كتب - أحمد الجناحي وياسمين صلاح:
لم تبتعد مسرحية «الدياية طارت» لمخرجها عادل جوهر عن تجسيد ظلم القضاء وأصحاب القرار في سوريا وفلسطين وغيرها من بلدان العالم العربي، متستراً تحت عباءة الكوميديا التي فجر تحتها كل خبيث يحدث باسم الدين والقانون والمنطق والأخلاق.
وسط أجواء الضحك المتعالي من جمهور ملأ الصالة الثقافية في ختام فعاليات مسرح أوال السابع أول أمس، مست المسرحية الساخرة الخطوط الحمراء ودانت القضايا الحساسة بأسلوب الكوميديا، ومازالت الصورة واضحة كالشمس تتجلى في القهر والظلم المكنونين داخل صناع القرار حول العالم.
التنوع الموسيقي والانتقال التدريجي السلس ما بين الحزن والفرح وحس الفكاهة أوصلت الرسالة والفكرة، دون إحساس المشاهد بالتقطيع والانتقال من فكرة لأخرى ومن صورة لتالية، وإلى جانب الأزياء المناسبة التي أعطت العرض صورة جمالية كان الجمهور بانتظارها منذ أولى عروض المهرجان.
حاول العرض بشتى الطرق والوسائل أن يوصل الفكرة للمشاهد عبر تنويع طرائق الطرح، فبعض المشاهد كانت على شكل استعراض غنائي، وبعضها الآخر أخذ شكل نكتة، فقط لكسر حواجز الملل عند المشاهد وإقحامه بجوهر الفكرة دون أن يشعر. ودون مواربة أو تلميح، انتقدت المسرحية صراحة نمط المسلسلات الدرامية الخليجية المليئة حزناً وكآبة وكلاماً مكرراً ممطوطاً يصلح للمسلسلات برمتها، استخدمها المخرج بطريقة إبداعية تنتقدها وبالوقت نفسه تساهم في إيصال فكرة العرض، وكان النتيجة نجاح المخرج في توظيفها بدليل استحسان الجمهور للعرض المسرحي عموماً.
إلى جانب الخلفية البسيطة التي بلا شك خدمت العرض وساهمت بنقل الصورة والرسالة كاملة للمشاهد، كان سر النجاح في البساطة والتعبير المباشر رغم الرسائل المكنونة بين كلمات السيناريو المتداول بين أبطال المسرحية الخمسة.
كان العرض إجمالاً أشبه بساحة عامة تجمع كل أنماط الناس بمختلف معتقداتهم وأعراقهم، ووظفت كل الأمور السياسية والاجتماعية في عرض قدم صورة مختلفة وشد المشاهد إلى النهاية.
مخرج ومعد العمل عادل جوهر عبر عن أهمية فكرة المسرحية التي تعالج ضياع الشعوب والعالم بسبب الاستخدام السيئ للعقول والحجج، داعياً إلى الإصرار على الحق والمنطق النابعين من القناعة التامة مهما تعددت الآراء ومهما حاول الآخرون تضليل الرأي السديد.
ويقول آسفاً «في هالزمن اللي يتكلم باللامنطق نقتنع بكلامه، رغم أنه بداخلنا نستشعر الخطأ، لكن ينجح الشخص السيئ في إقناعك بالمنطق الذي في الحقيقة هو لا منطق! نسكت عن الحق وتمشي الأمور».
ويوجه رسالة للعالم «مهما كانت الأدلة والطرق الملتوية في إقناع الشخص، صر على موقفك ما دامك مقتنع بداخلك، ففي النهاية كل منا لديه منطق وإن اختلف من شخص لآخر فهذه وجهات نظر! ولكن لا تحاول إقناعي بمنطقك، وللأسف نحن نصدق اللامنطق أكثر من المنطق، لقد ضاعت دول وشعوب باللامنطق مثل سوريا، فتبرير المواقف اللامنطقية لقتل شعوب تحت عباءة «إنني أحكمهم بالعدل» تضيع قضيتنا، وفي النهاية الكل صدق أن «الدياية طارت»، وهي رمز المنطق بالمسرحية».