كتب ـ حسين التتان:
قاربت البحرين بالأمس تاريخها العمراني، ووثقت بتقنيات التكنولوجيا الحديثة تفاصيل حياة بناتها الأوائل، ودشنت في فصل “السياحة الثقافية” مشروعاً لتأهيل البنى التحتية الجاذبة للسواح، كانت أولى انطلاقات العروض المتحفية الخاصة بتاريخ الأسرة المالكة في قلعة الشيخ سلمان بن أحمد الفاتح بالرفاع.
المنامة عاصمة السياحة العربية 2013 عاشت الحدث ووثقته، وفي استعادة زمنية ومكانية للمتغيرات التاريخية والمرحلة الانتقالية التي شهدتها البحرين، حفظ المتحف إلكترونياً مأثورات العائلة المالكة.
المشروع الذي رعى انطلاقته رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة وأناب عنه وزير الدولة لشؤون الدفاع الشيخ د.محمد بن عبدالله بن خالد آل خليفة، وحضره عدد من الوزراء والشخصيات الدبلوماسية والمهتمين بالشأن الثقافي، احتفى بتفاصيل حياة الأسرة المالكة، وثق شجرة العائلة وما اقتنته عبر تاريخها الطويل من سيوف عربية وخيول أصيلة إضافة للصقور والأدوات المستخدمة في صيدها.
ينتقل مشروع “العروض المتحفية” في قلعة الفاتح بهذا المعمار إلى دور حضاري توثيقي، يعيد توظيف المكان وحفظ مكوناته وتراكيبه إلى جانب إعادة إنتاج مخزون حضاري وقيمي تختص به هذه الحقبة، وينأى عن تحويل القلعة إلى وقف تأمل مكاني، بل يهيئها لتتخذ من طبيعتها الصخرية وذاكرتها الزمنية وظيفة تفاعلية تلامس الزوار وتشرح بأسلوب الحكاية ملامح تاريخ العائلة الحاكمة.
الشركة الفرنسية “لا ميدوز” ومعماريو “PAD” صمموا ركناً داخلياً بهيكل مرن في قلب الفناء الداخلي للقلعة، يمثل بتصميمه معرضاً مفتوحاً يستدعي ملامح تاريخ العائلة البحرينية الحاكمة ـ آل خليفة، ويتصل بالتكوين العمراني الآخر لكافة مرافق القلعة، ولا يقتصر العرض على استعادة المشاهد وتذكارات الزمن، بل يلامس الحياة ويستدرجها إلى داخله عبر مقهى ملحق بالمكان، يطل بشرفته على وادي الحنينية، في تكامل بين التاريخ والبيئة.
وقالت وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة بهذه المناسبة، إن المتحف هو المشروع السياحي الأول لهذا العام، باعتباره مرحلة توثيقية وتأريخاً يقوم على فكرة المعايشة والاحتكاك بالموجود من الذاكرة والمكان، مضيفة “العمران ذاكرة واقعية تضع الحقائق والقصص التاريخية في قالبها الملموس والحسي”.
وأردفت “نحن نكرس الآن حياة كاملة بالصوت والصورة والملمس والتجسيد الحقيقي للموجودات، تاركين للحياة بتفاصيلها أن تتحول إلى فيلم يسرد الوقائع ويلخص الأحداث”، مؤكدة أن الثقافة يمكنها أن تترك أثراً أبدياً يشهد له العمران.
وأردفت “الحضارات المستندة على العمارة لا يمكنها أن تنتهي، فكل الحضارات السابقة عندما صاغت وجودها بهذه الطريقة لم تنس”، داعية إلى ضرورة استثمار تركات الحضارات الماضية وتوظيفها لتندمج في الواقع المُعاش ورسم خطط مستقبلية لها.
ونبهت وزيرة الثقافة إلى أن جاهزية الأمكنة وقيمتها الوظيفية بالإمكان تجديدها وتوجيهها لتكون مشاريع مستدامة، استناداً إلى تاريخ خصب ومواقع أثرية يمكن استرداد الحياة فيها وتجسيدها كمتوازيات بصرية وزمانية تجعل من العملية التوثيقية متاحة للجميع.
