وارين بيريرا ـ ترجمة أمين صالح:
كتبت فيلمي القصير الأول «Lacking Lewis» وأخرجته بداية 2005، لكن النسخة النهائية من الفيلم، بدت رديئة جداً، اضطررت حينها إلى إعادة كتابة الفيلم وتصويره وتصحيح ألوانه ومونتاجه ومعالجة الصوت والموسيقى مرات عدة.
بعد عامين بدا الفيلم أفضل صنعاً، شاركت به في بعض المهرجانات ونال عدداً من الجوائز، قيل لي وقتها إني جاهز لتحقيق فيلم طويل، ولا ينبغي أن أبدد الوقت في تحقيق أفلام قصيرة، خاصة إذا استغرق العمل كل ذلك الوقت كما الحال مع فيلمي الأول، فذلك إهدار للوقت والطاقة معاً.
خلال السنوات الأربع التالية أخرجت 4 أفلام قصيرة، بالطريقة الدقيقة ذاتها، باعتناء شديد بالتفاصيل، كما فعلت مع فيلمي الأول، هذه الأفلام أيضاً تم اختيارها للعرض في عدد من المهرجانات، وجلبت لي بعض الجوائز، وبعضها تأهلت للأوسكار، ونالت إطراءً نقدياً، بل حصلت على قنوات توزيع أيضاً، هذه الأفلام جعلتني أتواصل مع فنانين موهوبين على نحو مدهش والذين كنت أحترمهم ومنهم تعلمت الكثير.
إلى أي شخص يظن أن تحقيق فيلم قصير هو مجرد فعالية بسيطة ومتواضعة ويمكن بسهولة تجاهلها، أو مجرد محطة في الطريق المؤدي إلى شهرة ونجومية الأفلام الدرامية الطويلة، أود أن أقترح الأسباب الخمسة التالية لصنع فيلم قصير.
أولاً الأفلام القصيرة تحميك من الإسراف في الإنفاق بمرحلة مبكرة جداً من مسيرتك الفنية، الآن لم يعد التصوير بكاميرا الفيديو، ولا المونتاج، مكلفاً مادياً، ولهذا نجد العديد من المخرجين الجدد، الذين يفتقرون إلى التجربة، يقفزون فجأة، بعد فيلمهم القصير الأول، ليحققوا فيلماً طويلاً من غير أن يطوروا أدواتهم أولاً، هدفهم أن يحققوا نجاحاً ساحقاً منذ المحاولة الأولى، لكن عوضاً عن ذلك، ينتهي بهم الأمر إلى تبديد الكثير من الوقت والمال أكثر مما كان متوقعاً، وغالباً ما تكون النتيجة مخيبة.. هذا المخرج يجد نفسه وحيداً مع فيلم سيئ، رديء الصنع، ومع إحباط وخيبة أمل، ومع ديون لا يعرف كيف يسددها، ومع عدد من التهاني موجهة له عبر الفيسبوك لعرضه عمله هناك.
إذا أنت حققت فيلماً قصيراً وأخفقت فيه، فإن الخطأ سيكون بسيطاً قصيراً، وبوسعك أن ترميه جانباً وتتجاهله، في وقت آخر، تستطيع أن تعود إلى فيلمك الفاشل وتعيد تحقيقه على نحو أفضل، أو يمكنك أن تستخدمه كدرس تستفيد من أخطائك وتصنع عملاً جديداً.
شخصياً أنصحك أن تحقق أول فيلمين قصيرين لك بأقل ما يمكن من تكلفة مادية، بعدئذ عندما تثق أكثر في مهاراتك، يمكنك أن تعمل ضمن ميزانية أكبر قليلاً، وأن تحقق أفلاماً قصيرة أخرى تبدو كأنها أفلام درامية طويلة.
المدة الزمنية لعرض الفيلم الطويل لابد وأن ترفع تكاليف كل ما يتصل بالفيلم من أجور الفنيين إلى استئجار الأجهزة والمعدات وغير ذلك.
لماذا لا تكون الشخص الذي حقق فيلماً قصيراً جيداً مصقولاً، وهو الآن جاهز للعمل في فيلم طويل صلب وحقيقي ويكون ملفتاً؟
مارك روبرت، مبتكر مشروع «فيلم في 48 ساعة»، يحث صانعي الأفلام على خلق فيلم قصير في يومين فقط يقول «إن الفيلم القصير المصنوع جيداً يمكن أن يخدم كبطاقة تعريف، تظهر لممولي المستقبل أو الشركاء ما تستطيع أن تفعله».
ثانياً الأفلام القصيرة توفر لك تجربة قيمة مع المهرجانات السينمائية، عندما تتجول في محيط المهرجان حاملاً فيلمك الطويل، فأنت تفعل ذلك عادةً لكي تسوقه، تبيعه، وهذا بحد ذاته يشكل ضغطاً هائلاً عليك، هذا الأمر لا ينطبق على الفيلم القصير، الذي معه تشعر بحرية أكبر، ولا أثر للضغوطات.
