كتبت - نورهان طلال:أثار مشروع قانون «الخلوة الشرعية» جدلاً قديماً متجدداً بين الحقوقيين والقانونيين وعلماء الدين، ليس في البحرين وحدها بل في الدول العربية والإسلامية، ويدور الخلاف في المملكة حول المكان المناسب لتطبيق اللقاء بين الزوجين، إثر طرح تعديل على إحدى مواد مشروع القانون تمنح النزيل حق زيارة أهله في المنزل، بينما تركت نص المادة المقترحة من قبل الحكومة إجراءات التطبيق للائحة تصدرها وزارة الداخلية لاحقاً.وقد يُسمح في البحرين للنزيل بالخروج إلى منزله ضمن ضوابط لوائح السجون، بحسب نائب رئيس لجنة الشؤون التشريعية بمجلس الشورى جميلة سلمان.وينتظر أن تفصل تلك اللوائح تنفيذ هذه المواد والتعامل مع النزلاء وتحديد فترات ومدد الخلوة الشرعية ، لضمان رجوع النزيل بعد قضائه يوماً كاملاً أو جزءاً من اليوم.خلاف على فهم القانونويتركز الخلاف حول تطبيق الخلوة الشرعية في المملكة في فهم المادة الخاصة بها، وتقول سلمان إن «لقاء الزوجة حسب أنظمة معينة في السجون البحرينية من أهم حقوق المواطن ومطبق في معظم سجون العالم مثل السعودية، حيث خصصت له أماكن داخل السجن»، فيما يرى عضو الشورى الشيخ خالد آل خليفة أن السماح للنزيل بزيارة أهله بعد مرور عام على إقامته بالسجن أفضل بكثير من تهيئة غرف أو أماكن مخصصة لهذا الغرض مراعاة للعامل النفسي للزوجين»، موضحاً أن «المكان سيظل سجناً غير ملائم لهذا اللقاء وسينظر باقي النزلاء للزوجة نظرة لا تليق بها». وترى لجنة الشؤون الخارجية برئاسة الشيخ خالد بن خليفة أن السماح للنزيل بزيار أهله للخلوة الشرعية أكثر تحضراً في التعامل مع نزلاء المؤسسات الإصلاحية والتأهيلية ، ومن هذا المنطق تبنت اللجنة التعديل معرباً عن أمله أن تنظم اللوائح التنفيذية هذه المادة بناء على سلوك النزيل. ولا يوجد اعتراض على تطبيق القانون لكن الاعتراض ينصب على اقتصار الخلوة الشرعية على المسلمين وانتفاء إمكانية تطبيقها على ديانات أخرى، وفقاً لرئيس لجنة الخدمات بالشورى عبدالرحمن عبدالسلام.ويوضح عبدالسلام أن القانون يمكن تطبيقه على جميع الديانات وعقود زواجهم شرعية بالنسبة لدينهم ولا مانع من تطبيق الخلوة في حالتهم، وعل كل سجين متزوج ولديه ما يثبت زواجه أياً كانت عقيدته. نجاح في السعوديةوطبقت المملكة العربية السعودية الخلوة منذ 22 عاماً بقرار من وزارة الداخلية السعودية، حيث عملت السجون على تمكين السجناء ذوي السيرة الحسنة من الخلوة بزوجاتهم مكافأة لهم على استقامتهم واحترامهم للأنظمة المعمول بها داخل السجن. وقال عضو الشورى عبدالرحمن عبدالسلام إن «الخلوة الشرعية تضمن أرقى الحقوق والقوانين المطبقة عالمياً في ظل سعي المملكة نحو الأفضل لتأهيل السجين».وأوضح مدير عام السجون السعودية اللواء د. علي الحارثي في تصريح لصحيفة «المدينة» السعودية أن المديرية العامة للسجون طبقت في العام 2007 نظام بصمة زوجة السجين ومطابقتها عند كل زيارة لبرنامج الخلوة الشرعية داخل السجون السعودية منعاً للإحراج، مؤكداً أنه تم تطبيق برنامج الخلوة الشرعية للسجناء والسجينات في جميع مناطق المملكة دون استثناء وتحديده حسب ظروف النزيل أو النزيلة. ولتحقيق الأهداف العامة من البرنامج في السعودية جرى بناء وحدات سكنية خاصة روعيت فيها خصوصية العلاقة الأسرية للسجين ، بإتاحتها مرة كل شهر لمدة ثلاث ساعات، وفي حالة تعدد الزوجات تكون الخلوة الشرعية مرتين في الشهر على الأقل، ولا تزيد عن أربع مرات.