كتب - علي الشرقاوي:
كل كتابة عن الصحافي الكبير محمود المردي، ما هي إلا حديث عن مرحلة التنوير الوطني في البحرين، عن التوق الكلي والذوبان في عشق العمل، حديث عن كيفية صناعة الإنسان نفسه أولاً ثم الآخرين.
تجربة المردي كما عرفناها تحتاج إلى عشرات الكتابات في مجالات مختلفة، هناك المردي الوطني والصحافي والتاجر والمسرحي وهناك المردي العصامي الذي تحول إلى أحد كبار كتاب القصة في البحرين.
في فريج الفاضل
تعرفت على محمود المردي في فريج الفاضل وأنا طفل في العاشرة، بعد أن اشترى منزلاً قريباً من بيتنا في الفريج، وكان بيت التميمي له ولأخيه جاسم المردي، وفي الواقع عرف الفريج جاسم المردي أكثر من محمود، الذي كان آنذاك يعمل في المملكة العربية السعودية ولم يستقر في البحرين في تلك الفترة.
كان بيت المردي ملاصقاً لبيت أحمد جاسم محمود، شقيق صديقنا يوسف جاسم محمود «يوسفووه العمي» الذي كان يعني الكثير في حياتي وحياة والدي، واشتركت معه في الغوص على اللؤلؤ في السواحل تحت قيادة والدي أواخر الخمسينات من القرن الماضي.
يقابل بيت المردي بيت إبراهيم وهو والد صديق الطفولة «حميدي»، وبيت معرفي صاحب التاكسي والد كل من عبدالرحمن وإسماعيل ومحمد رفيع ود.خالد عبدالله.
خلال الفترة كنا نرى في السكة ماء البحر نسبح فيه كالأسماك الصغيرة، فالبيت بضيقه لا يستطيع أن يتحمل الطاقة الهائلة التي يحملها كل واحد منا، لهذا خرجت في الظهر لأخفف عن نفسي وأرى أترابي، أو أتقافز هنا وهناك، كنت قريباً من بيت المردي، فتح محمود باب البيت، كان مرتدياً الفانيلا الداخلية والسروال، ناداني لأجلب له علبة سجائر، وإن لم تخن الذاكرة كانت سجائر «لوكي سترايك» أو كما كنا نطلق عليها «بو دمغة».
ويعتبر من علب السجائر الغالية في تلك الفترة، وأعطاني روبية هندية، أخذت الروبية وذهبت لأقرب دكان في الجهة الأخرى من الفريج وأحضرت له العلبة وأرجعت له الأربع آنات المتبقية، فوهبني إياها وشكرني.
عملاق الصحافة
بعد تخرجي من التوجيهي منتصف عام 1967، في الواقع رسبت، داخلياً قررت التقديم في العام المقبل، بحثت عن عمل ما، عملت في عدة مهن يدوية في مصنع البيبسي مع عبدالله حيدر وعبدالله باقر مدة أسبوعين، قبل أن نختلف مع رئيس العمال ونترك العمل، حيث كان يلاحقنا إلى دورة المياه.
قررت بعدها خوض غمار العمل الصحافي، بعد مشاورة الصديق الشاعر عبدالحميد القائد وكان يعمل كاتباً في «كلف أفيشن»، مع محمد نور سلطان وعبدالله مطيويع، كنت حينها قارئاً نهماً لكل ما يقع بين يدي من كتب وقصص، ومنها كتاب المخبر الصحافي للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، واعتبره من الكتاب الذين قربوني من فهم العمل الصحافي.
في الواقع كنا نرى المقال الأسبوعي للمردي «كلمات لا تنقصها الصراحة»، يحمل نفس عنوان مقال هيكل في الأهرام «بصراحة»، كنا نراه كما يرى نفسه، محمد حسنين هيكل البحرين، ولم تكن في البحرين غير جريدة الأضواء.. كانت تمثل بداية مرحلة جديدة في حياتنا.
