يواجه حزب «النهضة» الإسلامي الذي يحكم تونس منذ خريف 2011، صعوبات كبيرة في فرض الاستقرار بعد عامين من الثورة التونسية وهو يضع سلطته في الميزان في مواجهة سلسلة من الأزمات السياسية والاجتماعية إضافة إلى أعمال عنف يقف وراءها متطرفون متشددون. وظهر المأزق جلياً من خلال نزاع مفتوح في صلب النهضة حيث رفض «حزب النهضة» قرار أمينه العام رئيس الوزراء حمادي الجبالي الذي أعلن الأربعاء الماضي تشكيل حكومة تكنوقراط مصغرة كانت موضع مطالبة من المعارضة وحتى من بعض حلفاء النهضة في الحكم.
وجاء إعلان الجبالي في أجواء متوترة إثر اغتيال شكري بلعيد القيادي اليساري والمعارض الشرس للإسلاميين. وهذه الجريمة غير المسبوقة في تونس المستقلة تنذر بإغراق البلاد في فوضى العنف السياسي المتنامي.
وقال زعيم الحزب الجمهوري أحمد نجيب الشابي «السلطات كانت تعرف أن شكري بلعيد كان مهدداً ولم تفعل شيئاً» كاشفاً أنه هو نفسه مدرج في لائحة شخصيات سياسية مهددة بالاغتيال. وأعرب الشابي عن القلق من «تهديد السلم الاجتماعي» و»خطر رؤية الانتقال الديمقراطي يتعثر» خصوصاً وأنه لم يتم التوصل إلى تسوية بشأن الدستور ما يمنع تحديد موعد الانتخابات. وتحالف حزب الشابي مع جبهة معارضة علمانية مؤكداً على ضرورة حل «روابط حماية الثورة» الجمعية المرخص لها والتي يقول المعارضون إنها ميليشيا مقربة من النهضة. غير أن السلطة صمت آذانها عن دعوات حل هذه الروابط المسؤولة عن الهجوم على مقر الاتحاد العام التونسي للشغل «المركزية النقابية الرئيسة» ومقتل لطفي نقض المعارض الذي ضرب حتى الموت في تطاوين جنوب البلاد. بل إن قيادات متشددة من النهضة أدلت بتصريحات اعتبرت صادمة دعت فيها إلى الإفراج عن متهمين بقتل نقض. كما اتهمت بسمة خلفاوي أرملة بلعيد الحكومة بالمسؤولية في اغتيال زوجها في حين نظمت تظاهرات رفعت فيها شعارات «الشعب يريد إسقاط النظام» في العاصمة وعدة مدن أخرى تم فيها أيضاً إحراق بعض مقرات النهضة من جموع غاضبة. وتواجه النهضة أيضاً تزايد العنف الاجتماعي الذي قمعته الشرطة في الأشهر الأخيرة في حين لا يزال البؤس والبطالة اللذين كانا وراء الانتفاضة الثورية على الرئيس السابق زين العابدين بن علي في يناير 2011، يسممان الأجواء الاجتماعية في البلاد. وقال القيادي في حزب العمال الشيوعي حمه الهمامي «إن المواطنين ينزفون وعلى الحكومة أن تتحمل الفشل». وعلاوة على ذلك فان السياحة، القطاع الهام في الاقتصاد التونسي، لا تزال تعاني وضعاً كارثياً منذ الثورة، ولم تتمكن من استعادة وتيرة أدائها بسبب استمرار اهتزاز صورة تونس في الخارج خصوصاً بسبب هجمات متطرفين متشددين على حانات وأضرحة أولياء صالحين وفنانين في الأشهر الأخيرة. ولا تكاد عمليات التحقيق في الهجمات تتقدم في حين لا يزال أبو عياض زعيم جماعة أنصار الشريعة المشتبه بانها كانت دبرت الهجوم الدامي على السفارة الأمريكية في سبتمبر الماضي، متحصنا بالفرار.
وتزداد خطورة التهديد الإرهابي خصوصاً مع ربط وزارة الداخلية بين أنصار أبو عياض ومجموعات مسلحة مرتبطة بالقاعدة في بلاد المغرب، حدثت مواجهات بينها وبين قوات الأمن وسط البلاد ومناطق الشمال الغربي المحاذية للجزائر. ومنذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في ليبيا المجاورة أصبحت تونس ممراً لتهريب الأسلحة التي تم اكتشاف كميات كبيرة منها في يناير الماضي جنوب تونس على أبواب الصحراء.
من جانب آخر تتهم المعارضة العلمانية حزب النهضة بالسعي إلى تدبير عملية أسلمة للتشريع والمجتمع ومحاولة ضرب حرية الصحافة.
«فرانس برس»