ثالثاً الناس يرغبون في مشاهدة الأفلام القصيرة، والاستثمار فيها، تقول جيني روشار مديرة مهرجان لوس أنجلس للأفلام القصيرة الكوميدية «كصانع فيلم جديد، ينبغي أن يكون هدفك الأول أن تقف أمام أكبر عدد ممكن من العيون، إنك تجد أن الحصول على مليون مشاهد على اليوتيوب أسهل من حشر مليون شخص في صالة سينما، بالطبع لا شيء يضاهي وجود جمهور حي، المهرجانات تعرض أفلاماً قصيرة أكثر من الطويلة، والجمهور يرغب في مشاهدتها، كما إن أغلب المخرجين يجلبون معهم عائلاتهم وأصدقاءهم والعاملين في الفيلم من ممثلين وفنيين، لذا كل فيلم يستفيد عندما يشاهده عدد كبير من الجمهور».
عندما تبرهن على قدراتك وتفرض نفسك بفيلم قصير واحد، ثمة احتمال كبير أن تجذب الممولين إلى فيلمك التالي تقول جيني روشار «لا تحسب أنك بتحقيق فيلم قصير سوف تحقق ربحاً مادياً، أنت بفيلمك تظهر ما تستطيع أن تفعله بحيث يأتي شخص ما ويمول فيلمك التالي وهو مطمئن».
فيلمي القصير الرابع أنتجه لي مستثمر مقابل امتلاك حقوق العمل، ووضع اسمه كمنتج، وتمثيله أحد الأدوار، وافقت لأنه كان قادراً على التمثيل والإنتاج، ولافتقاري إلى المال، إذا كنت جاداً بشأن تحقيق فيلمك، ولديك قصة مثيرة للاهتمام تريد أن ترويها، فإن مدة الفيلم، سواء أكانت 90 دقيقة أو 15 دقيقة فقط، لا تمثل أي أهمية من خلال المنح والهبات والمستثمرين تستطيع أن تجد الدعم المادي.
رابعاً الأفلام القصيرة تتيح لك العمل مع ممثلين وفنيين محترفين.. إذا أردت أن تكتب وتنتج وتخرج وتصور وتمنتج فيلمك القصير بنفسك، معتمداً على أصدقائك وأفراد عائلتك في تمثيل كل الأدوار الرئيسة، عندئذ من المحتمل ألا يظهر عملك في صورة جيدة، إذا أردت لفيلمك أن يمتلك جودة عالية، يتعين عليك أن تعمل مع محترفين لكن هذا مكلف مادياً.
إذاً كيف تحصل على ممثلين وفنيين محترفين للعمل في فيلمك القصير مقابل أجور مخفضة؟.
ابدأ بسيناريو ممتاز ورؤية ثاقبة قوية، لأن هذه العناصر تساعد في جذب المحترفين الموهوبين إلى مشروعك حتى لو كانت ميزانيتك ضئيلة، أخبرهم أنك لجأت إليهم لإسداء معروف لك، وحدد لهم أقصى ما تستطيع دفعه لهم كمكافآت.
اعتمد على علاقاتك الخاصة مع من تعتقد أنه قادر على إيصالك إلى المحترفين، بدلاً من الاتصال المباشر دون معرفة مسبقة، وعندما تتحدث مع طاقم العمل من الفنيين، كن واضحاً بشأن أهدافك، إذا أردت تصوير اللقطة بحركات كاميرا محددة وبعدسات معينة، لابد أن تعلم مدير التصوير بمبتغاك.. المواصفات الجادة تساعدك في الحصول على التزامات جادة.
قدم حوافز تشجيعية للمحترفين مثل المشاركة في المهرجانات، إبرازهم بصورة لائقة في الإعلانات، إمكانية التعاون مستقبلاً.. وغير ذلك.
كن صبوراً وحليماً ومرناً مع فيلمك، المنتج المحترف أو مدير التصوير، الذي يتفرغ لك لأيام قليلة بين مشاريعه الكبيرة الخاصة، هؤلاء يرغبون في العمل معك إذا التزمت بالجدول المحدد للتصوير، وكنت هادئاً وواثقاً من نفسك.
خامساً الأفلام القصيرة تتيح لك أن تستكشف قدراتك الإبداعية.. الأفلام الروائية الطويلة تستدعي أن تتبع القواعد التقليدية في البناء والسرد والترابط.. إلا إذا كنت مثل ديفيد لينش مع الفيلم القصير، بإمكانك أن تكون ضد ما هو تقليدي وتكون أكثر تجديداً وابتكاراً، بما أنك لن تواجه الضغوط التجارية التي يواجهها صانع الفيلم الطويل.
عبر الفيلم القصير تستطيع أن تقول كل ما تريد قوله، بلا قلق من إمكانية تسويقه لجمهور أكبر.. تستطيع أن تجرب مختلف الأساليب.. تستطيع إعادة إنعاش حافزك الإبداعي.. هذا وسط أي شيء فيه ممكن ومقبول.. الفيلم القصير يساعدك على إيجاد صوتك وشحذه وصقله.. عندها يمكنك الانتقال إلى الفيلم الطويل بثقة وخبرة.