تأتي الدساتير في كل دول العالم معبرة عن إرادة الشعب، وعادة ما تكون نسبة التوافق عليها ليست بالكبيرة حيث أقر دستور الجمهورية الفرنسية بنسبة 53% من مجموع المصوتين، وتم تعديله أكثر من مرة، بينما عند المقارنة مع ميثاق العمل الوطني البحريني نجد أنه حظي بنسبة موافقة ساحقة والتي بلغت 98.4% من الذين أدلوا بأصواتهم في الاستفتاء وهي نسبة لم تتحقق في دول الديمقراطيات العريقة.
وبدأ ميثاق العمل الوطني التحرك نحو العقد الثاني من عمره وبدأت عملية الحراك السياسي التي دعت إلى تعديل بعض مواده وبما تصبح معه متوافقة مع التقدم السياسي العالمي، ولم يكن هذا الحراك والتعديلات سوى بتوافق شعبي ناتج عن حوار توافق وطني جاء بمرئيات لتعديل بعض مواد الدستور والتي تم إقرارها مؤخراً وبدأ العمل بها.
وعندما نلقي الضوء على التعديلات التي جرت في دستور الولايات المتحدة الأمريكية نجد أنها مرت بمراحل كثيرة من عمر الدولة، فقد تم تدشين الدستور في عام 1787، وأول تعديل جرى عليه كان في عام 1791 بإضافة عشر مواد سميت وقتها بوثيقة الحقوق وتضمنت مواد كان أبرزها أنه لا يحق لمجلس الشيوخ سن قوانين تفرض اتباع دين معين، وتمنع تقييد حرية النقد حديثاً أو كتابة أو تحد من حرية الصحافة، ثم توالت التعديلات الدستورية منذ العام 1794 وهو التعديل الثاني والذي صودق عليه 1795، ثم التعديل الثالث في 1804 والرابع عام 1865، والخامس في عام 1869 وجاءت التعديلات على التوالي في أعوام 1909، 1919، 1939، 1933، 1951، حتى كان آخرها في عام 1992 وهو التعديل التاسع والعشرين. وإذا نظرنا إلى الدستور البحريني والذي أقر في عام 2002، وما جرى عليه من تعديلات مؤخراً نجد أنها تتناسب زمنياً مع التعديلات التي جرت على دستور الولايات المتحدة الأمريكية حتى إن تعديلات أخرى قد تطرأ عليه بعد انتهاء حوار التوافق الوطني الثاني والذي بدأت جلساته أول أمس وتشارك فيه الجمعيات السياسية بجميع أطيافها وممثلون عن مجلس النواب من المستقلين بالإضافة إلى ممثلين عن الحكومة، وذلك حيث كانت التعديلات التي أقرت مؤخراً نابعة مما تم التوافق عليه في الحوار الأول.
لا موانع للتعديلات
بتوافق وطني
عندما تطورت الحياة السياسية في المملكة وبدأ من الضروري أن تجرى تعديلات دستورية تتماشى مع التطور الحاصل في جميع دول العالم والمطالبة بوضع تعديلات تتماشى مع هذا التطور لم يكن هناك أي موانع في أن تحدث تلك التعديلات وبتوافق وطني، وهنا يجب الإشارة إلى ما عاشته دول كثيرة من اضطرابات سياسية وشعبية قبل إقرار التعديلات الدستورية التي يطالب بها الشعب، بينما كانت البحرين وبفضل حكمة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى تمر بتلك المراحل المماثلة بشكل سلس ومن خلال حوار مدني مجتمعي ضم جميع أطياف الشعب البحريني وخرج بمرئيات تحققت على أرض الواقع وبشكل حضاري لا مثيل له في كثير من دول العالم. والمتابع للتعديلات الدستورية التي أقرت مؤخراً يجد فيها الكثير من أوجه الشبه في المسيرة الديمقراطية لدول مثل فرنسا وأمريكا وبريطانيا لكن ولأن ميثاق العمل الوطني لم يمض على إقراره سوى 11 عاماً فقط فإنه وبعد التعديلات الأخيرة، والخاصة بإعادة تنظيم مجلسي الشورى والنواب بما يعطي دوراً أكبر للمجلس النيابي ويضمن الاختيار الأنسب لأعضاء المجلسين، تكون مملكة البحرين قد استطاعت تحقيق قفزات واسعة في عمر الديمقراطية، لم تكن لتحدث بشكل حضاري وسلس، لولا حكمة جلالة الملك المفدى.
وهنا نود الإشارة إلى أن التعديلات الدستورية التي صادق عليها جلالة الملك مؤخراً استهدفت تطوير آلية للإسراع في إصدار التشريعات، وزيادة الصلاحيات التشريعية والرقابية لمجلس النواب ، وتعزيز رقابة السلطة التشريعية على أداء السلطة التنفيذية وإعطائها دورًا أكبر في تمثيل الإرادة الشعبية من خلال تمكين مجلس النواب من مناقشة برنامج عمل الحكومة وقبوله أو رفضه واستجواب الوزراء وغير ذلك من الآليات، وهي أمور أقرت في دول متقدمة بعد مرور عشرات السنين من إقرار دساتيرها، وحدوث بعض الاضطرابات السياسية والشعبية وصولاً إلى تلك التعديلات.
