العقيد عادل الرميحي
لم تكن مملكة البحرين فيما مضى بدون قوة عسكرية فسيرتها تزخر بالكثير من الوقائع والمعارك الحربية التي قام بها الأسطول البحريني الذي يعد من أقوى وأكبر الأساطيل في المنطقة لحقبة طويلة من الزمن، فقادة هذا الأسطول بحنكتهم الفذة في إدارة المعارك البحرية مخروا عباب البحر بكل بسالة وبسطوا نفوذهم عليه لتأمن شُطآن المملكة، ومع أسطولها هذا كان للمملكة قوتها البرية التي تزخر بالرجال الأشداء من الفرسان والمشاة الذين امتشقوا سيوف المجد بكل شجاعة وسطروا أروع ملاحم البطولة والتضحية في معارك الدفاع عن أمن واستقرار المملكة، كما تشهد قلاع المملكة بأبراجها المنيعة وأسوارها الحصينة على جانب من ذلك التاريخ العسكري التليد، وعندما بدأت تتضح دلائل عزم بريطانيا الانسحاب من منطقة الخليج العربي في شهر يناير 1968 للميلاد، وجدت مملكة البحرين أن واجبها الوطني يقتضي بناء قدرتها العسكرية الذاتية من أجل توفير الحماية والأمن لربوع مملكتنا الغالية، حيث إن الاستقلال والسيادة وعملية البناء والتنمية تتطلب وجود قوة مؤهلة قادرة على النهوض بدورها الكبير في حماية الوطن والقيام بمسؤولياتها الجسام في الحفاظ على الأمن والاستقرار، وتمكين المملكة من مواجهة مشكلة الفراغ الذي سيعقب الانسحاب البريطاني.
حكمة قائد
لقد أدرك صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى القائد الأعلى بحكمته السديدة وبصيرته الثاقبة ومنذ الإرهاصات الأولى لبزوغ فجر الاستقلال أن القوة التي مبعثها العقيدة والروح الوطنية الصادقة، هي وحدها القادرة على تحصين المملكة وحفظ مقدارتها ... فقد كُلف جلالته لإنجاز هذه المهمة الكبيرة وحمل لواءها، والتحق جلالته بدورة في كلية مونز العسكرية للضباط وتخرج منها في السادس عشر من فبراير لعام 1968، وحمل في فكره خطة بناء قوة دفاع البحرين.
فمنذ ذلك الحين عكف صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى القائد الأعلى على الدراسة الواعية لنظم الجيوش لتبني أحدث النظريات العسكرية التي ترتكز عل أسس روحية قوية قوامها الدين ثم العقل والإيمان الراسخ في ضمير شهب البحرين.
النشأة والتأسيس
لقد كانت مرحلة تأسيس الدولة الحديثة القاعدة الصلبة التي قامت عليها مؤسسات المملكة المختلفة ومن أهمها قوة دفاع البحرين ، هذا الصرح الدفاعي الذي أوكل إليه القيام بأقدس المهام وأعظم الواجبات وهي حفظ أمن الوطن واستقراره، ففي مستهل شهر أغسطس من عام 1968م سطع في سماء مملكتنا الغالية نجم آخر لا يقل أهمية في تاريخ مملكة البحرين الحديث عن انبثاق فجر الاستقلال ... أنه مولد قوة دفاع البحرين ... وبزوغ ضوءها الأول ... فقد صدرت الإرادة السامية لصاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير البلاد الراحل بإنشاء نواة لقوة عسكرية لمملكة البحرين ... وبأمر أميري صدر في الثالث والعشرين من سبتمبر من عام 1968م عهد بموجبه لقيادة هذه القوة الفتية إلى من امتلك الوهج القيادي والحضور العسكري وأول الخريجين العسكريين ذوي الخبرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى القائد الأعلى.
ولم يكن تشكيل قوة دفاع البحرين وليد البيان الرسمي لهذه القوة فصاحب الجلالة مليكنا المفدى قد دأب على رسم الخطط الرشيدة ووضع الأهداف المقرونة بسعته الأفق وروية الفهم وعقلانية الإدراك والتوجه لبناء القوة النموذجية التي تواكب كل نمو وكل تطوير، لقد كانت البدايات متواضعة إلا ان الطموحات كانت تفوق كل خيال في فكر المؤسس الأول لهذه القوة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى القائد الأعلى هذا القائد الذي يمتلئ إرادة وحيوية وفاعلية وأقداماً ويريد ان يسبق الزمن بقوة صبر وعزيمة لتطوير تلك الفكرة السامية إلى قوة دفاعية عصرية حديثة تمتلك من السلاح والعتاد والرجال ما يضاهي أحدث الجيوش في الدول المتقدمة.
