يمشي الكاتب المصري أحمد الخميسي في مجموعته القصصية الجديدة «رأس الديك الأحمر»على حد سيف، فلا يستدرجه أبطال قصصه إلى براءة الرومانسية ولا تغيب عنهم خبرة الحياة، فيتمكن المؤلف كصائغ ماهر من نسج عواطف إنسانية في لغة عذبة رغم واقعية الحدث.
في قصة «ومض» يتعرض أستاذ الفيزياء بالجامعة لأزمة بعد فقد زوجته رحاب، ويشعر بطيفها يحيط به ويشغله عن أي شيء وأي أحد ويتساءل «لماذا لا يؤمن الإنسان كما آمنت رحاب أن أرواح الغائبين تنصت إليه حين يخاطبها؟ وأن المدى الذي تبلغه قدرة الروح على البقاء والتحول لانهائي؟ أتكون الومضة روحاً... أهي رحاب تذكرني... تعلم أن صوتها يصلني؟».
ويتصاعد شعوره بالومض الذي يتجسد له طيفاً دون وجه فيتحادثان ويتناجيان حتى أن الزوج يقول له «لا بد أن هناك وسيلة تجتاز بها الروح المسافات المجهولة إلى الروح» ولكن الطيف لم يحتمل ولم ينصت ثم ارتجف وتسرب من أمام عيني الزوج الذي ينهار عالمه.
وحمل الغلاف الأخير كلمة للمترجم المصري أبو بكر يوسف الذي وصف القصة بأنها «قطعة من الألماس النادر كتبت بقوة وحرارة وصفاء تستدر الدموع والحنان، نسيج من نور لا يمكن لمسه باليد الخشنة بل يحتاج إلى قلب طهور مشع بالنور كي يحتضنه ويدس وجهه فيه ويبكي، إذ لم يقف المؤلف خارج الحدث بل تورط فيه لدرجة تجعل القارئ صديقاً للبطل المعذب بالفقد». وأحمد الخميسي الذي ترجم مجموعات قصصية وكتباً نقدية عن الأدب الروسي له مؤلفات عن التجربة السوفيتية منها «موسكو تعرف الدموع» 1991 و»حرب الشيشان.. رحلة إلى الجبال» 1996 و»نساء الكرملين» 1999 وصدرت له 4 مجموعات قصصية آخرها «كناري» الفائزة بجائزة ساويرس لأفضل مجموعة قصصية فرع كبار الأدباء 2011.
وفي مقدمة عنوانها «الكاتب والكتابة» استعرض الكاتب المصري إبراهيم حمزة رحلة الخميسي مع كتابة القصة القصيرة منذ نشر قصته الأولى «الشوق» عام 1965 وكيف قدمه محمود السعدني ويوسف إدريس ليقول في نهاية المقدمة «عادة يضيء النقد العمل الإبداعي إلا أن القارئ لأعمال الخميسي يشعر أن النص يضيء النقد» مضيفاً أن في قصصه ما يدعو لتأمل الحياة.
وإذا كانت «ومض» الواقعة في 20 صفحة هي أطول قصص المجموعة، فإن «قائمة للنسيان» تلخص في 6 صفحات تناقضات وشفافية الشعور الإنساني، حيث يقرر شاب قطع علاقته بحبيبته إذا لم تتصل به لتصالحه قبل أن يصل إلى بيته، وحين يقترب من البيت يتلكأ كي يمنحها فرصة وهي لا تتصل ثم يدخل البيت ويجد زميله الذي يسأله «ألم تتصل؟» فيرد عليه أنها لم تفعل وأنه قرر أن ينساها تماماً.
ويقترح الشاب أن يكتب قائمة بالمواقف والذكريات التي جمعتهما كي يستبعدها من ذاكرته ويسجل بخفة ظل وهو يحكي لزميله كيف ذهبا للسينما ثم قبلها «مشهد فظيع لا ينسى. تسجيله ضروري لكي أنساه» ثم يكتب أنها أعطته فرشاة أسنان وأنه كان يشعر بها كلما نظف أسنانه «أتعرف ما الذي فاتني تسجيله؟ نظرة عينيها بالذات حين كانت تنظر إلي بحنان.. سجلتها» إلا أن اتصالاً مفاجئاً منها ينسف قائمة النسيان ويجعل الشاب ينطلق إليها طاوياً كل درجات السلم بقفزة واحدة.
وبقدر ما تعيد القصص لقارئها إحساسه بإنسانية الإنسان فهي تعلي أيضاً قيماً في مقدمتها الحرية.
في قصة «رأس الديك الأحمر» يذبح الديك ويفصل رأسه الذي يستدعي ذكريات قديمة حين كان يختال مع غيره من الديوك ويحاول الرأس الوصول إلى الجسد فيعجز ويجد عزاء في مزيد من الذكريات، ثم يرى في باب الغرفة طريقاً للنجاة واسترداد الحرية «ابتهل الرأس إلى الرب أن يمنحه لحظة واحدة مع بدنه ليبثه الرسالة» ولكن الرأس الذي علق آماله في النجاة بالباب يفاجأ بالجسد يضرب الهواء ويطير وينتزع حريته عبر الخروج من النافذة التي لم يفكر فيها الرأس.
ويكتفي الرأس المهزوم بالنظر إلى النافذة قائلاً «لقد نجا؟... كيف لم تخطر النافذة على بالي؟» ويحشد الرأس بقايا طاقته «يتسمع جناحيه في الهواء البعيد.. إنه أنا من دوني.. فكيف حدث ذلك؟».
تقع المجموعة في 160 صفحة من القطع المتوسط، وتضم بين ثناياها 16 قصة قصيرة وأصدرتها هذا الأسبوع «الكتب خان» للنشر والتوزيع في القاهرة.