حذر علماء وشيوخ دين من «الدعوات التي يطلقها البعض لتعطيل العمل والإضراب العام والعصيان المدني في مناسبات معينة»، مؤكدين أن ذلك «محرم شرعاً لأنه يؤدي إلى تعطيل مصالح الناس، ومنع قضاء حوائجهم وإعاقة عجلة التنمية والاقتصاد ما يؤثر سلباً على مصالح المسلمين في بلادهم».وشددوا على أن «من يطالب بحق ما لابد أن يكون في إطار شرعي سلمي، وفقاً للقرآن والسنة، وبعيداً عن ترويع الآمنين، وإيذاء الآخرين».تحريم إيذاء المسلممن جهته، حذر المفتي العام للمملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ من «الإضرار بالناس بشتى الأساليب والصور، وحث المسلمين على عمل الخير والامتناع عن إلحاق الضرر بالآخرين»، وبين أن «من يؤذي الناس يعاقبه الله في الدنيا والآخرة».تعطيل العمل حراموفي السياق ذاته، أكد فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب أن «تعطيل العمل محرم شرعاً، وأن قيمة العمل في الإسلام عالية رفيعة، وأن القرآن الكريم قد رفع مكانة العلم وأهله مكانًا عاليا»، موضحاً أنه «لا يكاد يذكر الإيمان في القرآن إلا مقرونًا بالعمل الصالح النافع للناس أجمعين».وأشار الطيب إلى «عناية السنة النبوية المشرفة بالعمل، أن أوصى النبي صلى الله عليه وسلم وجزاه عن أمته خير الجزاء يقول «إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة - أي أصل شجرة - فليغرسها»، مع أنه لن يأكل منها بل لن يأكل أحد منها، بعد القيامة، ولكن المعنى في أن نغادر هذه الأرض وقد عمرناها، وهو واجبنا كما أمرنا الله».وأضاف د. الطيب أن «واجب المؤمن في هذه الحياة 3 أمور هي عبادة الله، والقيادة ولو لأهل بيته وأسرته، ثم العمل لعمارة هذا العالم الذي استخلفنا الله فيه، وسخر لنا قواه في الأرض والسماء».ودعا شيخ الأزهر المسلمين «ألا يعطلوا العمل ساعة واحدة، وأن يتمسكوا بأداء واجبهم نحو أنفسهم وأهليهم، ونحو وطنهم ومواطنيهم، وأن يفوتوا الفرصة على دعاة الهدم وتعطيل العمل والفناء والاهتمام بالعمل وتحسين الإنتاج». وجدد شيخ الأزهر «رفضه التام دعوات العصيان المدني والإضراب العام وتعطيل مصالح الناس».ضوابط المطالبة بالحقوقمن جهته، شدد مفتي مصر الأسبق الشيخ الدكتور علي جمعة على «الحرمة الشرعية للدعوة إلى الإضراب العام وتعطيل مصالح الناس وقضاء حوائجهم ووقف المواصلات والنقل والعمل في المصانع والتوقف عن سداد الأموال المستحقة للحكومة، لأن من شأن هذا التصرف أن تتفاقم الأوضاع الاقتصادية السيئة بما يؤدى إلى تعطيل مصالح الناس وتعريض حياتهم للخطر».وأكد د. جمعة أن «هناك شروط وضوابط لطلب الحقوق، لابد أن تكون وفقاً للقرآن والسنة، وألا يتضمن أموراً محرمة، لا يجيزها الشرع».تعطيل عجلة التنميةوفي هذا الصدد، أصدر الشيخ التونسي بشير بن حسين فتوى «تجرم الإضراب العام»، معتمداً فيه على حجة أن «الإضراب سيعطل عجلة التنمية والاقتصاد والمجتمع وهو ضد مصلحة مسلمي البلاد».وقال الشيخ بشير بن حسين إن «الفتوى مستندة على آيات قرآنية وأحاديث نبوية تنفر من نشر الفساد بالبلاد»، موضحاً أن «جميع الأئمة والخطباء بتونس يتفقون معه في هذه الفتوى».ودعا الشيخ بن حسين إلى «مقاطعة الإضراب وحث المسلمين على العمل»، مؤكداً أنه «لو كان صاحب قرار لطرد كل موظف أو عامل ينفذ إضراباً لأنه يتسبب في شلل البلاد ووقف الاقتصاد».المضرب لا يستحق راتبهوفي السياق ذاته، أكد رئيس رابطة علماء الشريعة بدول مجلس التعاون الخليجي د.عجيل النشمي أن «حرمة الإضراب تأتي من باب ما فيها من تعطيل لمصالح الناس ووقف للتنمية وما تكبده الدولة من خسائر فادحة وفي هذا كله مفاسد يمنعها الشرع والقانون وما قد يكون من مظالم أو حقوق يطالب به المضربون عن العمل فإن طريقها ومجال البحث فيها عبر مؤسسات الدولة».وشدد د.النشمي على أن «منع أو تحريم الإضرابات لا يعني بطلان المطالب، ولكن الاعتراض على الإجراء والأسلوب».وقال إن «الموظف أجير خاص عليه الالتزام بأداء العمل ويقابل هذا الالتزام بحقوق له، ومنها المرتب الذي يتقاضاه، فالمرتب مقابل العمل ومن لا يعمل لا يستحق، ولا يستحل له الراتب، ولا يوجد سند لاستحقاقه شرعاً أو قانوناً».ترويع الآمنين جرممن جانبه، قال رئيس قسم الثقافة الإسلامية بكلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر الدكتور أحمد ربيع يوسف إن «الإسلام قدم نعمة الأمن على كل النعم التي لا تعد ولا تحصى»، مشيراً إلى أن «القرآن يعلمنا أن نعمة الأمن مقدمة على نعمة المال والصحة والمأكل والمشرب وغيرها من النعم، وإذا فقد الأمن فلا قيمة للصحة والمال».وأضاف د.ربيع أن «الدعوة الإسلامية حرصت على أن الأمن هو خاصية للمجتمع المسلم وأمن الناس يأتي في أولويات أي مجتمع، ولذا ينهى الإسلام عن ترويع الناس في قول الرسول صلى الله عليه وسلم «من أشار إلى أخيه بحديده فإن الملائكة تلعنه، حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه»، وفى هذا تأكيد على حرمة المسلم، والنهى الشديد عن ترويعه وتخويفه والتعرض له بما قد يؤذيه. وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدرى لعل الشيطان ينزع في يده، فيقع في حفرة من حفر النار»، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم «بأخذ الحيطة والحذر بالحرص على البعد عن الأسباب المؤدية إلى إيذاء المسلمين وإلحاق الضرر بهم».وقال د. ربيع إن «ترويع الآمنين والخروج على الشرع والقانون، وانتهاك الحرمات، جرم كبير، وواجب على الدولة أن يقف ضد هؤلاء الخارجين عن حدود السلم».
970x90
970x90