عندما يبدأ أي مجتمع التحول الديمقراطي فإنه يحتاج للوصول إلى حالة من التوافق الديمقراطي، فما معنى هذا التوافق؟
التوافق الديمقراطي ليس مصطلحاً سياسياً علمياً، وإنما وصف لحالة سياسية معينة، وهي الحالة التي تكون فيها كافة مكونات المجتمع من جماعات إثنية، وجمعيات سياسية، وحتى مؤسسات المجتمع المدني وغيرها متوافقة على الديمقراطية نفسها كنظام سياسي. وأحياناً أخرى تستخدم لوصف قرار سياسي معين، بحيث يقال «تم التوافق الديمقراطي على إقرار هذا القانون».
التوافق الديمقراطي مهم في أي نظام سياسي، لأنه يعكس حالات الاتفاق بين كافة الأطراف تجاه القضايا السياسية، وهو في الوقت نفسه يعكس قدرة النظام والدولة على استيعاب درجات الاختلاف في الرأي المتعددة، ونقلها لحالة من التوافق، بحيث يتمكن كل طرف من تحقيق جزء من رأيه وبما لا يتجاوز الحد الأدنى.
فعلى سبيل المثال، لو كانت هناك قضية داخل مجلس النواب تتعلق بقانون جديد مهم يجب إقراره، وكانت هناك اختلافات في الرأي والتصور بشأن القانون من قبل الكتل البرلمانية المختلفة، فإن المطلوب لإقرار هذا القانون هو حالة من التوافق الديمقراطي، بحيث تتمكن كل كتلة برلمانية من طرح وجهة نظرها، وتحقيق رؤيتها في القانون بشكل لا يقلل من أهمية وجهات النظر المغايرة لدى الكتل الأخرى. وفي هذه الحالة تقوم كل كتلة بمحاولة توفيق رؤيتها مع رؤى وتصورات الكتل الأخرى لتصل إلى توافق معها بما يخدم إقرار القانون نفسه.
التوافق الديمقراطي له كثير من الإيجابيات، فهو يساعد الآراء المختلفة على توحيد رؤاها في رؤية واحدة وإن تنوعت الاتجاهات فيها، وأيضاً يساهم التوافق الديمقراطي في منع حدوث الصراعات بين الجماعات والقوى السياسية. وبالتالي نجد أن المجتمعات التي تتمتع بتوافق ديمقراطي مرتفع تتميز بدرجة استقرار سياسي مرتفعة، والعكس صحيح في المجتمعات التي لا تتمتع بتوافق ديمقراطي دائماً ما تشهد صراعات واختلافات وعدم الاستقرار السياسي.
ارتباط الديمقراطية بالتوافق مسألة أخرى مهمة، فالديمقراطية تتطلب قبولاً بالاختلاف في الرأي ضمن نظام واحد سواءً ارتبط ذلك بالأغلبية أم الأقلية، فالجميع لديه القابلية لقبول الرأي الآخر الذي توافق عليه الجميع. وعليه فإنه لا يمكن أن يكون هناك توافق غير ديمقراطي.
ليس سهلاً الوصول للتوافق الديمقراطي في أي مجتمع أو نظام سياسي، لأن التوافق الديمقراطي يتطلب فترة من ممارسة الديمقراطية عبر صناديق الاقتراع، وعبر فترة طويلة من العمل البرلماني المستمر الذي يؤدي إلى الاستقرار السياسي. فالتوافق الديمقراطي مرتبط بممارسات التحول الديمقراطي، فعادة لا تشهد الأنظمة السياسية المتحولة للديمقراطية حديثاً توافقاً ديمقراطياً إلا بعد فترة من الزمن، وسبب ذلك أن حالة الاختلاف والصراع في بداية التحول الديمقراطي تكون مرتفعة وهو ما يختلف تماماً بمرور الوقت بعد أن تصبح الممارسات الديمقراطية أكثر نضجاً.
السؤال الآخر هنا؛ هل هناك متطلبات للتوافق الديمقراطي؟
بلا شك هناك متطلبات، وهي متطلبات مهمة يجب مراعاتها لإحداث توافق ديمقراطي عام، ويمكن عرضها في الآتي:
أولاً: وجود قضية عامة: ويقصد به أن القضية المطلوب إحداث توافق عام بشأنها تهم مختلف مكونات وشرائح المجتمع، وتمس حياتهم بشكل مباشر.
ثانياً: القابلية لقبول الرأي والرأي الآخر: لا يمكن بأي شكل من الأشكال الوصول إلى حالة التوافق الديمقراطي إذا لم تكن لدى كافة الأطراف قابلية لقبول الآراء المختلفة. وينبغي هنا أن تسود قناعة بأن تعدد وتنوع الآراء مسألة إيجابية وتثري القضية المطلوب إحداث توافق ديمقراطي بشأنها. كما يجب إدراك أن التنازل عن الرأي وقبول آراء الآخرين لا يقلل من قيمة من قدم هذا التنازل. ثالثاً: وجود الآليات السياسية الفعّالة: من غير المنطقي إحداث حالة التوافق الديمقراطي في نظام ليس لديه برلمان أو سلطة تشريعية. وبالتالي من متطلبات هذه الحالة توافر آليات دستورية وقانونية تنظم حالات الاختلاف في الآراء وتساعد على اتخاذ القرارات بشأن القوانين والقضايا محل الخلاف والنقاش في القضايا العامة. أخيراً، ماذا بعد التوافق الديمقراطي؟ هل هناك حالة أخرى أكثر تقدماً من الاتفاق في الرأي وتوفيق المصالح بين كافة الأطراف؟
أثبتت التجارب الإنسانية أن التوافق الديمقراطي هو أقصى حالة وصلت لها التجارب الإنسانية التي تحولت إلى أنظمة ديمقراطية. كما أثبتت التجربة أيضاً أن التوافق الديمقراطي يحدث مزيداً من الاستقرار السياسي والأمني، أما إذا كانت النتيجة ال عكس، فإن هناك خللاً أساسياً في التحول الديمقراطي الذي يشهده المجتمع، وينبغي معالجته سريعاً، ولا تتم هذه المعالجة إلا بمزيد من الإجراءات التي تسهم في التحول الديمقراطي، وتساعد على توفيق الآراء المختلفة بما يحقق التوافق الديمقراطي.
infobipd.gov.bh