بدأ صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى القائد الأعلى في وضع اللبنات الأولى لقوة دفاع البحرين وأشرف على وضع الخطط لانخراط أبناء الوطن في سلك العسكرية، ووضع البرامج لتدريبهم داخل البلاد وخارجها، وعمل على توفير الأسلحة والمعدات والتجهيزات والمباني الإدارية ومباني التدريب والإشراف المباشر على تنفيذ هذه الخطط والبرامج لتحقيق الأهداف السامية والعظيمة، التي جند نفسه لإنجازها . . . فتابع صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى القائد الأعلى تأسيس أول وحدة عسكرية بصرح قوة الدفاع وأشرف على استقبال أول دفعة للمجندين التي بدأت تدريباتها الفعلية في السادس والعشرين من أكتوبر لعام 1968م بمركز التدريب الملكي.
الخامس من فبراير
الخامس من فبراير الذي تحتفل به قوة دفاع البحرين في كل عام يحمل الكثير من المعاني، أنها المناسبة العظيمة التي تحقق فيها طموح صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى القائد الأعلى بوجود قوة تذود عن الوطن وتحمي أمنه وأهله وازدهاره، حيث يوافق هذا اليوم الذكرى التي لا تمحى من صفحات الزمن وهي ذكرى تخريج أول دفعة مجندين بقوة الدفاع في الخامس من فبراير 1969، برعاية صاحب السمو الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه.
البناء المتين
وبمرور الأيام واستمرار العمل الجاد تكرر تخريج الدفعات، وظل الإنسان البحريني بحماسه المفعم بالإيمان بالله تعالى، ثم الولاء لمليكه وحبه لوطنه يتخطى الحواجز والصعاب ويقف صلباً في مواجهة التحديات لتبقى راية مملكة البحرين دائماً خفاقة، واستمر السيل المتدفق من أبناء الوطن للانخراط في سلك الجندية بالانتماء لهذه القوة التي تسير في تطور سريع نحو الهدف المنشود.
لقد قطعت قوة دفاع البحرين على نفسها عهداً منذ اللحظات الأولى للتأسيس على احتضان النخبة الطيبة ذات النية الصالحة والغيرة الوطنية والانتماء الصادق، في الوقت الذي تقوم فيه بتوفير أحدث المعدات والعتاد ومواكبة آخر ما يستجد في تقنية السلاح، من أجل إيجاد حصناً منيعاً، ودرعاً متيناً، وحامياً أمنياً لمجتمع القانون الذي نحياه، وسيادة المملكة ومسيرة نهضتها المباركة.
و أدرك صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى القائد الأعلى منذ فترة بعيدة إن العلم والثقافة مكملان للعلم العسكري بل أنهما يكاد لا ينفصلان عنه، وصاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى القائد الأعلى دائماً يوصي جنده بالتسلح بالعلمين معاً لقناعته بأن العلم والثقافة يفتحان الآفاق أمام هؤلاء الرجال الذين يتعاملون مع أعقد التكنولوجيا التسليحية التي لا يمكن استيعابها دون خلفية علمية وثقافية عالية.
لقد بدأ التشكيل الطبيعي لوحدات قوة الدفاع بالقوات البرية، وبعد اكتمالها جاء دور القوات الجوية، ثم القوات البحرية، وهكذا اكتملت الحلقة بتأسيس الأسلحة الرئيسية وكان تطور التشكيلات يسير جنباً إلى جنب منذ تلك الفترة وحتى الآن مع إدخال الأسلحة الحديثة والمتطورة لمختلف القوات إلى أن دخلت إلى الخدمة منظومات الأسلحة الحديثة والمتقدمة التي شملت الدبابات والطائرات والسفن والصواريخ والمدفعية وراجمات الصواريخ وغير ذلك من الأسلحة المتطورة التي استوعبها الضابط والفرد في قوة الدفاع وأدارها وقادها بكفاءة.
وبماركة ربانية لعباده العاملين المجتهدين المخلصين، أنبتت ثمار هذا الغرس الطيب وتحقق لقوة الدفاع النجاح عام بعد عام فغدت اضافة لكونها ميداناً خصباً للبطولة والتضحية والفداء، أكبر مدرسة لتأهيل وإعداد الرجال ذوي الكفاءات العالية، بل وأصبحت تدفع بمختلف العناصر ذات الكفاءة العالية إلى المجتمع البحريني.
أدوار وطنية وأخوية
قامت قوة دفاع البحرين منذ تشكيلها في عام 1968، بدور مهم وحيوي في دعم استقرار مملكة البحرين والدفاع عن تاريخها وحضارتها وتقاليدها وأدت واجبها المقدس بحماية كل المكتسبات الحضارية والتاريخية والمنجزات التنموية التي تحققت على أرض المملكة.
