حاوره – حذيفة إبراهيم:
توقع مدير مركز صاحبة السمو الملكي الأميرة الجوهرة للطب الجزيئي البروفيسور معز بخيت بدء البحرين إنتاج أدوية خلال 5–10 سنوات لعلاج عدد من الأمراض إثر اكتشاف المركز بروتينات في الجسم مسؤولة عن المناعة الأولى، تقود إلى إنتاج أول مركب بروتيني والجين الذي يرمز له، ما يسهم بعلاج الكثير من الأمراض، كاشفاً عن وجود اتفاقية بين المركز وجهات يابانية لاختبار المركب، ومن المقرر إنتاجه خلال 7 سنوات.
وأضاف بخيت في حوار مع «الوطن» أن «الاكتشاف العلمي في المركز سيغير المفاهيم الخاصة بعلم الوراثة وأمراض الدم الوراثية، ويفتح الباب أمام علاج العديد من الأمراض»، مشيراً إلى أن «مركز الأبحاث السريرية وأبحاث العلاج والدواء التابع لمدينة الملك عبدالله بن عبدالعزيز سيكون الأول من نوعه في البحرين، وسيتم فيه تجربة الأدوية الجديدة وأثرها على المستخدمين، تمهيداً للانتقال من مرحلة المستهلكين لكل ما يصنع في الخارج، إلى مرحلة تصنيع الدواء وترخيصه داخل المملكة». وأشار إلى أن «العيادات الخارجية الطبية التابعة لمدينة الملك عبدالله افتتحت في الطابقين الثاني والثالث بمركز الأميرة الجوهرة، وقد تبقى في مكانها بعد افتتاح المدينة الطبية قرب درة البحرين»، مؤكداً «قرب البدء بالمرحلة الثانية من مشروع مدينة الملك عبدالله الطبية».
وتابع بخيت أن «مركز الأميرة الجوهرة نشر ما يزيد عن 70 بحثاً علمياً بالمجلات العلمية المحكمة، ومنح شهادتي دكتوراة لطلبة في الطب الجزيئي، بينما تم تسجيل 19 آخرين لإكمال الدكتوراة في ذلك المجال»، مضيفاً أن «المركز بمليون دينار تقريباً في السنة كميزانية تشغيلية، أما البحث العلمي فهو مكلف جداً ولكن مصادرنا فيه تعتمد على التمويل الخارجي».
وحول إحصائيات أمراض الدم الوراثية في البحرين، قال بخيت إن «المركز بدأ دراسة بالتعاون مع مستشفى قوة دفاع البحرين، وتم توقيع اتفاقية مع مستشفى الملك حمد للفحوصات المتعلقة بأمراض الدم الوراثية»، موضحاً أنه «سيتم بداية عمل دراسة أولية للأمراض نظراً لوجود المئات منها، ما يصعب عملية البحث، إلا أننا سنختار الـ50 مرضاً الأكثر شيوعاً ونترك الباقي كأمراض نادرة». وفيما يلي نص الحوار:
كيف بدأت فكرة إنشاء مركز الأميرة الجوهرة للطب الجزيئي:
نحن نحتفل بالذكرى العاشرة منذ إعلان هبة سمو الأميرة الجوهرة لهذا المركز حيث وقعت في 18 من يناير 2003، عقد تلك الهبة، وتبع تلك الخطوة فترة التخطيط والدراسات الاستراتيجية، حيث انطلقنا في داخل كلية الطب بجامعة الخليج العربي.
وتم في العام 2007 وضع حجر الأساس للمركز في مكانه الحالي، وافتتح في عام 2009، أما خدمات المركز للمواطنين فبدأت منذ 28 نوفمبر 2011، حيث كانت هبة الأرض من جلالة الملك حمد عاهل البلاد المفدى، والهبة بـ12 مليون دولار من سمو الأميرة الجوهرة، وساهمت جامعة الخليج العربي بالمعدات الداخلية وأثاث المركز.
