كتب ـ جعفر الديري:
ليس هذا الحديث حديث قصة قبل النوم، بل قضية مهمة جداً وفي غاية التعقيد والتشابك، وما تزال تلقي بظلالها على العلاقات القائمة بين الآباء والأبناء.
ينشأ كل منا على قيم ومبادئ لا يحيد عنها، سرعان ما تصبح جزءاً من مشاعرنا، لا يمكن رفضها أو حتى الإغارة عليها، قيم سبق أن عاش عليها آباؤنا وآمنوا بها ونقلوها لنا، فتشربناها دون أي تقييم أو تمحيص.
الزمن الذي يعيشه جيل اليوم يبدو مختلفاً عما عاشه الآباء والأجداد، زمن شمله التغير في كل شيء، ومن ضمنها القيم والمبادئ.. أصبح الشاب فيه يعرف من المعلومات ويكتسب من الخبرة بساعة ما كان الآباء يتعلمونه في عام.
في ظل هذا الواقع.. ما مبررات الآباء في قسر أبنائهم على قيم ومبادئ قديمة عفى عليها الزمن؟ لماذا لا يسمحون لهم بالتعاطي مع القيم الغربية مثلاً؟!.
صالحة لكل زمان ومكان
يعتقد جمعة إبراهيم أن القيم العربية والإسلامية تبقى ثابتة لا تتغير، ويجدها تصلح لكل زمان ومكان «لا مبرر لاستبدالها بأخرى تنتمي لبيئات مختلفة».
ويعترف جمعة «بلى أقسر أبنائي بل أعاقبهم لو خالفوا قيماً عشت وعاش أبي عليها ومن قبلنا جدي، أنا أؤمن أن لا مثيل لها، وهي جديرة بمنح الإنسان السعادة وتشكل مطلباً للصغير قبل الكبير».
أين البديل؟
وتجد سعاد حسين نفسها في حيرة أمام تغيير يشمل كل شيء، وكثيراً ما تتساءل إن كان إجبار الأبناء على قيم الآباء وعاداتهم يصب في صالحهم أم يتسبب لهم بمشكلات عاجلاً أو آجلاً؟ «دائماً أسال نفسي عندما يسألني أبنائي عن أمور كثيرة، عن جدوى ما أفرضه عليهم.. أنا ألاحظ أن أبنائي أكثر ذكاء، عيونهم تلحظ كل شيء، ماذا أجيب ولداً ذكياً يسألني لماذا لا تسمحين لي بارتداء ما أشاء من الثياب؟ لماذا تفرضين علي تعلم لغة لا تفيدني في حياتي العملية؟».
أسئلة تقف سعاد أمامها عاجزة «لكني بالمقابل أحرص أيضاً على قيم وتقاليد نشأت عليها وتربيت، ولا أجد بديلها المناسب لأبنائي».
مجتمع براجماتي
ويبرر حسن شبر حرصه على التزام أبنائه بما نشأ عليه من قيم بمبلغ ما في القيم الأخرى من مخاطر «قيمنا ومبادئنا هي الدرع الأخير أمام انحدارنا وتحولنا إلى مجتمع يقوم على المصلحة والابتذال».
ويضيف «أنظر إلى المجتمع الغربي فأصاب بالرعب خوفاً على أبنائي» ويضيف «دع عنك ما يباهي به الغرب من تقدم علمي، فهذا أمر لا يمكن نكرانه، لكن أين هو الإنسان من كل ذلك؟ هل وجدنا في الحياة لنعمل كالآلات نفرخ المال والتكنولوجيا؟!. أنا ابن حضارة عربية إسلامية تجد في القيم الإنسانية هدفها الأسمى، ولن أقبل يوماً لأحد من أبنائي أن يتحول لشبه إنسان».
للأبناء مطلق الحرية
وترغب أم أحمد برؤية أبنائها في أماكن متقدمة، وأن يحظوا بحياة سهلة منعمة، وتتساءل إن كان الاحتفاظ بقيم الخير من صدق وإنسانية تعيق جيل اليوم عن تحقيق آماله!.
وتضيف أم أحمد «أبناؤنا يعيشون وسط غابة لا رحمة فيها، الجميع يود التهام من يقف بطريقه، فكيف لي أن أجبر أبنائي على قيم عفى عليها الزمن؟! بلى هي قيم قديمة وأبناؤنا اليوم هم من يحددون طريقة تعاطيهم معها، وليس من حقنا كآباء وأمهات أن نجبرهم عليها».
وتتابع أم أحمد «انظر إلى الغرب تجد أبناءهم يعيشون في سعادة، ليس لشيء سوى أنهم أبناء لحظتهم، ليس للآباء حق إجبارهم على شيء، ووصل الأمرأن من حق الابن التقدم ببلاغ ضد أبيه متى أساء معاملته، بينما لا يملك الأبناء هنا حق سؤال آبائهم عما يرتكبونه من أخطاء!».