وأكدت أن المعرض نال إعجاب الزائرين، وهذا مالاحظته من خلال تفاعلهم مع شجرة العائلة المالكة، والبهجة المرسومة على محياهم، ما يدلل على قوة المعرض وجاذبيته.
ولفتت الوزيرة إلى أن إحياء موقع قلعة الرفاع، ليس لأجل الاستعراض الجامد، بل يقدم للجمهور إضافات ومعلومات تاريخية وثقافية مهمة، وأنها تسعى بأقصى جهودها لأجل إبراز تاريخ البحرين، وأن هذه الجهود متواصلة ولن تنتهي عند القلعة.
وقالت إن الانتظار الطويل من قبل الجميع، تمخض أخيراً عن معرض متكامل في جوانبه التكنولوجية، بفضل مختصين أنجزوا هذا المعرض المتطور، وما يملكه من دقة عالية وجودة في التصاميم والابتكارات، مشيرة إلى أن شعار الثقافة لهذا العام في المنامة عاصمة السياحة العربية، سيكون “السياحة تثري”، ويعني “أننا سنصل إلى كل نقطة في البحرين لأجل أن تكون منارة للحضارة والمعرفة”.
من جهته أثنى وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة على الجهود الجبارة المبذولة من قبل وزيرة الثقافة لإحياء التراث البحريني، وعلى مجهوداتها الحثيثة في مناطق البحرين عامة، لوضعها على خارطة السياحة العالمية، لافتاً إلى أن كل كلمة تقال بحق وزيرة الثقافة لا تفيها حقها.
وقال “أشكر وزيرة الثقافة على جهودها المبذولة لأجل حفظ هوية الوطن عبر إبراز تراثه، وهي خلقت في الواقع مدرسة جديدة، من شأنها الحفاظ على تاريخ البحرين على مر الأجيال”.
وأضاف وزير الخارجية “نحن أدركنا جزءاً من تاريخ القلعة، حيث كان يسكنها آباؤنا، أما اليوم وبعد أن تحولت القلعة لوزارة الثقافة، تم تطويرها بطريقة مبهرة، حتى أصبحت تحفة عمرانية وأثرية وثقافية، تؤرخ حضارة الوطن”، لافتاً إلى أن القلعة ليست بالمكان الجامد، لأنها تمثل تاريخاً وواقعاً نعيشه.
وعد الوزير المعرض الذي ابتكرته وزارة الثقافة داخل القلعة، من أرقى المعارض على مستوى العالم، لما يحويه من تكنولوجيا متطورة، يرشد زائريه على أسماء وآثار مرت من هنا، داعياً كل بحريني إلى ضرورة أن يفصح عما يملكه من تراث، لإبرازه للآخرين لأجل الإطلاع عليه، ليكون ملكاً للناس جميعاً، وألا يخفي أي جزء من التراث في منزله بل عليه أن يعرضه ليعرف الناس بتاريخ وطنه.
من جهته أشاد نائب رئيس نادي الرفاع الشيخ زياد بن فيصل آل خليفة بجهود العاملين في مجال إحياء التراث البحريني، وفي مقدمتهم وزيرة الثقافة، مشيراً إلى أن قلعة الرفاع في حلتها الجديدة، ترسخ الماضي وتراثه في وعي المجتمع، وتكون معلماً حضارياً تدرسه الأجيال المقبلة.
وأكد أن القلعة قريبة منه جغرافياً ووجدانياً، لأنها قلعة الآباء والأجداد، وهو نشأ فيها، وتعني له الشيء الكثير، وقال “لو ذهبنا بعيداً لعرفنا أنها تمثل حضارة الوطن العريقة، وترسخ معالمه الثقافية ومكانته العلمية”.
أما عن رأيه بخصوص المعرض أضاف “بما أن الجيل الحالي هو جيل تكنولوجي، فإن عرض تاريخ القلعة وتراث البحرين بطريقة تكنولوجية، يجذب هذا الجيل لمعرفة تاريخ بلده بطريقة يحبها، ولهذا فإن المعرض حاكى الماضي بأروع صورة باستخدام التكنولوجيا المتطورة”.