خلال الفترة التي مكثنا بها في جامعة الخليج العربي أتممنا الدراسات الأولية، والأهداف الاستراتيجية والرؤية للمركز وأقسامه، إضافة إلى التخطيط الأساس.
ما هي الخدمات التي يقدمها المركز؟
يغطي المركز عدة جوانب، أهمها الأكاديمي ويشمل البحوث، إضافة إلى الجانب الخدمي وتقديم الخدمات للمجتمع، والأخير هو الجانب العلاجي.
عندما كنا في مباني جامعة الخليج العربي بدأنا بالجزء الأكاديمي وتعريف وتقديم الطب الجزيئي لطلاب الطب، ومن ثم أطلقنا العنان للأبحاث، وخلال السنوات الماضية نشرنا أكثر من 70 بحثاً علمياً في مجلات عالمية محكمة، وخرجنا طالبتين في الدكتوراة بالطب الجزيئي، والآن يوجد لدينا 19 طالباً وطالبة من مختلف دول مجلس التعاون مسجلين لإنهاء برنامج الدكتوراة بالطب الجزيئي.
وخلال السنوات الماضية من عمر المركز اكتشفنا مركباً بروتينياً في الجسم إضافة إلى الجين المسؤول عنه، وهو ما سيحدث فارقاً كبيرتً جداً في علم المناعة، وذلك بشهادة البروفيسور «هانز فكسيل» وهو مكتشف الخلايا القاتلة واحد اللذين بدؤوا اكتشاف الخلايا البيضاء المنتجة للأجسام المضادة، إضافة إلى كونه ترأس لمدة 10 سنوات جائزة نوبل في الطب والفسيولوجي، ويعتبر الشخصية الأولى في علم المناعة بالعالم.
ذلك الرجل العظيم أعرب عن ذهوله بالمركز والتجهيزات والدراسات التي يقوم بها، وذلك بعد دعوته لزيارتنا بمناسبة الذكرى العاشرة لانطلاق المركز، إذ قال حينها إن الاكتشاف كبير جداً ومهم في تخصص العلوم، ونصحنا بضرورة التركيز على الجانب العلمي كونه سيغير العديد من المفاهيم في علم المناعة، وشدد على أن الاهتمام بذلك الجانب في الوقت الحالي أهم من إنتاجه كدواء، وقدومه لنا فتح لنا مجالات للتعاون مع جهات كبيرة في العالم.
إن ما قام به المركز خلال الـ10 سنوات منذ إعلان سمو الأميرة الجوهرة التبرع به كان ممكناً يقدم خلال 50 سنة.
ويعمل المركز بمليون دينار تقريباً في السنة كميزانية تشغيلية، أما عن البحث العلمي فهو مكلف جداً ولكن مصادرنا فيه تعتمد على التمويل الخارجي، حيث لدينا مشاريع مولت بالتعاون مع فرق بحث علمي في جامعة الكويت ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي، وآخر عن «الجينوما» العربي، وهو مشترك مع عدة مراكز عربية تم تمويله من مؤسسة قطر، ولكن هناك ميزانية مرصودة لبعض المشاريع من داخل المركز.
لماذا اختيرت البحرين لإقامة مشروع الأميرة الجوهرة؟
العلاقات القوية التي تربط البحرين بالمملكة العربية السعودية، إضافةً إلى وجود جامعة الخليج العربي كجامعة خليجية مقرها في المملكة، حيث جاء التبرع لذلك الصرح التعليمي ليكون تابعاً لها.
والبحرين تمتلك الكادر المؤهل الذي يمكن أن ينفذ المشروع، وهو ما تجسد بقناعة سمو الأميرة الجوهرة بذلك، كما إن الدخول للبحرين سهل لأي شخص من أي دولة كانت وهو ما يزيل أي عائق لوجستي.
أين وصل مشروع مدينة الملك عبدالله بن عبدالعزيز الطبية؟
المشروع وصل لمرحلة بناء الجزء الأول في المستشفى، حيث سيكون بالقرب من «درة البحرين»، سيتم الانتهاء قريباً من إعداد الخرائط والمساحات، ويتبعه طرح المناقصة للمقاولين.
