بعد مرور عامين على اندلاع الانتفاضات العربية ذهبت السكرة وجاءت الفكرة. وأطاحت الانتفاضة التي بدأت شرارتها من تونس التي كانت في السابق من أهدأ مناطق العالم العربي، بحكام مستبدين هناك وفي مصر وأيضاً في ليبيا لكن بعنف أكبر.واشتعلت الاحتجاجات في اليمن حيث تمت تنحية زعيم سابق. وفي سوريا تحولت إلى حرب أهلية مازالت جارية. وشعرت كل الدول العربية بسخونة الأحداث. تحولات سياسية هائلة تجري في دول انتصرت فيها «الثورة» لتفتح الباب أمام تنافس على السلطة والهوية والدين واحتقان اقتصادي واجتماعي وفرص جديدة للمتشددين الإسلاميين وانفلات امني وزيادة في العنف الجنسي ضد المرأة. ومن بين عدد من التداعيات غير المقصودة تدفقت الأسلحة والمقاتلون من ليبيا بعد الإطاحة بالزعيم الراحل معمر القذافي وهو ما ساعد في زعزعة الاستقرار في دولة مالي المجاورة. ومن التبعات الأخرى زيادة التوتر بين السنة والشيعة في أنحاء منطقة تشهد بالفعل تنافساً بين إيران الشيعية والقوى السنية المتحالفة مع الولايات المتحدة. وفي سوريا يخوض المعارضون ومعظمهم من السنة معارك ضد الرئيس بشار الأسد الحليف الرئيس لإيران الذي تركزت دعائم حكمه على أقليته العلوية. ويشعر كثير من العرب بالفخر بحريتهم الجديدة لكن اتضح أن الأمر أصعب مما توقع كثيرون فيما يتعلق بتحقيق الرفاهية وملء فراغ السلطة الذي تركه حكام عتاة وتحويل دول بوليسية إلى ديمقراطيات مستقرة يسود فيها القانون. ومازالت البطالة والفقر وارتفاع الأسعار التي ساعدت في إذكاء الانتفاضات في تونس ومصر هي نفس الشكاوى في الاقتصادات التي تضررت من الاضطرابات التي أبعدت السياح والمستثمرين الأجانب. ودفع اغتيال السياسي المعارض شكري بلعيد الأسبوع الماضي في تونس نحو أسوأ أزمة منذ الانتفاضة وأثار مخاوف من العنف في بلد تواجه فيه الحكومة التي يقودها الإسلاميون معارضة ليبرالية وعلمانية قوية.ومتاعب تونس والدول العربية الأخرى التي في مراحلها الأولى من التحول ليست مفاجأة. وقال إيريك جولدستاين من منظمة مراقبة حقوق الإنسان الأمريكية «هيومن رايتس ووتش» المدافعة عن حقوق الإنسان إن الأحزاب السياسية التونسية تفتقر إلى الخبرة في التفاوض سياسيا بشأن خلافاتها لكنها «تتعلم بمرور الوقت». وفازت جماعات إسلامية جيدة التنظيم مثل جماعة الإخوان المسلمين في مصر وحزب حركة النهضة في تونس في الانتخابات بعد انتفاضات لم يبدؤوها لكن بعد سنوات من الترويج لشعار «الإسلام هو الحل» اصطدم الاثنان بتعقيدات إدارة الاقتصادات الحديثة وحكم مجتمعات صعبة المراس. وتواجه الأحزاب الإسلامية المعتدلة نسبياً ضغوطاً من المتشددين الذين يهدفون إلى كتابة بنود أكثر تشدداً في دساتير وقوانين جديدة تثير فزع خصومهم الليبراليين. وبعض المتشددين -وليس جميعهم بأية حال- مستعدون لتحقيق أهدافهم عن طريق العنف. والهجمات على البعثات الدبلوماسية الأمريكية في تونس والقاهرة وبنغازي في سبتمبر الماضي بعد بث فيلم «براءة المسلمين» المسيء للإسلام الذي ظهر في الولايات المتحدة يبرز هذا الخطر. وقليل من الأصوات العربية التي تفكر مليا في اضطرابات العامين الماضيين تقدم رؤى فردية حتى لو لم تستطع أن تحتوي تعقيدات التغييرات في الشرق الأوسط التي ستستغرق سنوات إن لم يكن عقوداً حتى تستقر. وفي مصر قال الناشط الليبرالي عبد الرحمن منصور الذي ساعد في تنظيم احتجاجات 25 يناير 2011 التي تسعت وتحولت إلى انتفاضة ضد حسني مبارك أن الإسلاميين فشلوا في محاسبة المسؤولين في عهد الرئيس السابق أو إحداث تحول ديمقراطي حقيقي بعد فترة انتقالية من الحكم العسكري. وأضاف أنه بدلاً من ذلك قام الإسلاميون بسلسلة من إجراءات اغتصاب السلطة التي همشت القوى السياسية الأخرى. وأضاف أن الجيش والإسلاميين الذين جاؤوا بعده همشوا مجموعات الشبان وغيرهم ممن اعدوا خططاً لإصلاح وزارة الداخلية والسلطة القضائية ومؤسسات الدولة الأخرى. وقال إن هدفهم كان احتواء الثورة وشبابها من خلال إقناع المواطن المصري العادي بأن الشبان هم الذين يدمرون الثورة وأنهم ليسوا هم الذين أشعلوا شرارتها. وقال الناشط الإسلامي سمير الوسيمي أن تنحية مبارك وإجراء انتخابات حرة ونزيهة هي مكاسب كبيرة لكنه عبر عن أسفه لغياب المحاسبة داخل وزارة الداخلية ودائرة العنف التي تعصف بالبلاد. وبينما مات مئات الأشخاص في الاضطرابات التي وقعت بعد رحيل مبارك فان العنف في مصر لا يقارن بما يحدث في سوريا حيث تقول الأمم المتحدة أن نحو 70 ألفاً قتلوا في الانتفاضة ضد الأسد التي بدأت باحتجاجات سلمية في مارس 2011 . وقال الناشط المعارض السوري الذي يقيم في المنفى فواز تللو إنه يشعر بالحزن على الأرواح التي تزهق ثمنا للحرية على أيدي النظام الحاكم «الوحشي» وتقاعس المجتمع الدولي.«رويترز»