موضوعي الأول
ذهبت إلى مكتب الجريدة في مبنى مقابل مجمع يتيم سنتر حالياً، كنت في السابعة عشرة من عمري، دخلت مكتب رئيس التحرير محمود المردي استقبلني وسألني مجموعة من الأسئلة لا أذكرها الآن جيداً، طلب مني أن أكتب تحقيقاً مصوراً عن قرية دمستان، عرفت أن الطلب هو اختبار للتعرف على إمكاناتي في الكتابة الصحافية، ولكني لم أكن قادراً على تنفيذ أول مهمة صحافية لي، أولاً لأني لا أملك إمكانية الذهاب إلى تلك المنطقة، لأني لا أملك فلساً واحداً، ثانياً لأني لم أتعود الذهاب إلى القرى البعيدة إلا برفقة الأصدقاء في رحلات صيفية.
ما كان أمامي إلا أن ألعب على الموضوع وأكتب تحقيقاً عن دفنة الحورة «الكجرة» والتي أعرفها جيداً، وأستطيع إجراء لقاء مع بعض الشخصيات هناك، بالفعل أجريت التحقيق، وطلبت من أحد الأصدقاء إعطائي كاميرا لتصوير العرشان والمستنقعات.
أخذت الموضوع إلى الجريدة وطلبت من السكرتير ربما كان محمد الماجد بتسليمه إلى محمود المردي، كنت خجلاً من عدم تمكني من تنفيذ المهمة المكلف بها.
بعد أيام نشرت الصور الملتقطة عن دفنة الحورة ولم ينشر الموضوع بعد أن تعبت في كتابته.
المردي كما عرفته
ننتقل في الحديث عن المردي من زاوية أخرى وعين مختلف عين الأستاذ الكبير علي سيار، زميل المشوار الصحافي والحياتي وصاحب مجلة «صدى الأسبوع»، في مقال له تحت عنوان «محمود المردي كما عرفته» كتب السيار «كان أول لقاءٍ لي مع الراحل محمود المردي عام 1945 في دائرة المعارف، كان موقعها آنذاك في شارع الشيخ عبدالله، طالباً إلحاقي بمدرسة الصناعة».
ويضيف «كان مكتبه قرب مكتب الراحل كمال المهزع، ويشغل منصب مدير مكتب مدير المعارف آنذاك، لم يلفت نظري فيه شيء غير عادي، بل لعلني تجاوزته وأنا أهم بالخروج من المكتب، دون أن أهتم كثيراً بمن كان موجوداً فيه، كان لقاءً عابراً وسريعاً لم يتح لي فرصة تمييز ملامحه، لقاء دون كلام».
ويواصل «اللقاء الثاني كان عام 1948، عندما التحقت ببنك إيران والشرق الأوسط «البنك البريطاني الحالي»، حيث كان يعمل مساعداً للراحل عبدالعزيز الشملان، الذي يشغل منصب المدير التجاري بالبنك بعد عودتي من القاهرة حيث كنت أدرس».
ويردف «عملي في البنك بوابة دخل كل منا خلالها إلى حياة الآخر، جمعتنا في البنك جلسات كثيرة ولقاءات متعددة داخل العمل وخارجه، ولكنها كافية ليتعرف كل منا إلى الآخر، ويتحسس ميول الثاني واهتماماته، في هاتين السنتين تعمقت علاقتي بالمردي، ولكنها لم تصل إلى درجة إسقاط الكلفة بيني وبينه، كان هناك حاجز العمر أولاً، وحاجز المنصب ثانياً، لكنها كانت دون شك البداية الحقيقية لصداقة حميمة امتدت بيننا حتى وفاته».
ويتابع السيار «في مرحلة من مراحل العمر أقمنا معاً في بيت واحد، كان ذلك في الخبر بالمملكة العربية السعودية، حين أقنعني، وكان يشغل آنذاك منصب المدير التجاري بالبنك، ذات البنك الذي عملنا فيه معاً في البحرين، كنت أيامها التحقت بالعمل مترجماً في حكومة المملكة العربية السعودية بمنطقة المشعاب، حيث كان خط التايلاين الذي بدئ العمل فيه تحت التشييد، وأثناء واحدة من الإجازات النادرة التي التقيت فيها محمود أقنعني بالعمل معه في البنك بالخبر، ووافقته دون تردد، في سنوات العمل معاً هناك، تجذرت علاقتي به لدرجة لم نكن نفترق فيها عن بعضنا، كان العمل يجمعنا، وكان السكن في بيت واحد يجمعنا، وحتى حين كنا نذهب إلى البحرين في إجازاتنا الأسبوعية القصيرة، كنا نذهب معاً ونعود سوية».
