كتب ـ علي الشرقاوي:
حمزة محمد تجربة طازجة كالأطفال وهم يستقبلون أفراح العيد، وطرية طراوة الحلم بالمسرح الطفلي الذي نحلم تأسيسه في البحرين، تجربة لها نكهة الجدة والتجريب، في عطاء لا يتوقف ولا ينتهي.
حمزة محمد الفاعل الوحيد الآن، أعني في هذه اللحظة، هو القامة الواقفة ومنذ عقود في عالمه الخاص، لكن الطفل الساكن في كل خلاياه، لا يريد أن يغادره، اللعب الممتع والمشاكسة والشقاوة البريئة مازالت حاضرة، كحضور الرؤية لعالم يتوهج، بعد أن وصل المخرج الجميل إلى مرحلة النضج العمري.
أعرف حمزة الطفل الشاسع مثل شساعة فضاء «فريج الفاضل»، فتياً كالنار ولاعباً بارزاً في فريق «الترسانة»، كنت أراقبه يكبر في الحلم، كما يكبر كل الحالمين بمساحة أكبر للحوار بين الذات والعالم، والحوار بين الإنسان والآخر، بين المختلفين في المذاهب والديانات واللغات والعروق، كنت أراه كما يرى الطفل إلى أخيه الأكبر، يشعل فيه حماس الروح ويحرك في قلبه جذوة العطاء. أعمال أكثر من العد شارك بتقديمها حمزة محمد إلى الطفل، في فضاءات المدرسة أو المجتمع، كان ومازال يريد أن يقدم المتعة والمعرفة والحكمة للأطفال الممتدين كفسائل النخيل عل ترابة هذا الوطن الأكبر من الكرة الأرضية، بالنسبة لنا، نحن الذين نصطاد أسماك الصافي من جسد بحر الفاضل.
من القلب إلى القلب
في تجربته الغنية والثرية ثراء الخشبة الناضجة بحوارات القلب إلى القلب، تقف أمامي مسرحية «وداي العملاقة»، كان فيها حمزة العملاق الأكبر في ذاك الوادي، أذكر قوته في تحريك الممثلين على الخشبة، كانت لعبة الدمى الجديدة على المسرح الطفلي في البحرين بمثابة اكتشاف مخرج شاب يحمل ملامح مختلفة عما هو سائد في التجربة المسرحية الطفلية. ما يعانيه المخرج حمزة محمد هي أن كثيراً من الأعمال التي يشتغل عليها، لا يشاهدها إلا قلة من الطلبة، وبعض الأحيان تقدم مسرحيات لا نكاد نسمع عنها، وفرحت بحمزة محمد عندما بدأ بالمشاركة بتأسيس مسرح الصواري، ظناً منه أنه سيحصل على مساحة من خلالها يتمكن من إنجاز مشروعه في المسرح الطفلي، إلا أن مشكلة مسرح الصواري أنه لم يبد الاهتمام الكامل بهذا المسرح، ما دعا حمزة محمد أن يعود إلى تقديم مشروعه على مستوى المدارس.
حمزة طاقة هائلة، جبارة، تعمل بصمت، بعيدة عن الأضواء، واعتبره شخصياً، أحد أهم المخرجين في المسرح الطفلي، حالما أرى الأعمال التي لم تتح لنا فرصة مشاهدتها، تقدم على خشبات المسرح في البحرين والخليج والوطن العربي والعالم.
بسمة للأطفال
يقول المخرج حسن عبدالرحيم «عندما يدفع بك الموقف لأن تقول كلمة بحق إنسان، من الممكن أن تتجاوز كل شيء فيه إلا الجانب الإنساني،
وهذا ما استوقفني قليلاً.. بحثاً عن كلمة تكون صادقة في حق حمزة محمد لأنه صادق في كل موقف.. يخجلك تواضعه.. يدهشك تفانيه في العمل.. دائم الصداقة معك.. عنوانه البساطة، كما هو صورة واضحة في أعماله الفنية والتي دوماً عنوانها رسم ابتسامة على وجه كل طفل».
مع حمزة العالم مختلف
يقول المسرحي الكبير عبدالله السعداوي «الأوركيديا ليست راقية وغالية الثمن فقط بجوار سحرها فإنها تحتوي على سر، بدليل ما ينتابنا أمام جمالها المرعب الأخاذ، ويبدو فيه أن ثمة بساطة مخفية في الطريق المباشر.. هذا هو حمزة محمد».
ويضيف «لا يوجد بالنسبة إليه أبواب مغلقة بل يوجد سحر ما داخل هذه الكتلة من العظام واللحم والعروق والدم.. كتلة هائلة من الطيبة والعطاء والصفاء، وهو لم يهتم سوى بتحسين هذا الترياق السحري المسمى الهدوء والصمود الفوري والكامل لمغناطيس شخصيته التي لا يمكن مقاومة انجذابها لك، انجذابك إلى تلك التلقائية للطفل المبتسم الذي يلعب في فضائها».
