الكويت ـ عبدالرحمن محمد أمين:
إبراهيم الفيلكاوي ابن جزيرة فيلكا الكويتية، تمرس بصناعة السفن الخشبية من صناديق الفواكه الفارغة مذ كان مراهقاً في الرابعة عشرة من عمره، سلاحه الوحيد حبٌ للمغامرة وظروف مالية صعبة واجهت أسرته.
درس في الكويت وأكمل تعليمه بالولايات المتحدة الأمريكية، وبعد التخرج عمل مهندساً للمعدات الثقيلة بإحدى الوزارات الكويتية، قبل أن يبدأ تصميم السفن.
شارك فيلكاوي في صناعة سفينة «نقعه»، وعُرضت برعاية الشيخ عبدالله الجابر الصباح بمدرسة المباركية، فيما نالت سفينته المهداة للشيخ صباح السالم الصباح إعجابه ووضعها على طاولة مكتبه وأجزل له العطاء.
بدايات النشأة
وُلد إبراهيم الفيلكاوي في جزيرة فيلكا عام 1949، وتعد أسرته من أوائل العائلات التي سكنت الجزيرة، وكانت دراسته في مدرسة المعري بمنطقة الفحيحيل بمدينة الكويت العاصمة بعد انتقال العائلة من الجزيرة يقول «تخرجت من الثالث الثانوي وأكملت تعليمي بالولايات المتحدة الأمريكية، وبعد التخرج عملت في إحدى وزارات الدولة مهندساً للمعدات الثقيلة وكان ذلك عام 1979».
بداية تعلمه صناعة السفن الصغيرة والمتوسطة كانت في العام 1963، كان عمره حينها 14 ربيعاً «تعلمت صناعة السفن من أعمامي وأخوالي.. كانوا نواخذة بحر ومن كبار السن، كنت أحرص على مراقبتهم وهم يصنعون السفن على شواطئ البحر، وكانت بداية صناعتي للسفن بواسطة الصفائح المعدنية الخفيفة، وبعدها اتجهت إلى صناعة السفن الخشبية من صناديق الفواكه الفارغة، والدافع ضيق اليد في تلك الفترة».
شارك فيلكاوي في بعض المعارض المدرسية، كان أولها عام 1968 بمدرسة المباركية «طلب مني المشاركة ناظر المدرسة ويدعى محمد العتيقي، ساهمت بتصميم سفينة تسمى «نقعه» وسفينتين أخريين من الصفيح «التنك» وكان المعرض حينها برعاية الشيخ الراحل عبدالله الجابر الصباح وزير المعارف.. أُعجب بأعمالي وشجعني على مواصلة المهنة، وقدم لي مكافأة مالية قدرها 30 ديناراً وشهادة تقدير».
جاءت الفكرة بعدها في فتح ورشة تجارة صغيرة في المنزل عام 1968 بعد أن اصطحبني خالي محمد إبراهيم السبت ـ وكان نهاماً في بوم القطامي ـ إلى منطقة العشيرج والدوحة حيث كانت تصنع السفن الكبيرة على يد أشهر القلاليف إبان تلك الفترة، أمثال علي عبدالرسول القلاف وابنه حسن وكان يطلق عليهم لقب الأساتذة، ولديهم عمال من سلطنة عُمان ومنطقة الأهواز العربية، طلب منهم خالي تعليمي فـــــن صناعـــة السفــن أثنــــاء عطلة المدارس الصيفية، حيث كنــت مقابــــل تعليمـي أقــدم الشاي والماء وعمل (الكدو) خدمة للأستاذ، مكثت عندهم 3 أشهر».
بعدها مارس فيلكاوي مهنة صناعة السفن في منزل العائلة «كنت أستخدم المطرقة والمنشار والمجدح، كان العمل متعباً، وكثيراً ما تعرضت للضرب على أصابعي لقلة الخبرة، إلا أني والحمدلله بعد الاستمرار في العمل وإصراري للوصول إلى ما كنت أطمح إليه تعلمت الصنعة بإتقان».
