تحركت عجلة بلدي المحرق مجدداً باتجاه قضية سكن العمال العزاب، وهذه المرة انطلاقاً من الحادث الأليم الذي أودى بحياة 13 آسيوياً في المنامة بسبب تكدسهم في منزل متهالك، وسط تخبط الجهات المسؤولة وتبادل الاتهامات.
وفي وقت طالب فيه بلدي المحرق بإنشاء سكن للعمال بتمويل حكومي، كحل لحماية العمال العزاب، قام رئيس بلدي المحرق المهندس عبدالناصر المحميد بزيارة أمس لأحد هذه المنازل الواقعة في مجمع 209 بالمحرق القديمة وذلك إثر ورود تنبيه من أحد المواطنين الكرام عبر موقع تويتر الذي يديره أخصائي العلاقات العامة بالمجلس، وتبين أن ما يزيد على 30 عاملاً يسكنون في 5 غرف تقع في هذا المنزل القديم المفتقر لمقومات الأمن والسلامة والصحة، إضافة إلى وجود غرفة خشبية أضيفت بطبيعة الحال دون ترخيص بلدي.
وذكر مكتب رئيس المجلس أنه سيبدأ باتخاذ الإجراءات اللازمة وأولها الكشف عن سلامة المبنى، حيث إن تقارير إدارة الدفاع المدني تتيح إزالة المنزل فوراً إذا ما تبينت خطورته على ساكنيه وعلى المارة ومن دون المرور على أية تعقيدات قضائية أو إدارية للقيام بعملية الهدم.
وقال المحميد إن المجلس البلدي بادر بالاطلاع على كل الشكاوى الواردة بخصوص مساكن العمال غير المرخصة التي تتسبب في مشاكل عديدة ومن أهمها غياب أدنى مستويات الأمان في هذه المنازل القديمة التي هجرها أهلها بسبب غياب إستراتيجية تطوير المناطق القديمة وبالتالي هجر أهالي المحرق القديمة مساكنهم وهم عاجزون عن التصرف فيها.
وأكد أن المجلس سيعمل مجدداً على اتخاذ توصيات والضغط على الجهات المسؤولة للقيام بعملية حصر لهذه المنازل والعمل على محاربة هذه الظاهرة فوراً، والعمل جنباً إلى جنب مع هذه الجهات وإمدادها بكل ما يلزم من احتياجات مثل التراخيص البلدية والاتصالات بالمواطنين والإعلام وغيرها مما يلزم.
وأضاف المحميد: على الحكومة مسؤولية إصلاح هذا الوضع الذي بات يشكل مصدر قلق على المواطنين وبات يقلقهم في استقرارهم، وسلامتهم، خصوصا وأن هذه المباني والمنازل موجودة الأحياء السكنية المكتظة وعادةً ما تكون أحياء شعبية تختلط بين المواطنين والمقيمين من كل الفئات. وعليه يجب على الحكومة إيجاد الحلول الكفيلة والسريعة وهنا نقف وقفة لنطالب بإلزام المجلس التشريعي بإصدار تشريع ينظم عملية سكن العمال بين الأحياء السكنية بالإضافة إلى نوعية تلك المساكن بحيث تحدد مواد القانون ولائحته المعايير والاشتراطات التي تنظم سكن العمال.
الحاجة لحل جذري
بدوره قال نائب رئيس المجلس علي المقلة إن المجلس ومنذ انطلاقته الأولى في 2002 طالب بإنشاء سكن للعمال في منطقة مناسبة كالحد الصناعية، ووضعنا هذا المشروع في أول أولولياتنا، ولطالما طرحنا هذا الاقتراح كلما قابلنا المسؤولين في الدولة والمعنيين بالتخطيط الطبيعي، لكننا فوجئنا بأنه خلال هذه الفترة لم يتم إنشاء سوى سكن لشركة خاصة. كنا نتمنى أن يكون مثل هذا المشروع مدعوما حكومياً وتمتلكه البلدية لتستفيد من مدخوله أولاً ولكي نتخلص من سكن العمال في المناطق السكنية، لكن لم نحصد استجابة من المسؤولين.
وحذر المقلة من أن هذه الحادثة لن تكون الأولى ولا الثانية بل سوف تتكرر ما لم يتحرك المسؤولون في الدولة ويبحثون عن أماكن مناسبة وبديلة، ونحن نحمل وزارة العمل المسؤولية الأولى في الحريق الذي حدث في المنامة.
ولفت المقلة إلى ظاهرة السجلات الوهمية وهي من مسؤولية السجل التجاري بوزارة الصناعة والتجارة، غير أن وزارة العمل يجب أن تتابع هذه النقطة وتحلها، مشيرا الى أنه من الأهمية بمكان أن يكون هناك تنسيق ما بين الوزارات والمؤسسات في هذا الجانب.
