شدد مستشار جلالة الملك للشؤون الدبلوماسية د.محمد عبدالغفار رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات» على أن دول المنطقة ومجمل الدول العربية أحوج ما تكون إلى نهضة فكرية تسهم في وضع أسس جديدة لحراك مجتمعي قائم على فكر يتخطى الموروثات السلبية التي مزقت أواصر المجتمعات وشتتها على أسس مذهبية وإثنية، وأن تؤسس لظهور مدارس فكرية جديدة تتحرر من التأثير السلبي للأيديولوجيات المتطرفة والجماعات المتشددة، والتي يجب أن تبنى على أسس المواطنة في إطار التنمية السياسية والاقتصادية. وقال د.محمد عبدالغفار، خلال انطلاق ندوة «الشباب واللاعنف تعزيز المشاركة السياسية والتنمية الاقتصادية» التي نظمها مركز «دراسات» صباح أمس بحضور ممثلين عن الجمعيات الشبابية والمهتمين بالشأن الشبابي، إن المنطقة العربية تشهد تحولات كبرى على الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وبعض دول المنطقة يمر بمنعطفات خطيرة وصراعات مجتمعية تستنزف الموارد الاقتصادية والطاقات البشرية وتستهدف التجانس المجتمعي.وذكر مستشار جلالة الملك للشؤون الدبلوماسية إن غياب الفرص وعدم إدماج الشباب في مختلف المجالات أسهم في إشعال توترات سياسية في المنطقة في الوقت الذي يواجه في العالم العربي والإسلامي تحديات على الصعيد الديمغرافي المتمثل في الزيادة الهائلة في أعداد الشباب.وأكد أن المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المنطقة لا تقل أهمية عن التطورات السياسية، لافتاً إلى ضرورة أن تبادر دول مجلس التعاون الخليجي إلى تطوير برامج التنمية البشرية وتبني الإصلاح الاقتصادي الشامل؛ والاهتمام بقطاعات الثقافة والفكر.ولفت مستشار جلالة الملك للشؤون الدبلوماسية إلى أن المشاركة الشبابية في مجالات التطوير والتنمية هي المدخل الأساسي لإدماج هذه الفئة المهمة من المجتمع ومن شأنها تجديد الدماء في شرايين النظم السياسية والاجتماعية والمساهمة في حركة التنمية المستدامة.وقال د.محمد عبدالغفار إن إقصاء الفئات الشبابية أو منعها من ممارسة حقوقها في المشاركة السياسية سيدفع بها للتعبير عن رأيها بطرق سلبية تتسم بالتمرد والعنف، مشيراً إلى أنه في حال بروز مثل تلك الظواهر فإنه يتعين على جميع الجهات الرسمية المعنية بالتنشئة الشبابية ومنظمات المجتمع المدني أن تتكامل في أدوارها لمعالجة ظاهرة العنف لدى الشباب، وأن تعمل على معالجة هذه الظاهرة وتوجيه فئة الشباب إلى التفكير العقلاني في التعبير عن آرائهم، بشرط الابتعاد عن منطق الفوقية والوصاية، مع التأكيد على أن المعالجة الحقيقية لتفشي هذه المظاهر يكمن في معالجة المشاكل المجتمعية المسببة لها؛ كتحسين الأوضاع المعيشية للأسر الفقيرة، والحد من البطالة، ورفع الأجور، وتحسين مستوى التعليم، وفتح الباب أمام الشباب للمساهمة الفعالة في الأنشطة المجتمعية.وأضاف أن ذلك يدعو للتأكيد على أن مملكة البحرين بحاجة ماسة إلى تبني المواهب الشبابية، وعقد الفعاليات والبرامج العلمية التي تتفتق فيها عبقريتهم في مختلف المجالات العلمية والأدبية والفلسفية.وقال د.محمد عبدالغفار إن المشروع الإصلاحي لجلالة الملك قد ارتكز على إشراك الشباب في العملية الإصلاحية من حيث تشجيعهم على إبداء الرأي واتخاذ القرارات، وإبراز القيادات الشابة في مختلف المواقع المهمة في المملكة، مما ساعد الشباب البحريني على تحقيق العديد من الإنجازات في مختلف المجالات والأصعدة. واستطرد قائلاً إن رغبة جلالة الملك في تعزيز المشاركة الشبابية في المجال السياسي قد تجلّت من خلال تخفيض سن الانتخاب إلى 18 سنة في قانون مباشرة الحقوق السياسية استجابة لتوصيات حوار التوافق الوطني في العام الماضي.