ومن أبرز الأدوار التي أدتها قوة دفاع البحرين منذ إنشائها حتى الآن هو دورها الحيوي والفعال في تثبيت حق مملكة البحرين التاريخي في جزرها ومياهه الإقليمية، حيث يعود الفضل لاستعداداتها وتأهبها المستمر وخططها الناجعة المتمثلة في تواجدها الدائم والفعال في المواقع على الأرض والجزر وجاهزية قواتها البرية والبحرية والجوية، وبذل وعطاء وإخلاص ضباط وضباط صف وأفراد قوة دفاع البحرين، مما كان له أكبر الأثر في صيانة وحفظ حقوقها الثابتة في جميع جزرها ومياهها الإقليمية.
انطلاقاً من الواجب القومي والأخوي، ومن متانة ورسوخ العلاقات القائمة بين مملكة البحرين ودولة الكويت الشقيقة، وتنفيذاَ لاتفاقية الدفاع المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي، حتم كل هذا الوقوف مع دولة الكويت الشقيقة وحمايتها والدفاع عنها ضد أي هجوم قد تتعرض له في ظل ظروف الحرب، وتنفيذاً لأداء الواجب، واستجابة لأوامر صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى القائد الأعلى في مساندة الأخوة الأشقاء، شاركت قوة دفاع البحرين في حرب تحرير دولة الكويت الشقيقة عام 1991.
كما بادرت قوة دفاع البحرين بتلبية الواجب مرة أخرى بالوقوف إلى جانب الأشقاء في الكويت للدفاع عن أمن سلامتهم بكل ما يفرضه واجب التضامن من تضحية وإخلاص حيث توجهت القوات البحرينية للمشاركة في الدفاع عن الأخوة الأشقاء بالكويت في حرب الخليج الثالثة عام 2003.
لقد كان لقوة دفاع البحرين الفضل بعد الله سبحانه و تعالى، في بناء وتثبيت الاستقرار والسلام في وطننا العزيز وهي اليوم بفضل مثابرة وعطاء وتكاتف منتسبيها أضحت مدرسة للأجيال والعمل الوطني، وحصناً قوياً لحماية الديمقراطية، ونموذجاً مشرفاً للقيادة المتميزة والإدارة والسمعة الطيبة.
تقدم وتطور
وما وصلت إليه قوة دفاع البحرين من تقدم ورقي ما هو إلا ثمرة الكفاح الطويل والقيادة الشجاعة لصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى القائد الأعلى، والجهود الخيرة التي بذلها رجال هذه القوة الذين أخذوا على عاتقهم واجب الدفاع عن الوطن.
وهكذا دأبت قيادتنا الحكيمة على وضع الخطط التطويرية ضمن أولوياتها المستمرة وبشكل يتماشى مع حاجة الحاضر ويلبي طموح المستقبل ويستفيد من تجربة الماضي، وتلك الخطط تتكئ على ركيزتين أحدهما مواكبة كل ما يستجد في تكنولوجيا السلاح واختيار ما يلبي احتياجات وخطط هذه القوة، وإن الرديف الطبيعي لهذه الركيزة هو العنصر البشري الذي يعتبر محور عملية التطوير.
ومن هنا يحق لنا على الأرض الطيبة أن نفخر بما حققته قوة الدفاع من إنجازات كبيرة ومتواصلة في تجهيز وتدريب قواتها البرية والجوية والبحرية وتسليحها بأفضل ما أنتجته ترسانات الأسلحة تطوراً وتأثيراً، وكذلك إعداد رجالها وزيادة خبراتهم عن طريق التدريبات النظرية والعملية وإجراء التمارين المشتركة على مستوى القوة وتوفير فرص الاحتكاك لخلق التجانس بين الأسلحة والمنظومات المختلفة، وقد امتد عطاء رجالها الأوفياء إلى جميع المجالات في هذا الوطن العزيز، بعد أن تهيأت لهم بفضل التخطيط السليم والنهج القويم، جميع فرص التدريب والدراسة واكتسابهم الخبرات العديدة، وحصولهم على أعلى الشهادات في مختلف التخصصات العلمية، مما أهلهم بكل كفاءة واقتدار، لتبوّء المسؤوليات والمهام القيادية في أجهزة الدولة المختلفة، ليتسنى للوطن الاستفادة من خبراتهم التي اكتسبوها من خلال الدراسة والعمل، وليساهموا مع أشقائهم المواطنين في مختلف القطاعات والمواقع في مسيرة التقدم والتنمية والتطوير والتحديث التي تشهدها البحرين.