل، أو تعانى من اضطرابات نفسية سابقة ولم يتم علاجها بنجاح، وأحيانا تكون الأم رافضة للحمل، وبالتالي للطفل حيث إنها لا ترغب أن تكون أما، وذلك بسبب مشاكل نفسية لديها، أو لارتباطها بزوج لا ترتاح إليه، أو بسبب قلقها من مسئولية الأمومة وقد وجد من الأبحاث أن الخلافات الزوجية في فترة الحمل تزيد من احتمال حدوث ذهان ما بعد الولادة، وأخير بعض العوامل البيولوجية مثل تسمم الحمل أو تعاطى بعض الأدوية التي تؤثر على صحة الأم.
وأكد الدكتور عادل العوفي بأن العلاجات في الوقت الحالي أصبحت ميسرة ومتطورة بشكل كبير، حيث يطبق لحالات عسر المزاج والحزن البسيطة blues الدعم النفسي والرعاية من الزوج والاقارب، وأما في حالات الاكتئاب والذهان فالأمر اكثر تعقيدا وبحاجة للتدخل العلاجي. وبالنسبة للأدوية يتم استعمال مضادات الذهان أو مضادات الاكتئاب و كذلك بعض المهدآت للسيطرة على السلوك المضطرب أو للحماية من إيذاء النفس.
وفي الحالات الشديدة يتم إدخال تدخل الأم المريضة المستشفى وذلك لعلاجها وحمايتها وحماية طفلها من الإهمال أو العنف مع الاحتياط لخطر الانتحار أو قتل الوليد، ويفضل إدخال الوليد معها لزيادة الارتباط الطبيعي بينهما غير انه في بعض الحالات تكون الأم شديدة الاضطراب وسلوكها عنيفا مما يستوجب إبعاده عنها . ويشجع الزوج على أن تكون زياراته لها متكررة ومنتظمة ويتم العلاج الدوائي حسب نوع الحالة.
وتتحسن معظم الحالات وخاصة ما يتعلق باضطراب المزاج، ولكن تزداد خطورة تكرر الحالة لدى فترات الحمل اللاحقة وقد تصل إلى 50 %، وحالات الفصام أكثر عرضة للانتكاسة بين فترات الحمل من حالات اضطراب المزاج. وخلال فترة الرضاعة يتم توخي الحذر وذلك بموازنة أهمية الرضاعة واثرها على العملية العلاجية، وفي الحالات الشديدة يأخذ العلاج الاهمية القصوى وهنا إما ان يراعى استعمال الادوية الاقل تأثيرا على الطفل وتحديدا تلك التي لا تتركز في حليب الام أو أن يتم البحث عن تغذية بديلة في حال الاضطرار الى استعمال عقاقير بعينها أو بجرعات عالية.
وفي الختام تقدم رئيس مستشفى الطب النفسي بالشكر الجزيل إلى جميع المسؤولين في وزارة الصحة لدعمهم المشاريع الخدمات النفسية، وعلى رأسهم سعادة وزير الصحة السيد صادق بن عبدالكريم الشهابي، والدكتور أمين الساعاتي الوكيل المساعد لشئون المستشفيات.