يهدد انعدام الأمن المستمر في ليبيا، وآخر أحداثه الهجوم في عطلة نهاية الأسبوع على القنصل الإيطالي، بالقضاء على الجهود التي تبذلها السلطات لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية إلى بلد يعاني من انهيار اقتصاده بعد 8 أشهر من الثورة على القذافي عام 2011. وجاء الهجوم على القنصل الإيطالي غويدو دي سانتيس السبت الماضي والذي وصفته روما بأنه «عمل إرهابي دنيء» بعد 4 أشهر من قيام مسلحين بإضرام النار في القنصلية الامريكية في بنغازي ما أدى إلى مقتل 4 أمريكيين من بينهم السفير الأمريكي كريس ستيفنز.
ورأت المحللة كلوديا غازيني من مجموعة الأزمات الدولية والمتواجدة في طرابلس أن «هذا الهجوم هو بالتأكيد سبب لقلق العديد من شركات النفط التي تعمل في ليبيا او تخطط للعودة الى ليبيا».
وقالت إن الهجوم «يمكن أن يكون له تاثير سلبي على قرارهم بالبقاء في البلاد او العودة إليها. وهذا أمر سلبي لأنه يأتي في الوقت الذي تبذل فيه الحكومة الليبية جهوداً مكثفة لإقناع الشركات الأجنبية بالعودة».
وإيطاليا هي الدولة المستعمرة السابقة لليبيا وكانت تتمتع بعلاقات وطيدة مع الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، رغم انها انضمت إلى الحلف الأطلسي للإطاحة به لاحقاً. كما إنها تعتبر أكبر مستثمر أجنبي في قطاع الطاقة الليبي. وفي ديسمبر الماضي، وبعد توقف أعقب الثورة الليبية، أعلنت شركة النفط الإيطالية العملاقة «اينا» عن استئناف عملياتها للتنقيب عن النفط في ليبيا لتصبح ثاني شركة أجنبية تقوم بذلك بعد شركة سوناطراك الجزائرية.
وقال المحلل والمؤرخ محمد المفتي الذي يعمل من بنغازي إن محاولة اغتيال القنصل الإيطالي تعتبر «إحراجاً للسلطات التي تحتاج إلى الاستثمارات الخارجية لدعم الاقتصاد».
وجاء إطلاق النار بعد يومين من توجه رئيس المؤتمر الوطني العام في ليبيا محمد المقريف، الى روما لإجراء محادثات مع قادة الأعمال. وتقوم الوفود التجارية الأوروبية بزيارات دورية إلى طرابلس، إلا أن العديد من رجال الأعمال تبنوا منهج الانتظار لرؤية تطور الأحداث، ويرغبون في التأكد من أن الحكومة المؤقتة التي تولت مهامها في نوفمبر الماضي تستطيع ان تحكم قبضتها على الأمن في البلاد. وزارت موفدة وزارة الخارجية الفرنسية لشؤون المواطنين الفرنسيين في الخارج هيلين كونوي موريه العاصمة الليبية الاسبوع الماضي لتقييم الوضع وتشجيع الشركات الفرنسية على العمل في ليبيا. وقالت في كلمة امام الجالية الفرنسية في طرابلس، ان «القضايا الامنية تشكل هاجسا لشركاتنا». والجالية الفرنسية في ليبيا صغيرة ومعظمها من الرجال بعد رحيل الزوجات والأطفال. والمدرسة الفرنسية لا تزال تعمل إلا أن ثلثي طلابها من الليبيين. وصرحت كونوي موريه للصحافيين أنه رغم الدرجة العالية من التفاؤل بشأن الفرص المستقبلية في ليبيا، إلا أن العديد من أصحاب المشاريع ينتظرون تحسن الوضع الأمني. وقالت إن «الشركات الكبيرة لديها بروتوكولات أمنية، ولكن أصحاب المشاريع الصغار الذين يأتون لوحدهم يفتقرون إلى الدافعية لأن الصور التي نراها عن ليبيا في فرنسا لا توحي بوجود أمن». وقالت المسؤولة الفرنسية انها امضت ساعتين من رحلتها في مناقشة الإجراءات الأمنية. وفي العاصمة يتنقل الدبلوماسيون ورجال الأعمال في عربات مصفحة برفقة مستشارين امنيين. وتنصح العديد من الحكومات بعدم السفر الى طرابلس الا للضرورة. وفي عام 2012 سحبت العديد من الحكومات دبلوماسييها او خفضت عددهم في مدينة بنغازي شرق البلاد ومن بينها البريطانية والفرنسية والامريكية والمصرية والتونسية وذلك بعد الهجمات التي استهدفت دبلوماسييها.
ووقع أكثر تلك الهجمات دموية في 11 سبتمبر عندما هاجم مسلحون القنصلية الأمريكية في بنغازي ما ادى الى مقتل السفير كريس ستيفينز و3 أمريكيين آخرين.
وقالت غازيني «يجب أن لا ننسى أنه رغم أن الأجانب أصبحوا هدفاً في بنغازي، فإن الليبيين أنفسهم، خاصة عناصر قوات الأمن، أصبحوا أهدافاً».
وتسارعت وتيرة الهجمات ضد المسؤولين الأمنيين في ليبيا، بمن فيهم ضباط امن خدموا في النظام السابق، في بنغازي، فيما يلقي العديد باللوم في العنف على المقاتلين. والجيش والشرطة الليبية الناشئة ضعيفة ولا تستطيع ضبط المسلحين.
«فرانس برس»