كتبت ـ ريناتا عزمي:
روت لنا جداتنا خرافات “أم الخضر” و”الليف” و”أم حمار” و”حمارة القايلة”، فـ”أم حمار” مثلاً تدوس كل طفل يلعب تحت أشعة الشمس الحارقة، بينما تخطف “أم الخضر” من لا ينام باكراً.
ربما تكون هذه من أسباب ظهور الحكاية الخرافية، ولكن أليس ثمة أسباب أخرى؟ إذ يرد البعض كل ظاهرة لا تفسير علمي لها إلى التحليل الميتافيزيقي، وهنا تصبح للحكاية أيدٍ وأرجل، فللأفعى خمسة رؤوس، والمرأة بقدمي إوزة، والتنين بجناحي طائر الرخ.
ويقول الباحث التراثي يوسف النشابة إن خرافة “أم حمار” ارتبطت بالنساء خاصة، حيث لم تكن الأمهات يغسلن الملابس في البيوت، بل يقصدن عيون المياه العذبة ويخرجن في مجموعات.
ويضيف أن المرأة مبررها جاهز أمام زوجها لتأخرها في الأوبة للمنزل، والملامة دوماً “أم حمار” التي ضللتها الطريق “كانت (أم حمار) بمثابة شماعة تعلق عليها النسوة أخطاءهن، ولا أحد يلومها على تضليلها للناس، كانوا يخشون مجرد الحديث عنها فهي مسخ.. امرأة برجلي حمار..!”.
ويذكر النشابة أن المجتمع قديماً كان يجهل مسببات الحوادث العلمية والمنطقية، ويميل لتفسير الحوادث والأمور بطريقة خيالية وخرافية، ويسندون مسببات الأشياء لقوى الطبيعة وقوى الشر “شخصية أبو دارياه، أو بابا دارياه، وهو مسمى فارسي يقصد به أبو البحر، شخصية خرافية مرتبطة بأهل البحر والصيادين”.
ويواصل النشابة “عندما يغرق أحدهم أو يصاب بحادث في البحر، يلقون بالملامة على بابا دارياه.. ومثلها كانت خرافة بوعدوين فعندما يصاب أحدهم بآلام في المعدة كان يقول (عندي بوعدوين)، أي أصابني بوعدوين بألم، مع أن المسبب ربما كان نزلة برد، أو تلبك معوي.. لكن بسبب افتقار المجتمع للتبرير المنطقي والعلمي للأشياء، كانت النوائب تُفسر بالخرافات”.
ويدلل النشابة على رأيه بخرافة الحوتة والقمر “عندما يحل الخسوف، وهي ظاهرة طبيعية لها ما يفسرها علمياً، كان الناس يقولون (ويه القمر بلعته الحوتة).. يخرج الأطفال بمجموعات، يمسكون الهاون ويضربونه ويرددون “لا إله إلا الله محمد رسول الله”.. وحسب اعتقادهم أن هذا (يخرّع الحوتة) ويجبرها على إخراج القمر من جوفها، وعند انتهاء ظاهرة الخسوف يقول الناس (زاعته الحوته) أي أخرجته من جوفها”.
ويرد النشابة أسباب انتشار الخرافة إلى طبيعة العادات والتقاليد المتحفظة “عند ذكر العروسة أمام العريس مثلاً لا تذكر بشكل مباشر إنما يقال (طل وشوف يالمعرس في المنظرة رمان) في إشارة إلى عروسه.. الثقافة الجنسية كان لها رموزها الخاصة تتوافق والأطر والمحددات العرفية السائدة”.
أيضاً إذا نجح أحدهم في أمر ما يقول “والله سعيدان وقف معاي”، وسعيدان شخصية خرافية تجلب الحظ والسعادة، دون أن يرد أفراد المجتمع نجاح شخص ما إلى اجتهاده أو ذكائه.. وهنا يلفت النشابة إلى أن هذه المعتقدات والخرافات دليل جهل وغياب وعي ساد المجتمعات العربية في عصور سالفة.