المردي شاعراً
ويضيف علي السيار «في هذه الفترة بالذات جمعتنا غير السكن في مكان واحد، اهتماماتنا المتشابهة، كانت ميولنا الأدبية نحن الاثنين تطغى على ما عداها من اهتمامات، كان الكتاب الواحد يقرؤه كلانا، كنا كثيراً ما ندخل في نقاشات وحوارات حول العديد من القضايا ذات الطابع الأدبي، ولكن أكثر اهتمامنا كان منصباً على قراءة الشعر، وما لا يعرفه أبناء هذا الجيل عن محمود ربما هو أنه يتمتع بصوت جهوري واسع ولغة عربية سليمة، وكانت هذه الصفات تجعله الوحيد الذي يلقي قصائد الشعر في جلساتنا نحن الاثنين، أو مع الآخرين من أصدقاء تلك الفترة، في جلساتنا البيتية المتكررة في الخبر بعد الغداء والعشاء، وربما في منتصف الليل، تعرفنا على الشاعر عمر أبو ريشة، أولعنا بشعره ولعاً لم نتجاوزه إلا بعد أن بدأ نجم نزار قباني في الصعود خمسينات القرن الماضي».
ويقول «كانت إقامتنا في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، تمثل حقبة التطلع والانبهار بكل جديد في الأدب، كنا نقرأ مجلة الرسالة المصرية لأحمد حسن الزيات، والثقافة لأحمد أمين، نشتري العديد من المجلات الأدبية الأخرى الصادرة في العواصم العربية».
ويستدرك «ينبغي أن أتوقف هنا عند «قصائد عارية» وهو ديوان شعر للشاعر العراقي حسن مردان، كان موضوع الديوان عبارة عن نقلة في تفكيرنا نحن الاثنين، كان حسين مردان نوعاً لا مبالياً من الشعراء إن صح التعبير، ضم ديوانه هذا ما يشبه لفت النظر لنا نحن الاثنين، عن شعر يتحدث عن المرأة بجرأة لم نألفها في شاعر عربي معاصر مثله، تتضاءل أمامها ما يقال عن جرأة نزار قباني».
صوت محمود المردي وطريقته المشوقة في الإلقاء شدت علي السيار إلى أشعار حسين مردان «كانت تشدني أشعار عمر أبو ريشة والجواهري وسليمان العيسى والعديد من شعراء تلك الفترة أمثال نازك الملائكة وأحمد عبدالمعطي، وصلاح عبدالصبور وغيرهم كثيرون». ويتابع سرد حكايات الذاكرة «محمود المردي وهو يلقي الشعر فإنه يلقيه منغماً بصوت بقدر ما فيه من الخشونة، صوت يأسرك بعذوبته وجاذبيته وحضوره».
اللبنات الأولى
الجلسات الحميمة بين السيار والمردي امتدت قرابة ثلاث سنوات «كانت بمثابة اللبنات الأولى في بلورة اتجاهنا الأدبي نحن الاثنين، وأذكر في تلك الحقبة المبكرة، كان يستعين بي لكتابة بعض الافتتاحيات في مجلة صوت البحرين، كان هو أحد أركانها ضمن مجموعة أخرى من المؤسسين، منهم إبراهيم حسن كمال، وعبدالرحمن الباكر وعلي التاجر، وكانت المجلة واحدة من أبرز المجلات الثقافية وأكثرها انتشاراً في الأوساط الأدبية في مختلف الأقطار العربية، وكان لها حضورها الأدبي، جعلها شبه محطة أدبية للعديد من الأقلام العربية المشهورة، وكانت تتميز بتوجهاتها القومية».
اقترح المردي على السيار أن يكتب بالمجلة «كنت في الحقيقة متخوفاً من الكتابة، فأنا مازلت في أول الطريق ولم تكن عندي تجربة الكتابة في صحف أدبية أو غير أدبية في تلك السن المبكرة، وأذكر أن أول موضوع كتبته فيها كان بعنوان «نصفنا الحلو... مر»، تناول تكاليف الزواج الباهظة، ما يجعل شباب ذلك الوقت يتردد كثيراً في الإقدام على الزواج، وبتشجيع منه أيضاً رأيتني أكتب بعض المقالات النقدية والأفكار القومية، كما نشرت أكثر من قصيدة شعر فيها، كل ذلك بتوجيه من المردي».