وخلال الفترة الماضية تم تأسيس العيادات الخارجية الخاصة بمدينة الملك عبدالله بن عبدالعزيز الطبية، وهي موجودة في الطابقين الأول والثاني من مركز الأميرة الجوهرة، حيث من المرجح أن لا تنتقل إلى مبنى المستشفى بعد انتهائه لتظل موجودة بالقرب من المدينة نظراً لبعد مسافة المستشفى النسبية.
ما هي المشاريع المستقبلية على المستوى الطبي بين البحرين والسعودية؟
المملكتان متكاملتان في العديد من الجوانب، وعلى مستوى المشاريع، فسيتم البدء بالمرحلة الثانية من مشروع مدينة الملك عبدالله الطبية والتي تتمثل بانتقال كلية الطب وجامعة الخليج العربي لمقر المستشفى، إضافةً إلى «مركز للأبحاث الطبية» في مجالات أخرى غير الطب الجزيئي، فضلاً عن «مركز للأبحاث السريرية وأبحاث العلاج والدواء سيكون الأول من نوعه في البحرين، حيث سيتم تجربة فيه الأدوية الجديدة وأثرها على المستخدمين، وذلك لننتقل من مرحلة المستهلكين لكل ما يصنع في الخارج، إلى مرحلة تصنيع الدواء وترخيصه داخل المملكة.
وباعتقادي فإن المملكة ستشهد خلال الـ5-10 سنوات القادمة مصانع للدواء، حيث عقدنا اتفاقية مع شركة يابانية لإجراء دراسات سريرية لمركب تم اكتشافه في مركز الأميرة الجوهرة والحصول على براءة اختراع في المملكة واليابان، ومن المقرر بعد انتهاء من تلك الأبحاث أن يتم تصنيعه في البحرين خلال الـ7 سنوات القادمة كحد أقصى.
هل أجريتم إحصائيات عن أمراض الدم الوراثية في البحرين؟
بدأنا دراسة بالتعاون مع مستشفى قوة دفاع البحرين، وتم توقيع اتفاقية مع مستشفى الملك حمد للفحوصات المتعلقة بأمراض الدم الوراثية، حيث سيتم بداية عمل دراسة أولية للأمراض نظراً لوجود المئات منها، مما يصعب عملية البحث، إلا أننا سنختار الـ50 مرضاً الأكثر شيوعاً ونترك الباقي كأمراض نادرة.
ولكن بشكل عام فإن أكثر الأمراض الشائعة في البحرين هي الأنيميا المنجلية «السكلر» والثلاسيميا ونقص الخميرة، ومن ثم الأمراض المتعلقة بالأنزيمات ونقصها نتيجة لطفرات وراثية في الجين المسؤول عن إنتاج تلك الأنزيمات، أو بعض الأمراض المتعلقة بنقص الأحماض الدهنية.
ومن الأمراض المنتشرة أيضاً «متلازمة داون»، وبعضها الوراثية المتعلقة بطفرات جينية كأمراض القلب والشرايين.
إن الوراثة لا تعني فقط انتقال المرض من الأب إلى الأم، وإنما الجين المورث قد يحصل به خلل يؤدي إلى الإصابة، وهو ما نقوم على دراسته.
السكر أيضاً من الأمراض الوراثية حيث من الممكن أن يتسبب خلل ببعض الجينات المسؤولة عن إنتاج الأنسولين أو التعامل معه، وقد يفاجئ القارئ إذا اكتشف أن زيادة الوزن والدهون والكلسترول أيضاً هي لها علاقة بالوراثة من عدة جوانب.
أما الأمراض النادرة والتي عادة ما تصيب 1 لكل 10 الآلاف شخص فما فوق فإننا نسعى لزيادة التوعية عنها، وقد أنشئت جمعية عالمية للأمراض النادرة أو «اليتيمة» والتي لا يوجد الكثير ممن يهتم بها.
