^ تستضيف عاصمة كوريا الجنوبية سيول يومي 26 و27 من هذا شهر مارس 2012، قمة عالمية حول قضايا الأمن والسلامة النووية بمشاركة أكثر من 40 رئيس دولة وحكومة، ووسط توترات دولية متصاعدة لأسباب متعلقة بالمخاطر الذرية القائمة. وكما تناقلت وكالات الأنباء، فمن «المقرر أن تركز القمة على صياغة مبادئ توجيهية محددة للسلامة النووية، وتدابير كفيلة بمنع ما يسمى بالإرهاب النووي، في وقت لا تزال فيه قضية الأسلحة النووية في كوريا الشمالية قائمة، وتواصل اليابان فيه الكفاح لاستيعاب آثار كارثة فوكوشيما النووية في العام الماضي». تأتي هذه القمة بعد مضي عامين على الأولى التي عقدت في واشنطن في العام 2010، تحت شعار «إحباط الإرهاب النووي»، والتي اعتبرت حينها «أكبر قمة يدعو إليها رئيس دولة منذ العام 1945، عندما تجمع الزعماء في سان فرانسيسكو لتأسيس الأمم المتحدة». ومن المقرر أن يشارك في هذه القمة، إلى جانب الرئيس الأمريكي باراك أوباما نظيره الروسي ديميتري ميدفيديف والسكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون، إلى جانب مسؤولين من دول أخرى مثل مصر والمغرب والمملكة العربية السعودية، وألمانيا، والصين. تحاول الدول المشاركة في القمة، وفي المقدمة منها الولايات المتحدة أن تروج أمام العالم أن مشاركة الحكومات في قمة سيول سوف تهيئ لها «فرصة بناء تعاون مستدام ضد الإرهاب النووي الذي يعد أكبر خطر يهدد أمن العالم في القرن الـ21 ومنع وصول المواد النووية للإرهابيين»، معتمدة في ذلك على تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية جاء فيه «أن هناك أكثر من 2100 تقرير حول قضايا الفقد والسرقة والحصول بصورة غير شرعية على مواد نووية ومواد أخرى مشعة من عام 1993 إلى 2011 بين الدول الأعضاء في المنظمة». بعيداً عن كل تلك التصريحات، اللافت للنظر هنا، هو عدم مشاركة إيران في هذه القمة، رغم أن هذه الأخيرة، كانت أكثر الدول إثارة للجدل، عندما يتعلق الأمر بقضايا التسلح النووي. من الطبيعي هنا أن يتساءل المرء عن السر وراء عدم دعوة طهران للمشاركة، رغم أن جميع القادة الذين توجهوا إلى سيول للمشاركة، بمن فيهم الرئيس الأمريكي أوباما، سبقتهم تصريحاتهم المشيرة إلى «الأخطار التي يمثلها مشروع إيران النووي على السلم العالمي». تأسيساً على ذلك من المتوقع أن تحتضن سيول قمتين «نوويتين»، الأولى علنية تناقش مواد جدول الأعمال، والثانية في الظل تعالج الموضوع الإيراني الذي يتوقع بعض المصادر أن يتناول الموضوعات التالية: الموضوع الأول؛ هو مدى إمكانية احتواء المشروع النووي الإيراني، لضمان عدم تجاوزه الحدود التي ترسمها له دوائر صنع القرار في واشنطن، التي ليس من مصلحتها، ولمصالح أمريكية محضة، الإجهاز عليه من جهة، لكن بالقدر ذاته، لا تريد له أن يخرج من دائرة نفوذها من جهة ثانية. وتدرك واشنطن أن الوصول إلى هذه المعادلة المعقدة، مسألة صعبة، لابد وأن تسبقها مجموعة من التحالفات السياسية التي تشمل دولاً مثل الصين وروسيا، بل وحتى باكستان. هذا يفسر تأكيد أوباما على ضرورة تأمين، «لقاءات ثنائية مع قادة الصين وروسيا وكازاخستان وروسيا وكوريا الجنوبية وتركيا وباكستان، تتضمن بحث طائفة من قضايا الشرق الأوسط ومنها التحول الديمقراطي في سوريا ودعم الإصلاح السياسي والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إضافة إلى ملف إيران النووي والمصالحة الأفغانية». أما الموضوع الثاني؛ فهو التنسيق لضمان دخول بعض الدول الصغيرة إلى النادي النووي العالمي، دون تجاوزها، هي الأخرى أيضاً، السقف الذي تحدده لها واشنطن، التي لم تعد، جراء أوضاعها الداخلية المتداعية، قادرة وحدها على أن تفرض شروطها، حتى على الدول الصديقة لها، بما فيها لك الصغيرة منها. ومرة أخرى نجد الولايات المتحدة، تحاول أن تعيد رسم دائرة النادي الدولي، بما يضمن سيطرتها أولاً، ولا يشكل خطراً مستقبلياً على مناطق نفوذها النووية ثانياً. ويأتي الموضوع الثالث؛ كي يناقش انتقال مخاوف واشنطن من اندلاع حرب نووية، كما كان عليه الأمر في حقبة الحرب الباردة، التي استمرت لأكثر من نصف قرن، حيث كانت، وحدها الدول العظمى، تمتلك أسرار القنبلة النووية، إلى الخشية من «هجوم نووي تنفذه مجموعة إرهابية»، شبيه بذلك الذي استهدف برجي التجارة العالمية، لكن باستخدام أسلحة نووية». وقد أشار إلى ذلك، وهو في طريقه إلي سيول للمشاركة في القمة النووية، السكرتير العام للأمم المتحدة يان ـ كي مون، حين قال: «إن الإرهاب النووي واحد من أكبر التهديدات التي تواجه العالم اليوم وإن أي هجوم إرهابي نووي قد يؤدي إلى دمار شامل ومعاناة لا حد لها. وتغيير أزلي غير مرغوب فيه». من هنا لن يكون هم واشنطن توفير الضمانات التي تحقق نجاح القمة العلنية، بقدر ما هي حريصة على إنجاح قمة الظل الثانية التي تحقق لها أهدافها الخاصة بها وغير المعلن عنها. هذا ما المح له أيضاً العالم الفيزيائي بمختبر المستقبل النووي وبرنامج العلوم والأمن العالمي في جامعة برينستون، إم. في. رامانا،، حين قال «آمل أن تنجح هذه القمة في تركيز الاهتمام على بعض القضايا الملحة للسلامة والأمن النوويين. لكن، لسوء الحظ، لا أعتقد أن أمامنا أي سبب للتفاؤل في هذا الشأن». تشاؤم القمة العلنية، ستعوضه نجاحات قمة الظل السرية.