أكد الداعية الشيخ خالد السعدون أن “وعد الله حق أن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها وأجلها”، موضحاً أن “رزق العباد سواء كانوا من الصالحين أو الطالحين مكتوب عند الله في السماء وهو في بطن أمهاتهم”، مشيراً إلى أنه “لا يأخذ أحدٌ من رزق أحد”. وأوضح أن “رزق العباد المتكفل به هو الله سبحانه”، مشدداً على “ضرورة الاقتداء بنصيحة الرسول صلى الله عليه وسلم في النظر إلى من أسفل منا، ولا ننظر إلى من هو فوقنا، فذلك أجدر أن لا نزدري نعمة الله”.
وأشار إلى أن “قواعد الرزق تنقسم إلى 4 أبواب، الأول هو قواعد علمية عقدية في فقه الرزق، والثاني قواعد الطمأنينة في الرزق، والثالث قواعد عملية في تحصيل الرزق، والرابع قواعد منهجية مكملة وقرينة للقواعد العملية”. وأضاف أن “قواعد الطمأنينة في الرزق” تنقسم إلى 6 قواعد على النحو التالي:
رزقك مكتوب
ذكر الشيخ السعدون أن القاعدة الأولى تنص على أن “رزقك مكتوبٌ وأنت في بطن أمك”، ودليل هذا قوله صلى الله عليه وسلم: “إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكاً فيؤمر بأربع كلمات: ويقال له اكتب عمله ورزقه وأجله وشقيٌ أو سعيدٌ، ثم ينفخ فيه الروح”. بل والحق أنه قد كتب من قبل ذلك بكثير، فعن عبدالله بن عمرو مرفوعاً: “كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة”.
رزقكم في السماء
وتابع الشيخ السعدون أن القاعدة الثانية تتمثل في أن “رزقك في السماء”، قال الحق سبحانه وتعالى: ?وفي السماء رزقكم وما توعدون?. وقال تعالى: ?وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم?. فإذا كان رزقك في اللوح المحفوظ مكتوباً، ثم كتب تارةً أخرى وأنت في بطن أمك، ثم هو عند الله لك في السماء محفوظٌ، لا يضيع منه شيءٌ، وليس هو بيد أحد سوى الرحمن، وسينزله الحق عز وجل ولابد، ولكن لا ينزل إلا بسببه الحلال، وقد ينزل بالحرام ولا بركة فيه وسيمحق ولابد، وإلا فالمال هو الذي يمحق صاحبه، فعلام الخوف من حرمانه؟! واستنزاله من الكريم بمعصيته؟! وفي هذا المعنى ثمة واقعةٌ جميلة رواها الطبراني في زياداته على كتابه “الجود والسخاء” عن عبدالله بن فروخ قال: “كنت أمشي مع طلحة في موال له، ومعنا إنسانٌ غالٌ، فانتزع رداء طلحة فأحضن به، فذهبنا نتبعه، فقال دعوه، فما أراه حمله على هذا إلا الحاجة، ولو سألنا لأعطيناه ما هو أفضل منه، فمشى في قميصه بغير رداء”.
لا يأخذ أحد رزق الآخر
وأضاف الشيخ السعدون أن القاعدة الثالثة تقول إنه “لا يأخذ أحدٌ من رزق أحد”، بل وحتى ولدك الذي يخرج من صلبك لا يأكل لقمةً هي لك، وكما قال ربنا تبارك وتعالى: «ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئاً كبيراً». فانظر رحمك الله: كيف أنه تعالى قد فصل رزقهم عن رزقك، فقال: «نحن نرزقهم» ثم قال: «وإياكم» بل وقدم رزقهم على رزقكم، وهذا يؤيده الواقع: فمن رزقهم في بطون أمهاتهم؟! وكذا فالذي قد رزقهم هنالك في ضيق البطون المظلمة، ليس عاجزاً عن رزقهم في أرضه الواسعة.