وتتاح الخلوة خارج السجن للنزلاء المحكومين بأقل من عام وأمضوا نصف المدة حيث يمنح السجناء مدة لا تزيد عن 24 ساعة في حال كان أهله يقطنون المدينة ذاتها الموجود فيها السجن، فيما يمنح السجناء خارج المدينة 72 ساعة لقضاء وقت أكبر مع أسرهم، ووصل عدد المستفيدين من تطبيق الخلوة في سجون السعودية 11 ألفاً و978 سجيناً. وترى بعض الدول العربية أن الخلوة امتهان للمرأة ونظرة غير إيجابية قد تجرح مشاعرها عند زيارة زوجها السجين، ويعلق الشيخ خالد آل خليفة أن القضية «فيها احترام للمرأة حيث يسمح للنزيل بزيارة أهله في البيت تحت ضمانات ومعايير من اللوائح التنفيذية». انقسام في مصر حول الخلوةوعلى غرار التجربة السعودية، تنقسم مصر بين مؤيد ومعارض للخلوة الشرعية، وحذر رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس الشعب سابقاً المستشار إدوارد غالي من أن تأخر تنفيذ الفكرة ينذر بتصاعد الإصابة بأمراض خطيرة مثل الإيدز، حيث كشفت ذلك لجنة زارت السجون في محافظتي الإسماعيلية وبورسعيد .وكان وزير الداخلية الأسبق اللواء النبوي إسماعيل أكد أن تطبيق الخلوة الشرعية في السجون المصرية أمر لابد منه بالنسبة للسجين وعائلته مرة واحدة شهرياً على الأقل في مكان مناسب لتحسين الحالة النفسية للسجين ولتجنب آثار اجتماعية سيئة عديدة.خلاف على المبدأويمتد الانقسام في آراء المهتمين بفكرة الخلوة إلى المبدأ بحد ذاته حيث يجده البعض منافياً لمبدأ العقوبة بينما فئة المؤيدين أن مبدأ العقوبة يجب ألا يمتد إلى زوجة السجين.وأيد غالبية علماء الأزهر تطبيق هذا القانون بينهم مفتي الديار المصرية د. علي جمعة، إذ قال: «يجوز شرعاً اختلاء المسجون بزوجته، والزوجة المسجونة بزوجها لممارسة الحقوق الشرعية الخاصة بالزوجين، لأن العقوبة في الإسلام شخصية ولا تتعدى الجاني إلى آخرين»، غير أنه استدرك أن «الأمر راجع إلى جهة الإدارة لفعل ما تراه صالحاً للمجتمع من المنع أو الإباحة». وأيد رأي المفتي أحد علماء الأزهر وهو الشيخ محمد المهدي حق المسجون في الخلوة بقوله إنها «مطلوبة وليست فقط مباحة على أساس أن الحبس جزاء أو عقوبة شخصية على الشخص نفسه وعلى مرتكب الجريمة فقط وزوجته ليست شريكة في عقوبته»، ويضيف أن «حرمان الزوجة من لقاء زوجها نوع من العقوبة على غير مرتكب الجريمة ويترتب عليه انحرافات كثيرة».واعترض على الرأي السابق بعض من يحتجون بأن الخلوة تتعارض مع فلسفة العقوبة في الإسلام، لأن الأصل في العقوبة هو الزجر والردع، وأن هناك قواعد فقهية تثبت ذلك، إضافة إلى أنه يفترض -حسب رأيهم- أن تحاط العلاقة الزوجية بالستر والحياء وهو مالا يتحقق في السجن، ويرون أن خروج المرأة بإذن مسبق لهذا الغرض يتعارض مع «الستر».
970x90
970x90