تقرير- عبد الله إلهامي:
تعمد خلط المعارضة المتمثلة في الوفاق والجمعيات الخمس التابعة لها، بالخلط بين مصطلحي” الحوار الوطني”، و”التفاوض الدولي”، تأكيد على عدم جدية المعارضة بالجلوس على طاولة الحوار، ذلك أن الأزمات الداخلية لا تحل إلا بالحوار، وليس بالتفاوض.
وحينما دعا جلالة الملك لاستكمال المحور السياسي من حوار التوافق الوطني وتابعت ذلك الحكومة في دعوة الأطراف المشاركة والاتفاق على عدد الممثلين، قابلت المعارضة المتمثلة في الوفاق والجمعيات الخمس التابعة لها تلك الدعوة بأسلوب آخر أسمته المفاوضات، على الرغم من أن هناك فرقاً كبيراً بين المصطلحين في الأعراف الدولية.
ولعل الأطراف السياسية في أي مجتمع دائماً وأبداً ما تنادي بالحوار الجاد والهادف للخروج من أي أزمة وطنية كان شكلها، وهذا أمر طبيعي لأن عصر القوة والاستبدادية والدكتاتورية قد ولّى ولم يعد في ظل ما تعيشه المجتمعات المعاصرة من ديمقراطيات فرضها الشكل الحديث للدولة القانونية، إلا أن بعضاً من الأطراف السياسية قد اختلط عليها الأمر ونادت بمصطلحات تجاوز نطاق وحدود الأزمات الوطنية الداخلية التي تمر بها أي دولة، فنسمع الآن في البحرين عن مصطلح مفاوضات كأساس لحل، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ما هو حقيقة هذا المصطلح وأثره على الأزمة البحرينية؟.
وفيما يتعلق بمصطلح “المفاوضات”، فإنه لم يستخدم سوى في المواثيق الدولية وحدها دون غيرها، باعتباره مصطلحاً دولياً لا يتعلق بالقانون الداخلي للدولة في شيء، فعلى سبيل المثال لا الحصر تجد المادة “33” من ميثاق الأمم المتحدة والمتعلقة بحل النزاعات التي تنشأ بين الدول بصورة سلمية، أكدت في البند “1” منها أن التفاوض هو إحدى الوسائل السلمية في حالة النزاع الذي يؤدي إلى تهديد السلم والأمن الدوليين، كأحد وسائل الحل السلمي بقولها: “ يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يهدد السلم والأمن الدوليين أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضات، والتحقيق، والوساطة، والتوفيق، والتحكيم، والتسوية القضائية، أو أن يلجأوا إلى المنظمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يختارونها”.
كما إن اتفاقية “فيينا” لقانون المعاهدات لسنة 1969 التي دخلت حيز النفاذ في 27 يناير 1980 ذكرت أن التفاوض أو المفاوضة إحدى إجراءات المعاهدات الدولية، لذلك فإن هذا القانون لا يحكم إلا المعاهدات الدولية التي تكون أطرافها أشخاص القانون الدولى. وأكد أستاذ القانون العام المساعد بجامعة البحرين د.بدر محمد أن “المفاوضات” تعتبر تبادلاً للرأي بين “الدول” بقصد الوصول إلى تسوية للنزاع القائم بينهم، وقد يكون ذلك شفهياً أوكتابياً عبر مذكرات مكتوبة أو بالطريقتين معاً، لذلك فإن أطراف المفاوضات المتبادلين لوجهات النظر هم أشخاص القانون الدولي دون سواهم، سواء كانوا دولاً أو منظمات دولية أو إقليمية يعترف بها القانون كشخصية قانونية دولية. وأضاف أن ذلك المصطلح ليس له علاقة بالخلافات الوطنية الداخلية التي تحكمها قواعد مغايرة في الشروط والأطراف والأهداف، فالمفاوضات تقوم بين جهات دولية متساوية في المصالح والقوة، وتعبر عن إرادة الدولة لا إرادة طرف أو فئة داخل الدولة، إذ تعد “الدولة” المخاطبة بأحكام القانون الدولي، وليس الأطراف التي تعيش داخل كيان الدولة وتخضع لقانونها، ما يعني أن الدولة ليس لها الحق في استخدام مصطلحات لا تنطبق عليها باعتبار أن هذه الأطراف أو الفئات أو الكيانات الداخلية لها شخصية قانونية خاصة وليست عامة أي أنهم يندرجون تحت القانون الخاص ويعملون في إطار النظام السياسي القائم.
