كتب ـ حسين التتان:
تصدرت النخلة أدوار البطولة في أقاصيص وحكايات وأساطير الأولين، وبما أن النخيل في زمن الإخضرار الجميل قبل اكتشاف النفط كانت تغزو البحرين شبراً شبراً، من هنا كانت محطة لنسج الأساطير ومصدراً للرزق أيضاً.
وشكلت النخلة مصدر إلهام للشعراء والأدباء والكتاب في ذاك العصر، وكثيرون ممن كتبوا وسطروا القصص الأسطورية، نسجوا أبطال قصصهم من تلافيف النخلة، لحضورها القوي في وجدانهم الشعبي.
«أم الخضر والليف» هي النخلة نفسها، الليف نسيج رقيق يغطي قمة النبات ويعمل بمثابة عازل يحميها من تقلبات الجو، وهو قشر النخل المستخرج منه الكرب، أما الخضر فهو سعف النخيل.
قصص وأساطير
قيل في المرويات التاريخية، إن رجلاً كان يمشى بين المزارع فرأى جذعاً مقطوعاً لنخلة، وعندما مر من جانبه رآه يتدحرج وركض خلفه حتى وصل آخر الطريق.. أحس عندها بالرعب وأخذ يتلو آيات من الذكر الكريم حتى اختفى الجذع، ومن الموروثات القصصية المشبعة بالأساطير أيضاً، أن الفتاة عندما يتأخر نصيبها في الزواج تتجه في يوم معلوم من السنة إلى نخل يعرف بـ»فحل»، وتجلس تحت جذعه وتتجه بالدعاء فتقول «يافحل الفحول.. أريد زوجاً قبل الحول».
في البحرين كما حال دول الخليج العربي، كانت «أم الخضر والليف» النخلة القبيحة بعد موتها أو بسبب عدم الاعتناء بها، يتلبسها الجن لأجل إيذاء الأشرار، أو لإرهاب الأطفال ومنعهم وتخويفهم من ممارسات سلوكيات تتنافى والأدب العام، كانوا يرهبونهم بنخلة شمطاء تسكن الخرائب، مستعيرين موادها في بث الرعب في نفوس المتمردين الصغار.
أم الخضر والليف
الحاج منصور بن أحمد يقول عن أم الخضر والليف «النخلة حين تتهاوى من شموخها، أو عندما تكون معزولة في مزارع مظلمة، ينسج الناس حولها الأقاصيص والخرافات، ولهذا كانت وسيلة الآباء والأمهات في تخويف أطفالهم، كانت بعبعاً يستخدمها عديم الحيلة حيال مشاكسه».
أم حميد امرأة بحرينية طاعنة في السن، تؤكد أن أم الخضر والليف، كانت مصدراً مهماً لنسج الحكايات والروايات «النخلة ألهمت الأدباء والشعراء وكل المهتمين باللغة، واستغل الكثير من العامة هذه الشجرة، سطروا حولها ما دار بخيالهم».
وتضيف «يوم كنا صغاراً، كنا نرتعد حين يجن الليل، خوفاً من أن تأتينا أم الخضر والليف، ولهذا وقبل أن يأتي الليل، نخلد للنوم مخافة هذا الكائن الوحشي، وبهذا يتحقق غرض الآباء».
استمرت الحاجة أم حميد في مواصلة هذا النهج الروائي لأبنائها، رغم إيمانها أن كل ترويه عن أم الخضر والليف خرافة وأسطورة «لا مناص من تربية الأطفال بطريقة يتركون من خلالها الممارسات الخاطئة، حين يستحضرون الجن وهو يتلبس أعظم زرع في تاريخ البشرية».