قال المستشار بالديوان الملكي وعضو هيئة كبار العلماء وإمام الحرم المكي الشريف بالمملكة العربية السعودية الشيخ د.صالح بن حميد إن حقوق الإنسان في الإسلام تنبع من التكريم الإلهي للإنسان، إلا أنه أشار أن هذه الحقوق ليست مطلقة بل مقيدة بعدم الإضرار بمصالح الجماعة، فيما قال النائب العام د.علي البوعينين إن سن التشريعات اللازمة لتنظيم أوجه وكيفية ممارسة حقوق الإنسان ضرورة.
وأكد المتحدثون، خلال فعاليات الملتقى العلمي الثاني للشرطة العربية أمس، أن أهم ضمانات حقوق الإنسان وجود مرجعية دستورية لهذه الحقوق والحريات والأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث والرقابة القضائية على دستورية القوانين وقرارات الإدارة العامة والرقابة من خلال الصحافة والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني ومن خلال المؤسسات الرسمية.
وفي محاضرة عن دور الإسلام في حماية حقوق الإنسان، أكد الشيخ د.صالح بن حميد أن حقوق الإنسان في الإسلام تنبثق من العقيدة الإسلامية وخاصة عقيدة التوحيد ومبدأ التوحيد القائم على شهادة أن لا إله إلا الله هو منطق كل الحقوق والحريات لأن الله تعالى الواحد الأحد الفرد الصمد خلق الناس أحراراً، ويريدهم أن يكونوا أحراراً، ويأمرهم بالمحافظة على الحقوق التي شرعها والحرص على الالتزام بها، ثم كلفهم شرعاً بحمايتها بالجهاد في سبيلها والدفاع عنها، ومنع الاعتداء عليها وهذا ما تكرر في القرآن الكريم.
وأضاف أن حقوق الإنسان في الإسلام تنبع من التكريم الإلهي للإنسان بالنصوص الصريحة، وهو جزء من التصور الإسلامي والعبودية لله تعالى وفطرة الإنسان التي فطره الله عليها كما أنها منح إلهية منحها الله لخلقه وشاملة لكل أنواع الحقوق سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية وهي عامة لكل الأفراد دون تمييز بسبب اللون أو الجنس أو اللغة وثابتة ولا تقبل الإلغاء أو التبديل أو التعطيل لأنها جزء من الشريعة الإسلامية.
وأشار الشيخ د.صالح بن حميد إلى أن حقوق الإنسان في الإسلام ليست مطلقة بل مقيدة بعدم التعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية وبالتالي بعدم الإضرار بمصالح الجماعة التي يعتبر الإنسان فرداً من أفرادها مضيفا أن العلاقة بين واجبات الإنسان وحقوقه علاقة جدلية إنتاجية فهما متلازمان كل منهما يقرر الآخر.
وأوضح أن الإسلام أبدى اهتماماً كبيراً بحقوق الإنسان وكفل لها الحماية ولم يقتصر على بعض الحقوق وإنما أكد على ضرورة حماية كافة حقوق الإنسان ومنها حق الحرية وحق الحياة وحق الفرد في الحصول على محاكمة عادلة.
وفي المحور الديني، جاءت ورقة د.أحمد هليل تحت عنوان «بيان دور الدين في المحافظة على حقوق الإنسان في الإسلام» موضحاً أن الحقوق في الإسلام منظومة شاملة متكاملة تضبطها قيم إلهية رفيعة وتنتظمها أخلاق عالية بديعة تسع الدنيا والآخرة تنتظم المسلم وغير المسلم، المرأة والرجل، الطفل الصغير والشيخ الكبير، تنتظم القتيل والجريح، والأسير المحارب والذمي والمعاهد، والكهل والجنين المولود، وتشمل أيضاً الجماد والنبات والحيوان، ثم تكون دليل عدل وإنصاف في أوقات الحرب والسلام.
أما وزير العدل بالجمهورية اليمنية القاضي مرشد العرشاني، فقد كان المحور الأساسي في ورقة العمل التي طرحها عن دور القضاء في حماية حقوق الإنسان، واستهلها بالإشارة إلى أن الإنسان كائن اجتماعي لا يعيش إلا في الجماعة، منوهاً إلى أنه كلما تطورت الجماعة فإن ذلك يولد النزاعات، وبالتالي كان لابد من وجود سلطة لفض هذه المنازعات ومنع نشوب الفوضى داخل المجتمعات.
