كتب ـ عادل محسن:
قال الباحث نوح خليفة إن مدينة الرفاع شكلت تاريخياً وبامتداداتها العمرانية الحديثة، مثالاً للتنوع والترابط الاجتماعي، داعياً إلى حفظ هوية الرفاع العمرانية وربطها بالمناطق الأخرى بشبكة طرقية حديثة ومتطورة.
وأضاف لدى تدشين كتابه الجديد «الرفاع .. التطور التاريخي وتأثيرات النمو الحضري» بمركز عيسى الثقافي الثلاثاء الماضي، برعاية رئيس مجلس أمناء المركز سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة، أن أغلب مناطق الأطراف أو المراكز الاستراتيجية مثل الرفاع والمحرق والمنامة، أصبحت بفعل التحولات الحضرية السريعة مدناً مركزية في قلب البحرين.
وافتتح خليفة الأمسية بوثائق تاريخية تؤكد ملامح النزوح إلى وسط البحرين والرفاع خاصة، وتضاعف مساحة المدينة جغرافياً ما بين عامي 1941 و2010.
وعرض وثائق تاريخية تبرهن على النمو السكاني الكبير وسط البحرين ونشوء مدن ومناطق وامتدادات مركزت الكثافة بقلب البحرين، لافتاً إلى أن القادة السياسيين والاقتصاديين في بعض مناطق الأطراف أثروا المجتمع وأسهموا في ازدهاره وقوة بنائه وترابطه الاجتماعي، وتأثير ذلك الحضور في مناطق عديدة أبرزها المحرق والمنامة وبعض القرى.
وبين خليفة أن مكونات القرية لا تساعدها لتكون مدينة ولا تستطيع الإيفاء بالأدوار والوظائف العصرية كمتطلب للنهضة والتطور الاقتصادي والطفرة المعيشية، داعياً إلى تبني سياسات تبعث الأمل لدى القرويين في التوجه لمدن تضم مكونات متطورة وهياكل تنظيمية تدعم سياسة الانخراط بالانفتاح على الموطن الأكبر والعالم، تجنباً لتحول الأطراف المحيطة بالمدن -المحرق والمنامة والرفاع- إلى عامل ضاغط على نواة التطور ومعوق للطفرة الاقتصادية.
ودعا خليفة إلى استثمار البناء الحضري القديم للبحرين والعودة إلى تلك المقومات المنيعة وإحيائها، مبيناً أن أطراف البحرين تضم قصوراً وقلاعاً تعكس علاقة الحاكم بالمحكوم، وقوة الترابط والتآخي والتداخل بين الأنماط السكنية بين أفراد الأسرة الحاكمة والمواطنين.
ونبه إلى أهمية نشأة جيل ثان من القلاع والقصور في أنحاء متفرقة من البحرين للظفر بدرجات أعلى من الاستقرار والأمان الاجتماعي الذي يعتمد على مصادره التقليدية من خلال أسرة آل خليفة والعوائل التاريخية الموالية للوطن والقائمة على مصالحه القومية العليا.
وأكد ضرورة تدعيم الرفاع الأم بخطط استراتيجية وتعزيزها بعوامل الجذب لنشوء جيل ثان من المساكن عبر توفير بنية تغير اتجاهات الرفاعيين الراغبين بالعودة إلى هذا السياج المنيع «الرفاع الشرقي»، لبناء مساكن أكثر تعزيزاً للتنوع الطبقي والأصالة.
وبين أن الرفاع الشرقي تحتاج إلى تبني الدولة مشروعاً عصرياً عبر التخطيط لشبكة طرقية مبتكرة تفتح مداخل ومخارج للمدينة، ودعم الترابطات الاجتماعية ضماناً للأمن الإنساني والقومي.
البحث مهمة شاقة
وقال خليفة في تصريح لـ»الوطن» إنه دشن كتابه بجهد شخصي ودون دعم أي جهة حكومية، رغم صعوبات مادية واجهها في طباعة الكتاب وتسويقه، آملاً دعم وزارة الثقافة أو الجهات الأخرى ليتمكن من الاستمرار في كتابة أبحاث تتناول الجوانب التاريخية لمناطق البحرين وتأثيرات النمو الحضري فيها.
وأضاف خليفة أن الكتاب الجديد استغرق عامين من البحث اعتمد فيها على كبار السن بالمنطقة، وقال «عملية البحث لم تكن سهلة لما للمنطقة من خصوصية تختلف عن المناطق الأخرى، ولعدم وجود مرجع سابق عن التاريخ الإنساني والاجتماعي والعمراني والاقتصادي للمدينة».
وحول خلاصة بحثه عن الرفاع لفت خليفة إلى أن الكتاب يكشف عن تحولات حضرية كبيرة شملت أنحاء الرفاع الشرقي، أثرت على كيانه السكاني والعمراني والثقافي، ومنها نشأة أنماط سكنية حديثة على أطرافها تعود إلى سكان بحرينيين نازحين من مناطق أخرى نتيجة الطفرة الاقتصادية مع بدايات التنقيب عن النفط، وظهور مراكز عمل جديدة.
وخلص إلى أن الكثافة السكانية العالية في الأطراف المحيطة بالرفاع الشرقي ونتيجة تطور الحياة المعيشية والاقتصادية والحداثة العمرانية، فإن الخيار الوحيد للسكان الأصليين ذهب باتجاهين، أحدهما المناطق الرفاعية الحديثة مثل البوكوارة والحجيات وسند، والثاني المشاريع الإسكانية في مدن حمد وعيسى وزايد والبحير.
وأوضح خليفة أن بروز عوامل الجذب السكاني للشرائح العربية والآسيوية الوافدة عاظمت جاذبية المنطقة للهجرات الوافدة، وبدأت عوامل الطرد السكاني للشريحة الأصلية بالتنامي، لافتاً إلى ظهور نمو حضري عشوائي لا يساعد على حفظ هوية الرفاع.
حضر حفل التدشين المدير التنفيذي لمركز عيسى الثقافي د.خلدون أبا حسين، ومدير المكتبة الوطنية د.منصور سرحان، ومدير الموار البشرية والمالية بالمركز خالد الماجد وجمع من المثقفين والمهتمين.