ولكون تلك الأمراض نادرة فقد اختارت الجمعية أن تحتفل بها كل يوم 29 فبراير، نظراً لأنه لا يأتي إلى مرة كل 4 أعوام، ونحن ولأول مرة في البحرين سنحتفل به هذا العام في الأسبوع الأخير من فبراير بالتعاون مع وزارة الصحة، حيث تمت دعوة العاملين في ذلك المجال من مختلف دول مجلس التعاون، وستجري هناك حملات إعلانية في الأسواق والمجمعات عن الأمراض النادرة، للوصول إلى الأسر التي يعاني أحد أفرادها من تلك الأمراض.
ما هو الاكتشاف الذي تم في مركز الجوهرة وأبهر العالم أجمع؟
الاكتشاف معني بعلاقة جهاز المناعة الذي يحمي الجسم من الأمراض بالجهاز العصبي المتحكم بعمل الأعضاء، بأوامر من المخ، ويمكن أن نقول إن جهاز المناعة يعتبر قوة الدفاع بالنسبة للجسم، وهو ما يعني وجود قائد لها وهو الجهاز العصبي.
اكتشفنا أنه عندما يتعرض الجسد لأي تحد مناعي أو خارجي سيؤثر سلباً على المخ، حيث يتم إرسال الإشارات العصبية الأولى من الجلد والأماكن التي تعرض بها الجسد لأي مؤثرات خارجية، وتلك الإشارات تصل إلى الغدد اللمفاوية المسؤولة عن صنع الأنزيمات.
كما أثبتنا وجود بروتينات يتم إنتاجها وهي مسؤولة عن المناعة الأولى، كل ذلك قادنا للحصول على أول مركب بروتيني والجين الذي يرمز له، ومن ثم وجدنا له تطبيقات مختلفة، من الممكن أن تسهم بعلاج الكثير من الأمراض، وحصلنا من خلاله على أكثر من براءة اختراع، إلا أننا بحاجة للمزيد من الأبحاث عليه قبل البدء في علاج الأمراض به.
ما هي براءات الاختراع التي حصل عليها هذا الاكتشاف؟
حصلنا على عدة براءات اختراع أولها في عمل هذا المركب كمحفز لجهاز المناعة، ووصف آلية عمله كمركب يعمل بين الجهاز العصبي وجهاز المناعة.
أما البراءة الثانية كانت عن تطبيقاته وفي ماذا يمكن أن يستخدم، وهو ما اندرج تحته 4 تطبيقات.
والعمل جار للحصول على براءة الاختراع الثالثة في آلية عمل المستقبلات في جسم الإنسان، من خلال التحكم بالجرعة عن طريق المستقبلات الخاصة به.
إن ما أذهلنا هو أن ذلك المركب موجود في جميع أنواع الحيوانات إضافة إلى الإنسان، وهو ما يعني معالجته للأمراض في الحيوان والإنسان.
ومن الممكن لهذا الاختراع أن يعالج أمراض نقص المناعة ومنها الإيدز بالإضافة لأنواع من السرطانات، وأمراض الجهاز العصبي والعضلات، وحالات زيادة المناعة كالروماتيزم والسكري الأول، ولكن المزيد من البحث مطلوب، وهو ما يعني أن لدينا ما يشغلنا لمدة 100 عام قادمة.
السؤال الذي قد يدور بخلد من يقرأ سيرتك الذاتية الزاخرة بالإنجازات، من أين لك كل ذلك الوقت؟
أنا أعمل من الـ8 صباحاً حتى الـ11 مساء، وعلى يقين أن أي إنسان يستطيع ترتيب وقته أن ينجز الكثير، فالـ24 ساعة في اليوم للشخص المنظم تعني أسبوعاً كاملاً، أما لغير المنظمين فلن تعني سوى ساعة واحدة.
ومن جهة أخرى، أنا شاعر أهوى الطب، كونني أريد اعتبار الطب كهواية وهو ما يعني حبي لها ولعملها، والشعر يصفي النفوس، ويعالج المجروحين، فهو من أنواع الدواء أيضاً.