ولفت إلى مساعي المملكة لإشراك الشباب ومنها إطلاق الاستراتيجية الوطنية للشباب عام 2009، وما تلاها من جهود لتطوير هذه الرؤية للتعامل مع تحديات الفترة 2011-2015، وذلك بمبادرة من المؤسسة العامة للشباب والرياضة، وبمشاركة مختلف وزارات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، وبالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حيث تم التركيز على ثلاثة قطاعات رئيسة هي: التعليم والتدريب، والعمل، والثقافة. وأشار مستشار جلالة الملك للشؤون الدبلوماسية إلى ضرورة تقديم القطاع الخاص إسهامات نوعية في تنمية البرامج الشبابية، وكذلك الحال بالنسبة لمؤسسات المجتمع المدني والجامعات والمدارس، فضلاً عن دور الأسرة، ودور الشباب أنفسهم، والذين يتعين عليهم التحلي بالوعي الكافي لتلبية تطلعاتهم وتحقيق طموحاتهم.ولفت إلى أن النهضة الشبابية المنشودة لا يمكن أن تظهر إلا من خلال تنامي الحس الوطني لدى الأجيال الصاعدة بالمسؤولية الملقاة على عاتقها للخروج بعالمنا العربي والإسلامي من حالة الركود الثقافي الذي انتابه خلال القرن الماضي وأدى إلى نضوب الكوادر المبدعة، وذلك في ظل الركون إلى ثقافة التبعية والخمول بدلاً من البحث عن مكامن العبقرية والإبداع والأخذ بأسبابها.مركز لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة قريباًمن جانبه تناول رئيس عرفة تجارة وصناعة البحرين د.عصام فخرو دور الغرفة في تشجيع الشباب على الانخراط في العمل الحر ومساعدتهم على تخطي المشكلات التي تعوق مشاركتهم في الاقتصاد والتجارة.وقال د.عصام فخرو إن مركزاً جديداً يهتم بدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة سيتم افتتاحه في الفترة المقبلة منوهاً بالاهتمام الذي تبديه المملكة لدعم هذا القطاع. وتحدث عن دور الشباب في التنمية الاقتصادية بمملكة البحرين، وإسهامات ومساعي المملكة في المجال التنموي مستعرضاً أبرز المحطات التي دفعت باتجاه تحقيق معدلات نمو «جيدة جداً». وتطرق فخرو إلى مساعي المملكة لتنويع مصادر الدخل غير النفطية والاهتمام بالصناعات التحويلية لافتاً إلى أن البحرين أصبحت رائدة بين شقيقاتها دول مجلس التعاون الخليجي في مجال تنويع مصادر الدخل. واستعرض رئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين مفهوم التنمية المستدامة وأبرز عناصرها مؤكداً على أن العنصر البشري يأتي على رأسها، وهو ما يستدعي الاستثمار في الكادر البشري كونه الركيزة الأهم في عملية التنمية. وقال د.عصام فخرو إن هناك فجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات القطاع الخاص وهو ما يعيق استثمار طاقات الشباب والخريجين في هذا القطاع، وكشف للحضور عن مشروع جديد يهتم بهذا الأمر ويدرس كيفية التوفيق بين مخرجات التعليم وحاجيات القطاع الخاص.وأكد أن الثقافة البحرينية قائمة على التعددية عبر مختلف الأطوار التاريخية مشدداً على أن تسود ثقافة التعددية ويتم تعزيزها على حساب ما وصفه بـ»العددية»، فالعددية حسب وصفه لها نتائج كارثية إذ تهتم بغلبة الأرقام على حساب الفئات الأقل عدداً، أما التعددية فهي الضامن لممارسة ديمقراطية سليمة في وسط مفعم بثقافة التسامح وقبول الآخر.واتفق الشباب المشاركون في الندوة على ضرورة إيجاد أدوار أكبر لهم سواء في المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، واستعرضوا بعض المعوقات التي تواجههم وطرحوا رؤاهم وأفكارهم في جو لم يخلُ من الصراحة والشفافية والتفاعلية.وناقش الشباب في الجلسة الأولى التطور السياسي والتنمية الاقتصادية مع التركيز على أسس العمل السياسي وجدلية اللاعنف، وتفعيل مشاركة الشباب البحريني في البناء الديمقراطي، وتطوير أدوات الممارسة السياسية لاستيعاب الفئة الشبابية في المجتمع.وتناولت الجلسة الثانية سبل النهوض بدور الشباب في الحياة العامة عبر المشاركة الفاعلة والتوظيف الإيجابي للطاقات الشبابية بين الأسرة ومؤسسات التعليم وسوق العمل.