في ذات السياق فإن شروط التفاوض تتكون في ضرورة وجود وثيقة تفاوضية كاملة لكل طرف في المفاوضات، وتنص على تفويض من الشخص صاحب الاختصاص الأصيل “الشعب” إلى المفوض إليه “السلطة شرعية وهي الدولة ممثلةً في الملك أو الرئيس أو رئيس الحكومة أو وزير الخارجية”، المنوط بالتفاوض مع الغير، وذلك حسب النظام الدستوري في الدولة، وإلا عد المتفاوض بدون غطاء شرعي يؤهله للدخول في إجراءات التفاوض في حال عدم إبراز تلك الوثيقة. من جانب آخر فإن مصطلح الحوار يختلف كلياً عن مصطلح التفاوض، لذلك فإن من يستخدم المصطلح الأخير غير الدولة بأجهزتها، كممثل شرعي للشعب فهو لا يعلم مضمون المصطلح، ولا يدرك الآثار المترتبة عليه، كما إن الحوار يقوم على تبادل وجهات النظر بين الأطراف المتساوين في المصلحة والقوة لكنهم مختلفون في آرائهم حول قضايا أو قضية معينة، إلا أن مركزهم القانوني كمواطنين متماثل، ويقفون على أرض واحدة تتمحور في تغليب مصلحة الوطن العليا على المصالح الخاصة، و إن اختلفوا في أطروحاتهم.
ويعتبر الحوار ضرورة اجتماعية لا غنى عنها لأبناء الوطن الواحد المختلفين، ووسيلة الشعوب في التعبير عن رأيها بطريقة سلمية، والوصول إلى المشاركة الفعالة في وطن متحضر عن طريق الحجة والبرهان لا عن طريق العنف والإرهاب وإقصاء الآخر، وأخيراً فإن الحوار هو السبيل الوحيد لحل الأزمات الوطنية الداخلية باحتضانه جميع أبناء المجتمع تحت سقف واحد مهما كبر حجم الأطراف المتحاورة أو صغر فهو حوار مجتمع يهدف إلى تمثيل المجتمع الواحد وبلورت أفكاره المتعارضة في رؤية واحدة تحقق طموح شعب واحد ، وهو ما لا نجده في التفاوض ذي الطابع الدولي الذي يحمل دائماً رؤية واحدة لا خلاف فيه تدافع عنه الدولة من منطلق مصالح شعبها تجاه طرف دولى آخر يخالفها الرؤية مما يكون من يطالب به لا يعترف بشرعية الأطراف الآخرين بمن فيهم الحكم نفسه ويختزل الدولة في شخصيته الإقصائية ما يعد هذا المصطلحات لا ينم إلا عما في داخله من ناد به. جدير بالذكر، أن “التفاوض” كان يستعمل حتى منتصف القرن التاسع عشر للتعبير عن الحل السلمي بين الدول، ثم حل محله “الدبلوماسية” التي يعرفها البعض بأنها مفاوضات بطريقة دبلوماسية لإدارة العلاقات الدولية بالتفاوض، ما يعتبر أولى القنوات المهمة التي ينبغي على الدول أن تسلكها لإزالة الخلافات أو التوترات فيما بينها، لما تتميز به من مرونة ويسر في تسوية جميع أشكال المنازعات الدولية أو الإقليمية تسوية مباشرة وودية، سواء ذات الطابع السياسي أو القانوني”.