ويرى السعداوي أن العبور إلى التفاصيل مع حمزة يعطي ثماره على الفور وهي «ثمار متماسكة وهو من الأشخاص البسطاء الصامتين الذين لا يتحدثون عن بطولاتهم ولا عطاءاتهم الجليلة، أنه ممن يتحلون بالصمت والتفاني، ممن لا يطلبون سوى القليل من النوم».
ويتذكر السعداوي «حين عودتي من الإمارات أذكر كيف استقبلني في بروفاته بنادي توبلي، وهو يعمل مع مجموعة من الممثلين منهم الفنان حسن الواوي وبدرية علي وجمعان الرويعي ومجموعة أخرى من الشباب، كان يحرص أن يشعرني أني من المرغوب فيهم في وقت كانت الريح تحمل معها شائعات بجنوني، والعيون تنظر إلي بازدراء أحياناً، بسبب لحيتي الكثة التي تشبه لحية سجين إرهابي وأحياناً لتصرفاتي الطفولية.. المجتمع كان يحتفي بالعقلاء فقط.. أما حمزة كان يحتفي بالأطفال والمجانين حتى صارت علاقتي به مثل علاقة البحر بالموج أو البرق بالرعد».
وأسدى حمزة للسعداوي معروفاً لن ينساه طوال حياته «أسند لي دوراً في إحدى مسرحياته وكنت فرحاً بالدور.. وبالعمل مع الأستاذ حمزة تكتشف أن الأرض مازالت طيبة وجميلة وذات جاذبية».
ويردف «لحمزة رائحة الزنجبيل، وفي مسرح الصواري معه كان يتم اجتياح الحلم بالرؤية المحضة وتشكيل الشرايين بالدورة الدموية والمياه الدافئة.. هو مأمن للنفس من تجاعيد الزمن المضطرب، كان يعبد لمسرحنا الطرق في المهرجانات من الأشواك، ويهرب أجسادنا إلى موانئ الحرية حيث الحركة والحياة عنوان الوجود».
ويضيف السعداوي «مع حمزة لم نكن نعرف معنى الظهيرة، كان يمنح أشرعة الصواري كلها لتبحر نحو كواكب سرية تختلط فيها الحواس والألوان وتتداخل صفات الندى وتضاريس الماء لتستيقظ كل الأنهر ولتحوم الحمائم في سماء صافية بالألوان.. بالأطياف.. ومعه تظل في تعاويذه وتسترق إلى ذلك النشيد الخافت وهو يعيد الأشياء التي مضت وغابت في دهاليز الوجود الإنساني.. مع حمزة تكون وجهاً مفتوحاً على الماء».
ويصف تجربته المسرحية مع حمزة «مع حمزة كنا نتسلق الضوء الشفاف.. معه نجد مكاناً آمناً وحنوناً.. كم يؤلمني اليوم أني لا أرى حمزة بيننا في مسرح الصواري.. فعدم وجوده يشعرني بالجفاف الصحراوي وبالغبار الخانق وبالقحط وبالخلايا البائدة».
شيء من السيرة
حمزة محمد من مواليد فريق الفاضل 1949، أعد نحو 25 مسرحية موجهة للأطفال، وأخرج حوالي 38 مسرحية للأطفال والكبار، وهو عضو مؤسس بمسرحي الصواري والريف، وعضو شرف بفرقة البحرين المسرحية، ساهم تأليفاً وإخراجاً بأعمال مسرحية بالمهرجان المسرحي الأول والثاني والثالث والرابع الذي أقامته المؤسسة العامة للشباب والرياضة، وفي تنظيم الاستفتاء بمشروع ميثاق العمل الوطني 14 ـ 15 فبراير 2001، ومثل بمسلسلات تلفزيونية درامية وتوعوية في الثمانينات، وكتب ومثل حلقات إذاعية درامية في السبعينات.
وأخرج حمزة محمد مسرحيات «فصد الدوم» من تأليف سعد الله ونوس، باسمة والسحر، الأميرة والأطفال، بعد المداولة من تأليف محمد البهدهي، 2 2، اللعبة، بهلول ونوران تأليف حمد الشهابي، البقرة الفئران إعداد حمزة محمد وإخراج عبدالله ملك، حكاية الأسد والقرد، وادي العمالقة، أبو الأطماع، عندما يأتي جهاد، مشروع زبيدان تأليف حمد الشهابي، طق يا مطر طق تأليف أشرف عامر، أرنون الشجاع، الأظبارة، جحا والأرض تأليف أحمد الزياني، البطة الذكية، أرنون في ورطة، الفلاح والعسل، القطط الثلاث إعداد عبدالقادر عقيل، الأطفال والقمر تأليف يوسف الحمدان، الديك التائه، ماذا جرى للبستان تأليف ميرزا زهير، الأرانب والذئب، بشار والكنز تأليف ميرزا زهير، والأطفال والقمر.
970x90
970x90