وفي هذا الشأن، ووفق رؤية القاضي العرشاني، يجب قيام ولاة الأمور بالمحافظة على استقلالية السلطة القضائية وحمايتها، مشيراً إلى أن القضاء مر بمراحل تطور، تماشت مع العصر الحديث الذي شهد تطوراً هائلاً في سبل ارتكاب الجريمة، فظهرت أشكال للقضاء منها القضاء الدستوري والمدني، كما ظهرت محاكم متخصصة كالمحاكم الابتدائية والاستئنافية.
وضمن هذه الأوراق العلمية بالغة الأهمية، جاء الطرح الذي تقدم به النائب العام في مملكة البحرين د.علي البوعينين من خلال ورقة العمل تحت عنوان «ضمانات المتهم والمشتبه فيه في مرحلة جمع الاستدلالات» حيث أوضح أن أساس حقوق المتهم هو الدستور، منوهاً إلى أن النصوص الدستورية بما لها من مقام الصدارة في قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها باعتبارها أسمي القواعد الآمرة، اهتمت بالإنسان في نموذجه الفردي، فبعد أن وضعت له ضماناته الأساسية في ممارساته الخاصة فيما يصب في جانب الحريات بجميع أنواعها، نجد الدستور يسبق استعراضه سلطات الدولة ومجالسها النيابية ببيان وافٍ لحقوق الفرد في باب مستقل هو الباب الثالث المعنون (الحقوق والواجبات العامة).
ومضى النائب العام في ورقته حيث تناول تعريف مرحلة جمع الاستدلالات باعتبار أن الاستدلال هو المرحلة التحضيرية للدعوى الجنائية، وغايته جمع المعلومات الأولية وإجراء التحريات حول جريمة وقعت، والعمل على كشف مرتكبها، ثم مضى إلى تناول السلطة المختصة بالاستدلال موضحا أن القانون حدد الأشخاص المكلفين بإجراءات جمع الاستدلالات في فئة من موظفي الدولة يتمتعون بصفة الضبطية القضائية، أطلق عليهم مسمى مأموري الضبط القضائي.
ثم تطرق النائب العام إلى الاختصاصات القضائية لمأموري الضبط ومشروعية الاختصاصات الاستثنائية، موضحا أن الدستور وإن كان قد كفل في نصوصه الحريات من بين الحقوق الفردية التي انتظمها، فإنه ترك للمشرع من بعد ذلك سن التشريعات اللازمة لتنظيم أوجه وكيفية ممارسة هذه الحقوق، ولوضع القيود المشروعة لممارستها بعد تمحيصها على متون العقيدة والفضيلة والعرف السائد، حتى يضمن استعمالها فيما يوافق المصلحة المرجوة منها.
وبعد أن استعرض النائب العام في ورقته ضمانات المتهم والمشتبه فيه من خلال القيود على سلطة مأمور الضبط القضائي والضمانات في ما يتعلق بالقبض والتفتيش، أكد على أنه وإن كانت الدولة معنية بحكم قانونيتها بصون الحقوق الاجتماعية كافة والدفاع عنها، ومن ثم ملزمة في إطار التطبيق بحفظ حريات أفرادها، وهو ما يعبر عنه في مجمله بكرامة الإنسان، فإن ممثل السلطة الذي ينوب عن الدولة في ممارساتها إزاء الأفراد ملزم بصفة خاصة بحسن استعمال السلطة التي أوكلت إليه وهو ما نطلق عليه في المقابل «سمو الأداء».
وفي ورقة عمل مقدمة من مساعد آمر الأكاديمية الملكية للشرطة العقيد الركن د.حمد بن محمد آل خليفة والتي قام بتقسيمها إلى مطلبين رئيسيين هما تنمية المهارات والقدرات مع التركيز على تغيير الاتجاهات والدوافع لدى رجال الأمن وتجربة مملكة البحرين في تطبيق معايير حقوق الإنسان كنموذج يحتذي به.
وفي ما يتعلق بالمطلب الأول، أشار إلى أن ذلك يتحقق من خلال تطبيق مجموعة من الحقوق الأساسية والأبعاد المتداخلة والمتضافرة معاً كالحقوق الدينية والإدارية والنفسية والمعنوية والتعليمية والتدريبية والقانونية والاجتماعية والسياسية وقام باستعراض كل منها بالتفصيل.