انهمك الاثنان في قراءة الشعر في أوقات الفراغ في الخبر «حركتنا داخل المجتمع في المنطقة الشرقية كانت معدومة تماماً فيما عدا صداقات قليلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، ويبدو أن هذا الانهماك في قراءة الشعر أعطانا خلفية موسيقية وإحساساً ذاتياً بالبناء الشعري من وزن وتفعيلة وقافية، كما وفرت لنا حصيلة أدبية لا بأس بها، حفزتنا ذات يوم لأن نشترك في قصيدة لم نضع لها عنواناً، ولكن المردي على حد علمي لم يقل شعراً فيما بعد، غير ما قاله في هذه القصيدة المشتركة، رغم أنه يحتفظ بذاكرة قوية ويحفظ الكثير من الشعر العربي القديم والحديث، عكسي أنا حيث توجهت إلى الشعر في تلك الفترة وكتبت العديد من القصائد نشر بعضها في صوت البحرين».
ذلك جانب من جوانب شخصية محمود المردي، الجانب الأدبي الذي سنتحدث عنه بشيء من التفصيل، وتجربته الصحافية في القافلة والوطن والأضواء والشعلة وأخبار الخليج.
على كراسي مقهى رمسيس
يقول سيار «في مرحلة تالية في الخمسينيات تحديداً، تعرفنا محمود وأنا على أصدقاء مشتركين، هم بالتحديد يوسف أزاد بخت، وهو صاحب مقهى ومطعم رمسيس، وموقعه هو نفس الموقع الذي تحتله الآن صيدلية وائل في شارع الخليفة، وناصر بوحيمد، سعودي مقيم في البحرين، أو بحريني بهوية سعودية، ويوسف قاسم الفنان التشكيلي المعروف، والمرحوم أحمد يتيم، أحد الركائز الذين قامت عليهم الحركة المسرحية في البحرين، وكان يعمل مدرساً في سلك التعليم».
كان مقهى ومطعم رمسيس مكاناً يجمع هذا النفر بين الحين والآخر «كان المسرح البحريني في ذلك الوقت بدأ يتلمس طريقه، على يد العديد من المهتمين، بعد فترة نشاط مسرحي توقف في الأربعينيات قادها الشاعران المعروفان عبدالرحمن المعاودة في المحرق، وإبراهيم العريض في المنامة، حيث قدم الاثنان مسرحيات شعرية كان لها صدى طيب وقتها وسط جمهور لم يتعرف على المسرح بعد».
ويعود السيار للحديث عن شلة مقهى رمسيس «في واحدة من جلسات الشاي كنا نتحلق حول مائدتها، أخذنا الحديث عن المسرح في البحرين، والمسرحيات التي كان يقدمها بعض شباب الأندية، نادي البحرين في المحرق، والنادي الأهلي في المنامة، في تلك الجلسة ولدت فكرة إنشاء مسرح حديث يخرج عن النمط التقليدي القائم في البحرين، وكان من أهم عيوبه، أن الرجال هم الذين يؤدون أدوار النساء، وهو أمر كان يبدو غير طبيعي، وفي بعض الأحيان مقززاً لجمهور لم يتعود أو يتقبل الفكرة».
لاقت الفكرة استحسان الجميع «خاصة محمود الذي سبق له وأن أخرج إحدى المسرحيات للنادي الأهلي، وهي مسرحية تاريخية على ما أذكر، وذلك جانب آخر من جوانب التعدد في شخصيته». ولكن الفكرة لم تلاق الاستحسان المطلوب لإخراجها لحيز التنفيذ «ماتت فكرة المسرح، وكان ذلك خبراً سيئاً لمحمود بالذات الذي كان يبني آمالاً كبيرة على فكرة إنشاء المسرح، أقول هذه الواقعة لتسجل في ملف المسرح البحريني كتجربة لم يقدر لها النجاح، وأصحاب الفكرة هم محمود المردي، أحمد يتيم، يوسف قاسم، ناصر بوحيمد، وعلي سيار».