وأضاف المقلة: سبق للمجلس أن قابل وزير الإسكان السابق الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة وقلنا له: نريد إعادة بناء المحرق، من جديد ولكن الوزارة ردت أن المنطقة أثرية! ونحن بالطبع لا نشمل المناطق والبيوت الأثرية ضمن اقتراحنا. يجب أن تتضافر الجهود ولا يتخلى أحد عن مسؤوليته، والمنتظر الآن ومن ضمن مسؤولية وزارة العمل القيام بمسح ميداني، ولا نقبل منهم التنصل أبداً بحجة أن بعض العمال غير مرخصين، هم في كل الأحوال المسؤولون عن العمال الأجانب.
الحكومة ليست جادة
بدوره حذر العصو غازي المرباطي من أن تفاقم الكوارث الناجمة عن أزمة سكن العمال العزاب في البحرين ينذر بأبعاد خطيرة لهذه الظاهرة على صعيد حقوق الإنسان.
وقال المرباطي: نعلم أن هناك كثيراً من البروتوكولات والاتفاقيات الدولية التي تلزم الدول بضرورة توفير سبل الحياة الآمنة لمواطنيها والمقيمين على أراضيها، لكن الحكومة غير جادة في حل هذه المشكلة خصوصاً أن كثيراً من الأصوات والجهات ومنها المجالس البلدية دقت ناقوس الخطر منذ عدة سنوات، مشيرة إلى أن هناك مؤشرات خطيرة تنذر بحدوث كوارث في هذه المباني التي هي بعيدة كل البعد عن المعايير التي تقتضيها الحياة الآدمية، إذ أصبحت مسألة حدوث تلك الكوارث هي مسألة وقت لا أكثر ولا أقل.
وأضاف: لعل الحكومة والجهات المعنية تعول على عامل النسيان وأن الأيام كفيلة بتغطية تلك الحوادث لتمسح من ذاكرة المواطنين، لكن ونحب أن نذكر أن الحكومة في كثير من الأوقات وجهت بحل هذه المشكلة إلا أن التوجيهات مازالت لم تفعل على أرض الواقع، مما يسيء لسمعة المملكة بأنها بلد يدعو لأن يكون مصدر جذب لرؤوس الأموال الأجنبية وأنه بلد يتسم بطابع الاستقرار الأمني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
وتساءل المرباطي: هل يعقل أننا تجاوزنا الألفية الثانية ومازلنا نتحدث عن معايير السكن اللائق للإنسان ومعايير سلامتها؟! وما زلنا نتحدث أيضاً عمن هي الجهة المسؤولة عن سلامة ومتابعة حاجيات هذه العمالة الوافدة التي نحملها في كثير من الأحيان أكثر من طاقتها فهي عمالة جاءت لخدمة هذا الوطن وساهمت في تنمية هذا البلد وتحملت أعباء الغربة لعشرات السنين في سبيل إيصال اللقمة لأبنائهم في بلدانهم الفقيرة. وفوق ذلك نتعامل معهم بطريقة لا تليق بما يقدمونه من إسهامات في عملية بناء البلد رغم الزخم التاريخي والحضاري لمملكة البحرين التي أكدت في كثير من مفرداتها أنها بلد الجميع وتستوعب الكل من خلال تلك المقومات التي كانت موجودة في الماضي والتي نفتقدها اليوم مع الأسف الشديد.
وتابع أن مؤشرات ظروف الحادث تشير إلى أن هناك مسؤولية كبيرة يجب أن تتحملها الجهات المعنية في الحكومة، خصوصاً عندما تتقاعس الجهات المسؤولة ومنها وزارة العمل والجهات الأمنية ووزارة البلديات والتخطيط العمراني والعديد من المعنيين عن إجراء مسح كفيل بأن يحدد صلاحية هذه المساكن هل تليق بسكن الآدمي أم هل هي ضمن المعايير واشتراطات الأمن والسلامة. وبالرجوع للحادث المؤسف الذي حصل أمس الأول فإنه يؤكد حتمية أن الجهات المعنية والمسؤولة هي بعيدة كل البعد عن تحمل مسؤولياتها في هذا الشأن! وإلا كيف يكون هناك مبنى لا تتعدى غرفه 25 ، وتتكدس فيه عمالة تصل أعدادها إلى 150 شخصاً تقريباً؟! مما يؤكد حدوث كوارث ومشاكل سواءً كانت اجتماعية أو أمنية أو صحية.
وواصل المرباطي: نتمنى أن تقوم الجهات المعنية إذا كانت لديها الرغبة في عملية المسح أن تبدأ في مجمع 211 الواقع في المحرق ضمن الدائرة الخامسة الذي أصبح كأنه مجمع سكني عشوائي بسبب تكدس العمالة العازبة خصوصا وأن صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء إبان انهيار أحد البيوت في المجمع نفسه العام الماضي قام بزيارة الموقع شخصياً ووجه لتطوير هذا المجمع وكانت الحادثة انهيار سقف منزل قديم جداً على العمالة الآسيوية وهم نائمون.
وأردف ان العمالة في هذا المجمع الصغير جداً والأصغر في الدائرة تقدر بأكثر من 8000 عامل وافد من خلال مسح ميداني قامت به وزارة الداخلية في فترة سابقة، ألا ينذر ذلك لا سمح الله بحدوث كارثة؟