^   بؤر التوتير التي تسهم بشكل كبير في منع المصالحة والتجاوز والتقدم نحو الأمام، لتجاوز الأزمة كثيرة، وعلى رأسها البؤرة الإعلامية تحديداً، وفي مقدمتها بؤرة الإعلام الاجتماعي المنفلت حالياً من كل رقابة، والخارج عن أي نوع من السيطرة، أو حتى أي نوع من القيم. وهنا يتساءل البعض عن الكيفية التي يمكن الحد من خلالها من المخاطر المتزايدة المتصاعدة للحرب الإعلامية الجديدة التي تتعرض إليها العديد من البلدان، ومنها البحرين، فتسهم في إلحاق إضرار جسيمة ببنيانها الاجتماعي وباستقرارها السياسي ونموها الاقتصادي، وانتظام الحياة فيها، هل يمكن أن يفضي العمل على (ترشيد) الحرية الإعلامية وما تنشره المواقع الإلكترونية والتصريحات والفعاليات المثيرة للنعرات والفتنة، إلى التضييق على الحريات مثلاً؟ بل يتساءل نفس هؤلاء ألا يمكن أن يؤدي مثل هذا الإجراء -الذي لم يعد ينتمي إلى العصر وإلى منظمة المجتمع الديمقراطي- إلى مواقف مضادة للحريات والحقوق المصانة في القانون والدستور؟ لكن، وفي المقابل، هل يعتبر إسكات بؤر الكذب والتلفيق الإعلامي ممارسة مضادة للحرية الإعلامية مثلا؟ أم أن الترشيد أو الإسكات لا ينفعان في التعامل مع الإعلام في ضوء الانفلات الكامل من الرقابة واستعصاء الترشيد في ظل السموات المفتوحة وثورة الاتصال التي أنهت احتكار الدولة للإعلام والمعلومة، بل أنهت قدرة الدولة على التحكم في المدخلات المعرفية والمعلوماتية ومخرجاتها؟ ومع ذلك فإن سؤال الحرية يظل مشروعاً بلا شك، والمخاوف من التضييق تظل مشروعة، رغم صعوبة التضييق بل واستحالته في الوقت الحاضر، ولكن ما العمل في ظل حالة الاستهتار العام والتراشق الطائفي الذي لم يسبق له مثيل، ويشترك فيه سياسيون ورجال دين وإعلاميون وبرلمانيون وحتى بعض المحسوبين على المثقفين؟ هل يترك الحبل على الغارب؟ هل يترك الأمر إلى أن يتكرر انفجاره في وجوهنا جميعا مثلما حدث في أكثر من مناسبة؟ يجيب المدافعون عن الحرية الكاملة؛ المسألة مسألة وقت، فالمجتمع كان متعطشا للحرية، ولكي يتعلم ممارستها بالشكل الصحيح والمتوازن يحتاج إلى وقت وإلى تربية وتنمية سياسية، وعندها سيتحقق التوازن بشكل تدريجي.. هذا التحليل يبدو منطقياً لو أن العملية تجري فوق خشبة مسرح يمكن التحكم فيه، ولكن هذا الأمر يجري على الأرض، في الشوارع وفي المنتديات والصحف وحتى داخل البرلمان، بل وفي كافة الفضاءات الأخرى الخارجة عن أي سيطرة أخلاقية أو مهنية، بل لا يحكمها حتى ميثاق شرف المهني في صورته الابتدائية.. ولذلك فمن الصعب ترك الأمر للزمن ليحسمه وفقاً لآلياته الخاصة، دون تدخل الإنسان، فهذا المنطق يدفعنا إلى التساؤل: إلى حين الوصول إلى اللحظة المنشودة ما الذي يجب أن نفعله؟ هل ننتظر خراب مالطا مثلاً وبعد ذلك نتحرك؟؟ إن المنطق يقول بعدم وجود حرية مطلقة، وبعدم وجود حرية بدون حدود أو قيود، إلا حرية المجانين، تلك لوحدها حرية مطلقة، وحتى في هذه الحالة فإن على العقلاء ألا يسمحوا لها بان تكون كذلك. وضوابط الحرية وحدودها، هنا، هي بلا شك المسؤولية، والقانون والثوابت التي لا يجوز العبث بها، وعلى رأسها أمن المجتمع واستقراره ووحدته، ولذلك فإن الذين يتحفظون على إجراءات (الترشيد) ويتخوفون منها، عليهم أن يطرحوا البدائل التي تؤمن استقرار المجتمع وتمنع انفلات الأوضاع، والتي إذا حدثت -لا قدر الله- فإنها سوف تجرف الأخضر واليابس، ولن ينجو منها احد.. هكذا تقول لنا دروس التاريخ القديم والمعاصر، فهل هنالك أية مبالغة في هذا الأمر؟ إن ممارسة الحرية، تواجه بالحدود التي يفرضها القانون، أو التي يرسمها العرف، وإذا كان صحيحاً أن كل ممارسة للحرية، تقع تحت طائلة القانون، وأن المتاح للمساءلة والشفافية والمحاسبة وإدارة النقاش العام حول القضايا العامة-في هذه الحالة- يتضاءل، وربما ينعدم. ولكن ممارسة الحرية يجب أن تخضع في النهاية للقانون و للضبط الاجتماعي، بوضعها على محك اختبار المسؤولية، وبالتالي يتم ترشيدها،حتى تكون بحق خلاقة ومفيدة للأفراد وللمجتمع معاً.. إذ لا يعقل في جميع الأحوال أن تكون ممارسة الحرية خارجة عن القانون والأعراف، حيث تؤدي بهذه الصورة إلى الفوضى والعبث. فالحرية، لا تعني أن السلوك حر في فضاء غير محدد وغير محدود، فكل سلوك مرهون بالبيئة والمواقف والمجتمع والقانون والأولويات والثوابت هكذا نفهم الحرية.