في عام 1952 عاد السيار إلى البحرين مستقيلاً من عمله في البنك البريطاني ليلتحق بالعمل مديراً للمطبعة التي يملكها مؤيد أحمد المؤيد، واستمرت علاقته بالمردي «كنا نلتقي في العطل الأسبوعية التي يعود فيها إلى البحرين».
أثناء العمل بالمطبعة دخل عليه ذات يوم شخص عراقي اسمه كارنيك جورج، وفي يده ماكيت لجريدة أسبوعية بحجم التابلوريد وطلب منه أن يقدم له سعراً لطباعتها «استغربت الأمر في البداية، ولكن بعد دقائق علمت أنه حصل على ترخيص جريدة اسمها «الخميلة»، وأنه يعتزم إصدارها قريباً، أكثر من ذلك أعطاني صورة لفتاة جميلة وطلب مني أن أستوحي بعض الأبيات الشعرية منها، كما أعطاني نفس الصورة لأسلمها لمحمود المردي لنفس الغاية بهدف نشرها في الخميلة».
بعد أيام التقى المردي عندما كان في زيارته الأسبوعية للبحرين «رويت له حكاية «الخميلة» وصاحبها كارنيك جورج الذي يزمع أن يصدرها في البحرين، كان الموضوع يتصل باهتمامات محمود الصحافية باعتباره أحد مؤسسي مجلة صوت البحرين، كما يتصل باهتمامي الشخصي كوني أكتب بين الحين والآخر في صوت البحرين، في هذه اللحظة برقت في أذهاننا معاً فكرة إصدار جريدة أسبوعية نكون نحن أصحابها». وبعد مناقشات جادة على مدى يومين أو ثلاثة «استقر رأينا على أن نشرك بعض الأشخاص المعروفين من الأساتذة معنا في الجريدة لإعطائها صورة المؤسسة، وكان أن اتفقنا على بحث الأمر مع عدد من الأشخاص منهم يوسف الشيراوي، أحمد يتيم وهما مدرسان وناصر بوحيمد، واتصلنا بهم وعقدنا أكثر من اجتماع في بيت أحمد يتيم واتفقنا أن نصدر جريدة «القافلة»، وحصلنا على ترخيص إصدار الجريدة دون صعوبات، بل وحصلنا على دعم من صاحب العظمة المرحوم الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين، حيث أمر للجريدة بمقر يدفع عظمته إيجاره طالما الجريدة قائمة، وهكذا صدرت القافلة بتاريخ 7 نوفمبر 1952». ورأى نفسه ثانية في عمل مشترك مع المردي «كان محمود أيامها يعمل مديراً لأحد البنوك الأجنبية في الخبر، وكنت أنا مديراً لمطبعة المؤيد في البحرين، وبحكم وجودي الدائم في البحرين كنت أتولى عملية إصدار الجريدة تحريراً وتصحيحاً وإخراجاً، بينما كانت مهمة الشركاء الآخرين محمود المردي الأكثر عطاء للجريدة، وناصر بوحيمد ويوسف الشيراوي وأحمد يتيم هي الكتابة فيها».
تعرضت «القافلة» للإغلاق أكثر من مرة بواسطة المستشار الإنجليزي «في إحدى مرات التوقف طلب المستشار كشرط لإعادة إصدارها أن نختار لها اسماً آخر، وأن تخضع لمراقبة، وصدرت تحت هذه الشروط باسم الوطن، وهذه أيضاً تعرضت للإغلاق».
ويقول السيار «الشيء المثير الذي لا يعرفه إلا القليلون أن المردي بعد أن رأى تعثر القافلة كتب للمستشار يطلب بمفرده ترخيصاً لإصدار جريدة باسمه هو، سماها «الشعلة»، وكان أحد مبررات طلبه الترخيص هو أن الجريدة الجديدة ستكون أكثر اعتدالاً من القافلة والوطن، وأعطي الترخيص». حين صدر أول عدد من «الشعلة» وما إن اطلع عليه المستشار حتى أمر بإغلاقها «تناول المردي في هذا العدد الوحيد والنادر الوجود الآن، ما يشبه الخطاب الحماسي يتهم فيها أحد موظفي دار الاعتماد البريطاني بأنه جاسوس، أو شيء من هذا القبيل، وطبعاً لم يكن ذلك مقبولاً فتعرضت للإغلاق في يوم صدورها الأول».