في بلدة “الميادين” الصغيرة شرق سوريا أزال متشددون تماثيل عرض الملابس العارية التي يرونها مثيرة جنسياً من المتاجر. كما منع أعضاء “جبهة النصرة” التابعة لتنظيم القاعدة النساء من ارتداء السراويل “البنطلونات” مفضلين على ذلك ارتداء لباس فضفاض أسود لا يحدد الجسد ويغطيه من الرأس إلى القدم.
وتعطي البلدة التي يبلغ عدد سكانها 54 ألف نسمة والمطلة على نهر الفرات لمحة عما يمكن أن تكون عليه الحياة إذا سيطر المعارضون المتشددون على مناطق مهمة في سوريا مع تكبد الرئيس بشار الأسد لمزيد من الخسائر على الأرض.
ومن بين مئات من وحدات المعارضة المسلحة تعتبر جبهة النصرة الأكثر فاعلية. وحقق مقاتلوها الذين يسعون للاستشهاد في المعارك انتصارات في هجمات ضد العديد من القواعد العسكرية في أنحاء البلاد.
ومازالوا يمثلون قطاعاً ضئيلاً من الجماعات المسلحة المناهضة للأسد لكن أعدادهم ونفوذهم في ازدياد.
وحارب مقاتلو الجبهة المدعومون من عراقيين مخضرمين قاتلوا القوات الأمريكية، إلى جانب وحدات المعارضة من الجيش السوري الحر من أجل السيطرة على بلدة الميادين.
وغادرت القوات الحكومية البلدة في نوفمبر الماضي وفر نصف سكانها أثناء القتال.
والآن قسمت جبهة النصرة والجيش السوري الحر وميليشيا محلية وجماعات قبلية البلدة إلى مناطق نفوذ. ويقول سكان إنه يوجد نحو 8 آلاف رجل مسلح إجمالاً في البلدة.
ويقوم مسلحون أطلقوا لحاهم بحراسة الشوارع وفرض تفسيرهم للشريعة الإسلامية. وأزيلت الخمور من المتاجر. وتقدم جبهة النصرة تعليماً دينياً يومياً لأطفال البلدة الذين يحصلون على أرغفة خبز مجانية إذا حضروا الدروس.
وقال فتى يحضر هذه الدروس إن التلاميذ يتعلمون كيف يصلون ويتلقون دروساً بشأن دور المرأة وتعدد الزوجات والجهاد ضد “نظام الأسد العلوي”.
وتحولت الانتفاضة الشعبية ضد حكم عائلة الأسد إلى حرب أهلية حيث تطورت احتجاجات الشوارع التي بدأت سلمية في مارس 2011 إلى احتجاجات عنيفة بعد الحملة الصارمة التي شنها النظام في أنحاء الدولة البوليسية.
وقتل أكثر من 60 ألف شخص منذ بدء الصراع. وبعد نحو عامين بدأ يتخذ صبغة طائفية. ويمثل مقاتلو جبهة النصرة تهديداً لمن يرغبون في الديمقراطية في سوريا. وبدلاً من ذلك فهم يتصورون قيام الخلافة الإسلامية وفرض الشريعة الإسلامية وفق رؤيتهم. ويجبرون المتاجر على إغلاق أبوابها وقت الصلاة ويوجه الناس في الشوارع إلى المساجد للصلاة عند كل أذان.
ويحاول السكان الليبراليون مواصلة حياتهم المعتادة لكنهم يشعرون بالتأثير اليومي للتطبيق الصارم لأحكام الشريعة. وأظهرت جبهة النصرة ذكاء حاداً. وسيطر مقاتلوها على حقل “الورد” للنفط والغاز القريب وتوجهوا مباشرة إلى صوامع الحبوب. وباتوا يسيطرون على الموارد التي تمنحهم القوة.
وفي شوارع الميادين يمكن شراء الوقود بأسعار مرتفعة وتقبل الجبهة التعامل مع الأعداء إذا كان ذلك يعني الحصول على مكاسب نقدية إضافية.
وقال سكان الميادين إن جبهة النصرة تنقل النفط الخام في صهاريج ضخمة إلى دير الزور التي تبعد 45 كيلومترا إلى الشمال حيث مازال للحكومة وجود.
ويقولون إن السلطات المحلية في دير الزور منهكة للغاية حتى إنها مستعدة لشراء الوقود من الجماعة التي تصفها دمشق بأنها إرهابية.
وخسر الأسد مناطق كبيرة خاصة في الشمال والشرق. واندفع المعارضون نحو معظم المدن الرئيسية لكن الجيش تحصن وأعقب ذلك جمود في الموقف العسكري.
لكن الحكومة تعاقب بلدة الميادين على وجود المعارضين بها. ويبتعد المدنيون عن الجبهة وكتائب معارضة أخرى لأنها مستهدفة بالضربات الجوية وهجمات المدفعية بعيدة المدى من مواقع الحكومة إلى الشمال منها.
وهناك نقص في الخبز والمياه ولا توجد خدمات هاتفية أو إنترنت وأغلقت المدارس. ويأكل الناس الأعشاب من نهر الفرات والبعض يسافر إلى دير الزور لشراء الطعام مخاطر بالتعرض للاعتقال أو الموت وهم يعبرون خطوط العدو. وانهار النظام في بلدة الميادين ويقول السكان إن أعمال النهب والسرقة متفشية. وتصبح الشوارع مهجورة بعد حلول الظلام. ورغم ذلك يقول السكان إن التأييد لجبهة النصرة يتسع شرق سوريا. وأقام متشددون نقاط تفتيش عند مداخل المدينة حيث يحاولون تجنيد رجال وفتيان.
«رويترز»