رزق الخلق على ربهم
وأوضح الشيخ السعدون أن القاعدة الرابعة تقول إن “الخلق كلهم على الله وحده رزقهم”، قال تعالى: ?وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كلٌ في كتاب مبين?. فإذا كان الملك الحق سبحانه وتعالى يرزق الكافر ومن يسبه، فمن باب أولى أن يرزق عباده الطائعين الصالحين، فالله خلق الخلق، وخلق معهم رزقهم، بل ونزل معهم رزق دوابهم فضلاً عن رزقهم، فإذا كان يرزق الدواب التي سخرها لهم، فبالأولى أن يكون قد نزل رزقهم أولاً، ودوابهم لهم تبعٌ، قال تعالى: ?الذي جعل لكم الأرض مهداً وسلك لكم فيها سبلاً وأنزل من السماء ماءً فأخرجنا به أزواجاً من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى?.
كل نفس تستوفي رزقها
وقال إن القاعدة الخامسة تشير إلى أن “كل نفس لن تموت إلا بعد أن تأخذ رزقها كله”، وهاك حديثاً عجيباً يثبت ذلك، فقد روى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود مرفوعاً: “وإن الروح الأمين نفث في روعي أنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعاصي الله، فإنه لا ينال ما عنده إلا بطاعته”. وتابع الشيخ السعدون “بل والحق أن أرزاقنا هي التي تطلبنا! ذلك بأنها قد كتبت في اللوح المحفوظ، ثم كتبت ونحن في بطون أمهاتنا، فما دمنا نرزق فلا موت، ولا ينفد عمرنا إلا بنفاد رزقنا، فإذاً رزقنا نأخذه كاملاً، قبل أن يأتي أجلنا، فإذا جاء الأجل فالرزق يكون قد انقطع، فعلام الخوف عباد الله؟! وعلام التحاسد؟! ولا يأتيك أنت ولا غيرك إلا ما به قد جف القلم، بل وهو يطلبك لا أنت طالبه، كما رواه ابن حبان عن أبي الدرداء مرفوعاً: “إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله”. ومن عجيب الأثر في ذلك ما رواه ابن حبان عن ابن عمر قال: “جاء سائلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا تمرةٌ عائرةٌ فأعطاه إياها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم خذها لو لم تأتها لأتتك”. وفي تاج العروس: “ثمرةٌ عائرةٌ: ساقطةٌ لا يعرف لها مالكٌ”.
ويقول الله تعالى في كتابه ?وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم?، قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: (أي: الله يقيض لها رزقها على ضعفها، وييسره عليها، فيبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يصلحه، حتى الذر في قرار الأرض، والطير في الهواء، والحيتان في الماء، قال الله تعالى: ?وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كلٌ في كتاب مبين?.
وأضاف الشيخ السعدون “هناك معنى آخر تحتمله الآية، وهو أنك قد ترى بعض الفقراء في الدول الفقيرة أو المنكوبة، فتقول في نفسك: كيف يعيش هؤلاء؟ في زمن الغلاء والوباء؟ مع علمك بأن لا مال لهم؟ ولا عرضاً من الدنيا معهم؟! وليس معهم قوت يوم أو يومين أو أكثر بقليل أو كثير!! بل والبعض منهم تراه بلا عمل أصلاً! وكثيرٌ ما هم!! فتقول كيف يعيشون؟! ولعلك في غناك ومن الغلاء تعاني! فمن لهؤلاء يأبه ويبالي؟! فحينها ستعلم أن الذي من عدم خلق فأحيا، ليس عاجزاً عن الرزق مما أوجد وأبقى”.
العبرة من الأدنى
وأشار الشيخ السعدون إلى أن القاعدة السادسة هي “انظر إلى من هو أدنى منك”، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله”. وهذا القاعدة التي أدب بها النبي صلى الله عليه وسلم الأمة قد أدبه ربنا بنحوها من قبل حين قال له: «ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خيرٌ وأبقى».