كتب ـ حسين التتان:
تُلامس منامة السياحة هذا المساء قصة الحضارة، وفي مقاربة لمكون العمران التاريخي، تفتتح وزارة الثقافة في فصل “السياحة الثقافية” أولى عروضها المتحفية الخاصة بتاريخ الأسرة المالكة في قلعة الشيخ سلمان بن أحمد الفاتح بالرفاع.
المكان لوحده قصة وحكاية، والتفاصيل تروي تاريخ بناء الدولة، وما شهدته البحرين من تعاقب للحضارات أثرت مكونها المعماري والبشري أيضاً، من دلمون إلى تايلوس إلى بحرين الحاضر والمستقبل تاريخ يروي قصة إنسان أو مجموعة عمرت هذه الأرض وسكنتها وورثت إبداعها للأجيال اللاحقة.
المتحف يجسد واحداً من مشاريع البنية السياحية التحتية المحققة مع مطلع العام السياحي، وبرعاية كريمة من رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة.
ويمثل المشروع إحياءً لمنطقة قلعة الرفاع، وإثراء موقعها وذاكرتها التاريخية عبر سلسلة عروض متحفية وتوثيقية، وتأهيل المكان وإحيائه في إعادة سرد التاريخ وتجسيد انعكاسه من ذاكرة المكان ذاتها ومحيطها المعماري.
خصص للمتحف مساحة مسورة ومغطاة داخل القلعة، وهو عبارة عن شاشات عرض إلكترونية، تمكن الزائر من استعراض الصور وتكبيرها وتصغيرها بضغطة زر واحدة.
ويضم المتحف عدة أقسام تتناول شجرة العائلة المالكة، وقسماً لأنواع الخيول التي اقتنوها على مر التاريخ، وثالثاً للصقور والأدوات المستخدمة في صيدها، وقسماً رابعاً للسيوف العربية العائدة للأسرة المالكة في البحرين.
ويفتتح غداً في زاوية من زوايا قلعة الفاتح مقهى “الزعفران”، في محاولة لإعادة إحياء مهن وحرف بحرينية طالها النسيان.
ووزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة وفي تصريح لـ”الوطن” قبيل افتتاح المتحف قالت، إن قلعة الرفاع بدت جاهزة في حلتها الجديدة لافتتاحها اليوم، لافتة إلى أهمية القلعة على خارطة تاريخ البحرين، وما تمثله من رمزية للعائلة المالكة.
وأضافت أن الاستعدادات قائمة على قدم وساق “كل يعمل بروح الفريق الواحد، وستكون هناك العديد من المفاجآت تنتظر الزوار، وستحمل القلعة من التفاصيل المهمة، ما تدعو الزائر للانبهار”.
وأبدت الوزيرة رغبتها في أن تكون المواقع الأثرية في البحرين، جاذبة ومستقطبة للمواطنين قبل السواح الأجانب، وقالت “ما يؤلم كثيراً أن هناك بعض المواطنين يسافرون للسياحة الخارجية، قبل أن يسوحوا في البحرين أصلاً، البحرين تملك إرثاً تاريخياً عريقاً بين دول العالم، وأنسب عنوان يمكن أن نصدر به عام السياحة هو(اعرف وطنك)”.
وفي معرض حديثها عن المنامة عاصمة السياحة العربية 2013، أكدت الوزيرة أن أولى هذه الافتتاحات هي قلعة الرفاع وعروضها المتحفية، وأن للتكنولوجيا بصمات واضحة في هذا الشأن، لافتة إلى أن القلعة تحكي قصة العائلة المالكة، كما هو حال بقية المواقع الأثرية وما تحمله بين طياتها من خصوصية تاريخية.
ونبهت إلى أن الأشهر المقبلة تشهد افتتاح بعض الأماكن التراثية والسياحية، وتعرض للجمهور عبر برنامج متكامل.
وقالت الوزيرة “لا يمكن للعمران القديم أن يُمحى، حيث يعاود الآن حدوثه في استحضار ثقافي مميز يعتمد على المرأى والملمس كذريعة حقيقية تشرح التفاصيل الأولية وتعيد إنتاج الحضارات وتمريرها أمام البصر لتؤكد الحكايات والأحداث، وتسترد دورها التوثيقي على الملأ”. ولفتت إلى أن قلعة الرفاع تختزن أهمية حضارية كبرى كونها مفصلاً تاريخياً وحقبة مهمة تؤرخ لمتغيرات حياتية شهدتها المنطقة، موضحة “نحيك الآن تاريخنا بأسلوب الحكاية، ونُخرِج هذا التوثيق من ركوده إلى حراك الحياة حيث نصنع متقابلات حضارية متوازية ما بين الماضي والحاضر”.
وأكدت أن هذا الاسترداد المعماري يعادله من ناحية أخرى توضيحات تاريخية وثقافية ومعرفية يجب تحريكها وتفعيلها في الثقافات العامة، منبهة إلى ضرورة إدراج هذا التاريخ في مشاريع البنية التحتية كونه نموذجاً يستثمر تركة الماضي ويضيف إلى جاهزية المكان قيمة وظيفية متجددة.
وأضافت “نملك في الوطن العربي أماكن خصبة لمشاريع عديدة لا يمكن تحويلها إلى مجرد مزارات أو وقف تأمل، بل تكمن قيمتها الحقيقية في تجريدها من عاملها الزمني وتهيئتها لتتخذ مكانها ووظيفتها في الحاضر”.
ومن تشكيل القلعة الصخري الجميل، استدرج القائمون على المشروع فضاءً عمرانياً خاصاً، حيث صممت شركة “لا ميدوز” الفرنسية ومعماريو “PAD” ركناً داخلياً بهيكل مرن في قلب الفناء الداخلي للقلعة، يمثل بتصميمه معرضاً مفتوحاً يستدعي ملامح تاريخ العائلة الحاكمة “آل خليفة”.
ويتصل بالتكوين العمراني الآخر لكافة مرافق القلعة، ولا يقتصر العرض على استعادة المشاهد وتذكارات الزمن، بل يلامس الحياة ويستدرجها إلى داخله عبر مقهى ملحق بالمكان، يطل بشرفته على وادي الحنينية، في تكامل حي بين التاريخ والبيئة.