سطر ميثاق العمل الوطني في فصله الثالث الاقتصادي من بنوده السبعة الرئيسة حقبة ذهبية متجددة من مسيرة البحرين الحديثة تجاه تنويع مصادر الدخل وتحقيق العدالة الاقتصادية، وصولاً إلى حياة رغدة لأغلى ما يملكه الوطن: هو المواطن، ونقل «الميثاق»، على غرار الممالك الدستورية العريقة، مملكة البحرين إلى دولة مؤسسات حبلى بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية يفخر بها كل بحريني عزيز النفس هنيء المعيشة، تحاكي تطلعات الشعب بكافة مكوناته وأطيافه صوب تغيير ملؤه الإيجابية والازدهار بكافة مناحي الحياة المتشعبة. واحتوى ميثاق العمل الوطني ضمن طياته السبع فصلاً خاصاً أسس لجملة من المبادئ الاقتصادية للمجتمع، والمتمثلة في مبدأ الحرية الاقتصادية، الملكية الخاصة، العدالة الاقتصادية والتوازن في العقود، تنوع النشاط الاقتصادي ومصادر الدخل القومي، البيئة والحياة الفطرية، الأموال العامة والثروات الطبيعية، وأخيراً العمالة والتدريب.
ويعود الفضل في عصرنة الاقتصاد الوطني ببنيته المرنة إلى إرادة عاهل البلاد المفدى وصاحب السمو الملكي رئيس الوزراء وصاحب السمو الملكي ولي العهد ورغبة الحكومة الجادة بتنويع الاقتصاد لتقليل الاعتماد على الموارد النفطية، إضافة إلى تشجيع الاستثمار الأجنبي بشكليه المباشر وغير المباشر.
وكما أكد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى في أكثر من مناسبة عزيزة على قلوب البحرينيين: «التنمية التي لا يكون المواطن هدفها لا فائدة منها ولا نريدها».
ضمن أعلى حصص الفرد بالناتج المحلي
وبخلاف ما جرت عليه العادة الاقتصادية في دول مجلس التعاون المجاورة، لجأت البحرين في وقت مبكر وبوعي غير مسبوق بالتوسع في الصناعات الثقيلة والمصرفية والخدماتية لتصبح محور العمل المصرفي الرئيسي في الخليج بشقيه التقليدي والإسلامي.
وبفضل الحرص البالغ في تنفيذ ما جاء في ميثاق العمل الوطني على مر أكثر من عقد من الزمن، فقد أصبح المواطن البحريني يملك أكبر رابع حصة فرد من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2010 –وفقاً لإحصائيات اقتصادية رسمية– بنصيب 17.610 دولار أمريكي، مسجلة مملكة البحرين بذلك المرتبة 54 على مستوى العالم بأعلى حصص الفرد بالناتج المحلي الإجمالي.
والدليل على ما أنجز من إصلاحات شاملة، نجحت مملكة البحرين في تحقيق معدل نمو اقتصادي سنوي قدره 5.9% خلال الفترة 2000-2010، مسجلة بذلك المركز الرابع عربياً والمرتبة 35 على مستوى العالم كأسرع معدل نمو اقتصادي خلال فترة 10 سنوات، بحسب ما أفادت مجموعة «ايكونومست» البريطانية الاقتصادية.
وبهذا النمو الاقتصادي المتسارع، تكون مملكة البحرين قد تفوقت على اقتصاديات عدد كبير من الدول الناشئة أبرزها سنغافورة والإمارات العربية المتحدة والكويت والدومينيكان والبيرو.
اقتصاد أسرع نمواً بالعالم العربي
وفي يناير عام 2002 –أي بعد عام فقط من تصويت شعب البحرين في استفتاء شعبي على ميثاق العمل الوطني وتسجيل نسبة تأييد 98.4%- استشهدت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا بالبحرين كالاقتصاد الأسرع نمواً في العالم العربي.
وقد استفادت البحرين من الطفرة النفطية منذ عام 2001، مع نمو اقتصادي قدره 5.5 ونجحت المملكة في جذب استثمارات من دول أخرى في الخليج العربي مع الاستخدام المبكر لعائدات الطفرة النفطية للاستثمار في تطوير البنية التحتية ومشاريع أخرى لتحسين مستوى المعيشة من تعليم وإسكان وكهرباء ومياه وطرق وغيرها الكثير.
كما تكللت جهود التنمية في مملكة البحرين بتسجيل ثالث أفضل أداء بالتنمية البشرية على مستوى الوطن العربي بتحقيق 80.6 نقطة حسب تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2011، وأحرزت المركز 41 عالمياً في ذات الشأن، ما يترجم مدى تطور البحرين في النهوض برأسمالها البشري من قوى عاملة وطنية وكفاءات شابة.
ومن أبرز المنجزات الوطنية بقاء مملكة البحرين متربعة على عرش العالم العربي والإقليم الشرق أوسطي في مجال الحرية الاقتصادية لأكثر من 5 سنوات متتالية وفقاً للمؤشر السنوي للحرية الاقتصادية الصادر عن مؤسسة «هيريتاج فاونديشين» وصحيفة «وول ستريت جورنال»، محتلة المركز 12 عالمياً من أصل 177 اقتصاداً شملها المؤشر. كما حاز اقتصاد البحرين 75.5 درجة من حيث حرية الاقتصادية وأظهر تقدماً بمعدل سنوي تفوق على المتوسط العالمي.