وخلال استعراضه تجربة مملكة البحرين في تطبيق معايير حقوق الإنسان كنموذج يحتذي به، قال مساعد آمر الأكاديمية الملكية للشرطة إن البحرين شهدت أحداثاً لم يسبق لها مثيل في تاريخها، ولتجاوز ما خلفته تلك الأحداث من تداعيات سلبية على مجمل الأوضاع ، دعا جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة لتشكيل اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق لإجراء تحقيق حاسم في الأحداث حيث قامت بتقديم تقريرها المكون من 1725 بنداً في 608 صفحة في 23 نوفمبر 2011 واستغرق عمل اللجنة حوالي 4 شهور وجمعت 8110 شكاوى وإفادة من الأفراد والمؤسسات تتعلق بمختلف انتهاكات حقوق الإنسان ذات الصلة بنطاق عملها، مضيفاً أنه خلال عمل اللجنة تم الإفراج عن أكثر من 300 موقوف، وقدمت الرعاية الطبية للمصابين، وإعادة مئات الموظفين المفصولين والطلبة.
واستعرض مساعد آمر الأكاديمية الملكية للشرطة خلال الورقة جهود وزارة الداخلية في تنفيذ توصيات اللجنة وفي مجال حماية حقوق الإنسان، ومنها إصدار مدونة سلوك رجال الشرطة، إصدار كتيب تفصيلي يعرض واجبات عناصر الأمن والإجراءات التي يجب الالتزام بها عند إلقاء القبض على المتهمين، تنفيذ برامج موسعة للتدريب على قواعد النظام العام وتطبيق كافة المعايير الدولية، تصميم وتنفيذ دورات تدريبية قانونية لأفراد قوات الأمن العام من أجل تعزيز حماية حقوق الإنسان.
وتحت عنوان «الأجهزة الأمنية ودورها في تطبيق حقوق الإنسان.. تجربة المديرية العامة لقوات الدرك الأردنية» جاءت ورقة العمل التي تقدم بها إلى الملتقى الفريق الركن الدكتور توفيق حامد الطوالبة المدير العام لقوات الدرك الأردني تناول فيها ماهية الحقوق وضماناتها والتزامات المملكة الأردنية الهاشمية في مجالات حقوق الإنسان وواجبات ومهام قوات الدرك ومدى توافقها مع احترام حقوق الإنسان.
وفي ذات الإطار جاءت ورقة العمل التي أعدها اللواء حسين فكرى أحمد عثمان مساعد وزير الداخلية المصري لقطاع حقوق الإنسان والتواصل المجتمعي تحت عنوان «تجربة وزارة الداخلية في مجال ترسيخ مفهوم حقوق الإنسان بكافة قطاعاتها» واستعرض في مستهل الورقة جهود وإستراتيجية الوزارة في نشر وإعلاء قيم وثقافة حقوق الإنسان بين مختلف العاملين بالوزارة ودور قطاعات الوزارة المعنية في التخطيط والرقابة الذاتية من أجل حماية ودعم حقوق الإنسان والتسهيلات التي أقرتها الوزارة للمواطنين راغبي الحصول على الخدمات الأمنية.
خلال الحلقة النقاشية التي عقدت أمس حول هذا المحور، أكد المقدم محمد بن دينة مدير الإعلام الأمني والذي ترأس الجلسة أنه من حسن الطالع أننا نعيش في مجتمعات آمنت بهذه الحقوق والحريات، انطلاقاً من تعاليم ديننا وقيمنا العربية الأصيلة والتي أرست بين أفرادها نهجاً اجتماعياً من الفضائل تستحق الاعتزاز بها، منوهاً إلى أن ثقافة حقوق الإنسان تشكل واحدة من أبرز مقومات مجتمعاتنا العربية، وأضاف أنه من منطلق هذه الثقافة، يبقى الإعلام وبمختلف أشكاله ووسائله، داعماً رئيسياً في ترسيخ هذه الحقوق والحريات وهو ما يحمله مسؤولية كبرى في الدور الرقابي والتنويري، ليس فقط كونه حارساً على حماية هذه الحقوق والدفاع عنها وإنما ليقوم بدوره التثقيفي والتوعوي في هذا المجال وهي مسؤولية رئيسية لإعلامنا العربي يجب ألا يتخلى عنها أو يهمل جزءاً منها.