الأمن وسيادة القانون عنصران مترابطان لا يفترقان أبداً، وبينهما علاقة وثيقة، فلا يمكن تحقيق الأمن دون سيادة القانون، ولا يمكن تحقيق سيادة القانون دون الأمن في أي مجتمع. الأمن يعتبره البعض هدفاً، وآخرون يعتبرونه وسيلة وأداة، فمن يعتبره هدفاً يرى أن غاية أي مجتمع هو تحقيق الأمن وضمان استقراره حتى يتحقق الازدهار فيه، وتتحقق تطلعات الأفراد كافة فيه. أما من يرونه وسيلة وأداة فإنهم ينظرون إلى الأمن على أنه أداة لتحقيق درجة معينة من الاستقرار داخل المجتمع بما يساعد على تطور كافة القطاعات في المجتمع نفسه. أما سيادة القانون فإنها تعني احترام كافة الأفراد والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية داخل المجتمع للقانون دون تمييز في تطبيقه ودون ممارسات لتجاوزه، بحيث يتم تطبيقه على الأفراد والمؤسسات على حد سواء. على أن تكون هناك آليات شفافة وعادلة تضمن المحاسبة والمساءلة القانونية بكل نزاهة للجميع. بالتالي فإن الأمن وسيادة القانون هما عنصران أساسيان في المعادلة الخاصة بضمان استقرار وتطور المجتمعات، ومتى ما صار هناك خلل في الأمن، فإن ذلك دلالة على أن هناك إشكالية في سيادة القانون.
هل مساعي الدولة لاستتباب الأمن وتحقيق الاستقرار تعني تجاوز الحقوق والحريات؟
لا يمكن تبرير إجراءات تحقيق الأمن بأنها ضد الحريات وتهدف لاستلاب الحريات، بل إجراءات الأمن ضرورة وطنية ينبغي الحفاظ عليها دائماً، لأن توافر الأمن هو الأجواء المناسبة والمثلى لممارسة الحقوق والحريات المكفولة دستورياً والمنظمة حسب القانون.
ولذلك فإن ترك المجال أمام الفوضى داخل المجتمع مع غياب الأمن لا يمكن أن يساعد بأي شكل من الأشكال على حفظ حقوق الأفراد، وكذلك حرياتهم. فالحريات والحقوق ليست مطلقة دائماً، بل تنتهي عندما تتعارض مع حريات وحقوق الآخرين، وهو ما ينبغي احترامه. وعليه فإن حفظ الأمن والاستقرار في المجتمع يساعد على حفظ الحقوق والحريات. أما فيما يتعلق بكيفية الحفاظ على الأمن فتتم من خلال سيادة القانون، إذ لا يمكن القبول بالعبث بأمن واستقرار المجتمع، ويتم ذلك من خلال قدرة الدولة عبر مؤسساتها المتعددة على تطبيق القوانين والأنظمة وفرض النظام في المجتمع نفسه. مسؤولية حفظ الأمن وسيادة القانون مسؤولية جماعية بلاشك، حيث تشترك فيها السلطات الثلاث (التشريعية، والتنفيذية، والقضائية) وكذلك الحال بالنسبة للمؤسسات الأمنية والعسكرية. وهناك أدوار هامة في سيادة القانون ملقاة على عاتق الأفراد ومؤسسات المجتمع والجمعيات السياسية ووسائل الإعلام المتعددة، ومتى ما تخلى طرف من هذه الأطراف عن مسؤوليته في حفظ الأمن وسيادة القانون فإن المعادلة ستكون مختلفة. وينبغي هنا التوضيح بأن أدوار الأطراف الأخرى غير مؤسسات الدولة الرسمية والسلطات الثلاث فيما يتعلق بسيادة القانون هو احترام هذه السيادة، والالتزام بالقوانين والأنظمة الوطنية دائماً. وهي بلاشك تتطلب ثقافة وممارسة تستغرق عادة فترة طويلة، ولكنها تتطلب آليات تضمن تكوين ثقافة حفظ الأمن وسيادة القانون داخل المجتمع.
وحتى نضمن أن تتولى كافة الأطراف المعنية بحفظ الأمن وسيادة القانون أدوارها المناطة بها يجب أن يكون هناك وعي جماعي سائد في المجتمع بأهمية دور كل طرف في تحقيق هذا الهدف، وعملية التوعية هذه تشمل مختلف المراحل العمرية، ومختلف مكونات المجتمع، كما أنها عملية لا تتوقف بل يجب أن تكون مستمرة من أجل ضمان قيام كل طرف بدوره المهم. في ظل هذه المفاهيم لحفظ الأمن وسيادة القانون كيف يمكن التعامل من حالات تجاوز القانون، وحالات العبث بالأمن التي يمكن أن يشهدها المجتمع بين وقت وآخر؟
بداية لابد من التأكيد على أن حفظ الأمن وضمان سيادة القانون تعد من المسائل السيادية لأي دولة، والمسائل السيادية تعني عدم إمكانية المساومة عليها أو تجاهلها، وسبب ذلك أن التساهل فيها من الممكن أن يؤدي إلى تدمير المجتمع والمساس بهيبة الدولة وسيادتها. وفي ضوء ذلك، من المهم أن تتولى مؤسسات الدولة الرسمية مهامها متى ما واجهت تحديات داخلية وتهديدات أمنية خارجية بشكل فوري، وعملية المواجهة ينظمها القانون بناءً على ما قرره الدستور في شأن مسؤوليات حفظ الأمن وسيادة القانون دائماً. كذلك عملية حفظ الأمن وسيادة القانون قد تشوبها أخطاء أو تجاوزات أو سوء استخدام الصلاحيات، وهي حالات موجودة في مختلف المجتمعات، سواءً تلك التي شهدت تحولاً ديمقراطياً منذ قرون كما هو حال الديمقراطيات الأوروبية، أو تلك التي مازالت تشهد تحولاً ديمقراطياً مثل مملكة البحرين. وهي بلاشك أخطاء واردة، ولكن الأخطاء ينبغي الاعتراف بها، وينبغي تقويمها سريعاً، وإيجاد الحلول المناسبة لضمان تفاديها مستقبلاً، بالإضافة إلى محاسبة من تورط فيها، فهذا ما ينص عليه القانون الذي ينبغي تطبيقه على الجميع.
infobipd.gov.bh