ويؤكد المؤشر على استفادة البحرين بوصفها من أقل دول المنطقة اعتماداً على النفط وبامتلاكها أكثر الاقتصادات الخليجية تنوعاً وقطاعها المالي المتميز والعريق والذي يسهل انتقال رأس المال والاستثمارات الأجنبية، ونظامها المتقدم في مجال الاتصالات والنقل وقوانينها التشريعية المتميزة ومجتمعها المنفتح.
كما يعكس المؤشر استمرار مساعي البحرين للتحول إلى مزيد من الانفتاح والتنويع والتحديث على أسس قوية من الحرية الاقتصادية، وتمثل نموذجاً تنافسياً للبلدان الأخرى في المنطقة.
ووفقاً للمؤشر، نجحت المملكة في الحفاظ على مستوى فوق المتوسط من مستويات الحرية الاقتصادية وعلى مكانتها كمركز مالي للنشاط الاقتصادي الحيوي، مع مستويات عالية من التجارة والاستثمار تدعمه بيئة تنظيمية تنافسية وفعالة.
وبحسب المؤشر أيضاً، تمتاز مملكة البحرين بمعدلات التعرفة الجمركية المنخفضة، إضافةً إلى وجود معدل نسبي من العوائق غير الجمركية، وانعدام القيود على إعادة رأس المال أو الأرباح، وانعدام القيود على عمليات التبادل، وانعدام القيود على عمليات تحويل أو نقل الأموال، المرتبطة أو غير المرتبطة بالاستثمار.
410 مصارف ومؤسسات مالية
مصرفياً، وصل عدد المصارف والمؤسسات المالية العاملة بمملكة البحرين إلى حوالي 410 مصارف ومؤسسات مالية بنهاية العام 2012 مقابل 322 مؤسسة مالية في العام 1999. كما بلغ عدد صناديق الاستثمار 2810 صناديق استثمارية بإجمالي مبالغ مستثمرة فيها وصلت إلى 8.3 مليار دولار أمريكي، لتبقى بذلك المملكة مركز جذب مصرفي واستثماري رائد على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (المينا).
وما يجعل ميثاق العمل الوطني مثمراً، تدشين الرؤية الاقتصادية لمملكة البحرين لعام 2030 أواخر أكتوبر 2008 لتكون أكبر برنامج اقتصادي متكامل في تاريخ البحرين والتي تستهدف بالمقامين الأول والأخير تحسين معدلات رخاء ورفاهية المواطن البحريني.
وما يميز الرؤية الاقتصادية 2030 وضعها تصوراً بعيد المدى للمسارات المستقبلية للاقتصاد الوطني خلال فترة زمنية تمتد حتى عام 2030.
وتطمح الرؤية الاقتصادية 2030 في الانتقال من اقتصاد قائم على الثروة النفطية إلى اقتصاد منتج قادر على المنافسة عالمياً، ترسم الحكومة معالمه ويتولى القطاع الخاص عجلة تنميته بشكل يوسع الطبقة الوسطى من المواطنين، بحيث ينعمون بمستويات معيشية عالية جراء زيادة معدلات الإنتاجية والوظائف ذات الأجور العالية، استناداً على مبادئ الاستدامة والتنافسية والعدالة لكي تتهيأ لكل مواطن السبل التي تمكنه من تجسيد قدراته الكاملة وعيش حياة كريمة آمنة.
وقد شهد العام 2009 تدشين «ميناء خليفة بن سلمان» ليشكل طفرة نوعية في حركة المناولة البحرية وتجارة السفن واستقبال بواخر سياحية أكثر من أي وقت مضى.
كما شهد العقد الماضي تأسيس عدد من المشاريع والمؤسسات التي عادت بالنفع على الاقتصاد الوطني، أبرزها إنشاء ديوان الرقابة المالية والإدارية، ومجلس المناقصات في عام 2002 تعزيزاً للرقابة على المال العام وضماناً للشفافية كنهج أساسي في العمل الحكومي.
كما تم تدشين «مدينة سلمان الصناعية» رسمياً في يناير 2010 لتقديم الخدمات الصناعية واللوجستية وخدمات الأعمال والتجارة المتكاملة على مساحة 12.1 مليون متر مربع من الأراضي الصناعية المتاحة، وتضم 3 مناطق هي: منطقة البحرين العالمية للاستثمار، مرسى البحرين للاستثمار، ومنطقة الحد الصناعية.
ومن أبرز العلامات المضيئة بالمسيرة الإصلاحية بشقها الاقتصادي، دخول اتفاقية التجارة الحرة بين البحرين والولايات المتحدة الأمريكية حيز التنفيذ في آب لتكون أول دولة خليجية تبرمها مع أكبر اقتصاد في العالم.
وعلى صعيد قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، دخل السوق البحرينية خلال العقد الماضي شركتين رائدتين في مجال خدمات الهاتف المحمول لتشعل المنافسة على مستوى جودة الخدمات والأسعار بما فيه صالح المستهلك المحلي.
وعلى إثره ارتفع عدد مشتركي الهاتف النقال من 133.5 ألف مشترك في العام 1999 إلى أكثر من 1.38 مليون مشترك في العام 2009. كما ارتفع عدد مشتركي خدمة الإنترنت من 15.2 ألف مشترك في العام 1999 إلى أكثر من 139.1 ألف مشترك في العام 2009.
إلى ذلك ارتفع رصيد مملكة البحرين من الاستثمارات الأجنبية المباشرة وفقاً لتقرير «الاستثمار العالمي 2010» الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «الأونكتاد» إلى أكثر من 14.99 مليار دولار أمريكي بنهاية العام 2009، أي بنسبة 74.2% من إجمالي الناتج المحلي، منها 257 مليون دولار.