كان يذهب بصورة مستمرة إلى حوض صناعة السفن الخشبية ويطلق عليه «الحوطة»، يطبق ما يشاهده لعمل السفن الصغيرة في بيته «أتذكر أن أول سفينة كبيرة صنعتها كان طولها 3 أمتار قدمتها هدية للمغفور له أمير الكويت الأسبق الشيخ صباح السالم الصباح عام 1969.. أعجب بها سموه وأمر بوضعها في مكتبه الخاص، وأكرمني بمبلغ من المال ساعدني في عمل ورشة نجارة في بيتي، وطلب مني الاستمرار في العمل حفظاً للتراث الكويتي القديم من الاندثار».
الأعمال والمعارض
تقديراً من فيلكاوي لأعمال وإنجازات وزارات الدولة قدم الكثير من السفن الصغيرة والمتوسطة للوزارات ومازالت تلك السفن معروضة هناك «شاركت في عدة معارض خارجية في دبي والبحرين وعُمان، وشاركت على مدى 4 سنوات متتالية من عام 1975 إلى 1980 في معارض بجمهورية مصر وأمريكا».
ويتذكر أنه في عهد المغفور له سمو أمير البحرين الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، كان ضمن وفد الكويت المشارك وكان موقع إقامة المعرض باب البحرين «من خلال زياراتي المتكررة للبحرين.. أعتـــــــــز بإقامـة علاقات صداقة مع أفراد من عائلة المناعي وبوعركي، وتربطني صداقة قوية مع الشاعر مبارك العماري وأزوره باستمرار، وحالياً أنا عضو في الموروث الكويتي (متحـــــــــف بيت الضمان) ومسؤول عن شؤون البحر، وآخر معرض شاركت فيه كان بدولة قطر حيث أقيمت خلاله مسابقة المحامل القديمة والفن البحري، وكنت عضواً في لجنة التحكيم وفازت في المهرجان سفينة بحرينية اسمها السمحان لمبدعها محمد عبدالله القلاف، وفاز بحارة البحرين بجدارة في مسابقة المحار (الدشه)».
ويأســــــف فيلكـــــاوي لمشاهدته سفناً قديمة جداً تحكي تاريخ وفن صناعة السفن في منطقة الخليج العربي معروضة في قطر، بعد شرائها من البحرين وعُمان وجلبها إلى قطر حيث يتم إصلاحها وإعادتها لهيئتها الأصلية وعرضها هناك ويقول «أنا حتى الآن صنعت أكثر من 300 سفينة».
بخصوص المــــــــــــواد المستعملة في صناعة السفن يفضل فيلكاوي «الصاج القديم» وهي العراج القديمة وعمرها 15 عاماً أو أكثر لأنها تحتوي على اللون الطبيعي «أشتريها من داخل الكويت وحالياً أعد دراسة في الموروث الكويتي بطلب من المجلس الوطني للفنون والآداب، حيث كلفت لعمل ورشة دائمة لتعليم الشباب فن صناعة السفن في متحف بيت الضمان للموروث الشعبي، والحمدلله أنه لدينا الآن إقبال كبير من الشباب لتعلم الحرفة، وكل ما نرجوه زيادة الدعم الحكومي».
وحول المدة التي يستغرقها عمل السفينة الصغيرة يقول فيلكاوي «تحتاج أسبوعاً واحداً فقط، أُجيد صناعة سفن البقلة والقنينة والبدن والبتيل والشوعي والجالبوت والأبوام بكل أنواعها وحسب طلب الزبون، ولدي القدرة في عمل الأبواب والشبابيك المستخدمة قديماً في الكويت بجانب صناعة الصناديق المبيتة القديمة، وأُطلق علي مسمى (عاشق التراث الخليجي القديم).. في أيام الإجازات والأمسيات أقضي وقتي مع أبنائي وأحفادي ولدي الآن 8 أبناء 2 ذكور و6 بنات ومن الأحفاد 24».