المواطن واع بأهمية
المشاركة السياسية
وأثبت المواطن البحريني مدى وعيه بأهمية المشاركة السياسية وأهمية حقه الانتخابي وقد ظهر ذلك من خلال نسبة المشاركة العالية وغير المسبوقة في التصويت على ميثاق العمل الوطني عام 2002، ثم بدأت الحياة البرلمانية في المملكة بانتخاب مجلس النواب، حيث أدرك المواطن البحريني أهمية صوته في اختيار من يمثله في المجلس التشريعي ويعبر عن مطالبه، حيث شارك في الانتخابات البرلمانية عام 2002 ما نسبته 53.4% ممن يحق لهم التصويت، وفي انتخابات عام 2006 ارتفعت تلك النسبة بشكل كبير حيث وصلت إلى 70% ولم تختلف عنها في انتخابات 2010 حيث شارك في التصويت 68% من إجمالي عدد من يحق لهم التصويت. وتزامن مع ميثاق العمل الوطني مجموعة من الإنجازات الإصلاحية وبناء العديد من المؤسسات الوطنية التي تستطيع أن تسهم في تطور المملكة، ومن بين تلك المؤسسات بل وأبرزها هو إنشاء «المحكمة الدستورية» في 14 سبتمبر 2002، حيث تتولى مراقبة مدى دستورية القوانين واللوائح، وتعتبر أحكامها ملزمة لسلطات الدولة، ومن بين المؤسسات الرقابية التي استحدثت للرقابة على السلطة التنفيذية في يوليو من نفس العام، إنشاء «ديوان الرقابة المالية والإدارية» وتطوير اختصاصاته في عام 2010، كجهاز مستقل مالياً وإدارياً للرقابة على أموال الدولة. وعلى صعيد تعزيز حقوق الإنسان في المملكة أقرت الكثير من الإصلاحات في إطار الالتزام بدعم سيادة القانون، كأن أبرزها صدور الأمر الملكي رقم (28) لسنة 2012 بتعديل بعض أحكام الأمر الملكي رقم (46) بإنشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وأعطي الحق للجمعيات الحقوقية في متابعة السجناء وشكاواهم والاطلاع على أحوالهم في جو من الديمقراطية كما تم تشكيل لجنة مختصة بمسائل حقوق الإنسان برئاسة وكيل وزارة الداخلية، مهمتها التواصل مع المنظمات غير الحكومية مثل الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، كما تم استحداث إدارة للشكاوى وحقوق الإنسان بالوزارة بهدف الارتقاء بمستوى الأداء العام، وارتفع عدد مؤسسات المجتمع المدني تماشياً مع أجواء الانفتاح السياسي والديمقراطي في العهد الإصلاحي لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة من 202 جمعية في عام 1999 إلى أكثر من 526 جمعية أهلية وسياسية وثقافية ونسائية واجتماعية ودينية خلال عام 2011، منها 24 جمعية نسائية، و18 جمعية سياسية، وهناك أكثر من (60) جمعية مهنية، و(13) منظمة شبابية، و119 جمعية وصندوق خيري، و(20) مؤسسة عاملة في مجال الإعاقة والمسنين، (36) نادياً أجنبياً، وجمعيات أخرى. من جانبها، وفي نفس السياق الخاص بالحريات بدأت الحكومة في العمل على مشروع قانون جديد للاتصال والإعلام يتم بموجبه تنظيم ممارسة حرية الرأي والتعبير عبر مختلف وسائل الإعلام والاتصال تحت مسمى «المجلس الأعلى للإعلام والاتصال»، وهو هيئة مستقلة وقائمة بذاتها اختصها المشروع بسلطة إصدار القرارات اللازمة لتنظيم ممارسة النشاط الإعلامي في مختلف فروعه وعلى الصعيد الدولي بالنسبة لحقوق الإنسان، انضمت مملكة البحرين إلى 24 اتفاقية دولية متعلقة بحقوق الإنسان، من أبرزها اتفاق القضاء على كافة أشكال التمييز العنصري (1990)، اتفاق مكافحة جريمة الإبادة الجماعية (1990)، واتفاقية مناهضة التعذيب (1998) وبروتوكولها الإضافي (يوليو 2002)، واتفاقية حقوق الطفل (1992)، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (عام 2002)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (2006)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (2007)، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (2010)، وعدد من المواثيق في مجال الحريات النقابية وحقوق العمال. كما صادقت المملكة على «الميثاق العربي لحقوق الإنسان» في 18/6/2006، واتفاقية إنشاء منظمة المرأة العربية (2002)، والعديد من الاتفاقات العربية والخليجية ذات الصلة بحماية وتعزيز حقوق الإنسان.