التسامح دائماً ما يرتبط بحرية الأديان والعقائد والمذاهب، وحتى التعددية السياسية أيضاً. فهو يعني القبول الطوعي والقناعة الطوعية للآخر سواءً كانت هناك اختلافات طائفية أو شكلية أو دينية أو حتى مذهبية، وبالتالي هناك موافقة ضمنية على التعامل مع مختلف الثقافات والجنسيات وحتى أصحاب الآراء المتعددة.
ولا يعني التسامح ضرورة انصهار المكونات المختلفة في المجتمع ضمن مكون واحد، بقدر ما يعني احترام خصوصية كل هوية فرعية في إطار من الهوية العامة الجامعة بقواسم مشتركة بين هذه المكونات المتعددة، واستمرار التواصل والتفاعل المتبادل أيضاً، وبذلك يكون هناك تعايش سلمي داخل المجتمع الواحد. التعايش السلمي ضرورة من ضرورات استقرار الأمن في أي مجتمع، ومتى ما غاب التعايش سادت الفوضى، وغاب الاستقرار، وانعدم الأمن. ولذلك نجد أن المجتمعات التعددية ـ كما هو الحال بالنسبة لمجتمع البحرين ـ تحرص على احترام الحقوق والحريات الدينية، فهي قبل أن تكون من ضمن مواثيق واتفاقيات حقوق الإنسان الدولية، هي عنصر أساس من عناصر الدين الإسلامي الحنيف، وهو ما ينبغي الحفاظ عليه.
وحتى عندما أعد مشروع ميثاق العمل الوطني قبل 12 عاماً أكد على أهمية التعايش السلمي واحترام الحريات الدينية والمكونات العقدية. وأقر ذلك دستور مملكة البحرين المعدل في فبراير 2002.
ما يميّز البحرين كونها مجتمع تعددي، أنها تتسم بدرجة عالية من التعايش السلمي وهو ما يعكس التسامح السائد بين مكونات المجتمع، وكفالة الحريات الدينية. وتشير وقائع التاريخ إلى هذه التعددية والتعايش السلمي في البلاد منذ قرون طويلة، وهو ما جعلها دائماً مجتمعاً تعددياً تسوده الحرية والتسامح الديني والمذهبي. ولذلك نجد في البحرين مجموعة كبيرة من الطوائف الرئيسية والأديان المختلفة والمذاهب والأقليات الصغيرة، ولكل منها حرية المعتقد والدين والمذهب، ففي العاصمة نجد المساجد مع المآتم، والكنائس مع المعابد في تمازج حضاري يعكس تنوع مجتمع البحرين وسيادة روح التسامح بين أبنائه في ظل الحرية الدينية التي كفلها الدستور ونظمتها القوانين الوطنية. يحرص حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة دائماً على تجسيد روح التسامح وحرية الأديان السائدة في البلاد فيعقد لقاءات دورية تؤكد قناعة وإيمان العاهل بضرورة الحفاظ على هذا التسامح باعتباره عنصر قوة داخل المجتمع وليس عنصر ضعف مادام هناك تواصل وتعايش بين الجميع باستمرار. وتتجسد رؤية العاهل للتسامح وحرية الأديان في الكلمات الآتية: «إن جوهرالتعايش في مملكة البحرين هو احتفاظ كلٌ منا بدينه وهويته وخصوصياته كاملاً من غير نقصان، على أساس من الثقة والاحترام المتبادل بين الجميع، ومنبثقاً من رغبة أهالي البحرين في التعاون لخير الإنسانية، وتعميق التفاهم بين أهلا الأديان والمذاهب وإشاعة القيم الإنسانية، وإقامةجسور التقارب الإنساني والحضاري والثقافي، كمانص على ذلك الميثاق الوطني والدستور بعد توافق وطني مرت عليه عقود من الزمان». كما قدم العاهل خلال استقباله علماء الدين وممثلي الطوائف والمعتقدات الأخرى في البلاد مؤخراً رؤية تربط بين التعايش السلمي والتسامح والدعوة التي أطلقها لاستكمال حوار التوافق الوطني، حيث قال جلالته: «ما الدعوة لاستكمال حوار التوافق الوطني، إلا تأكيداً لذلك النهج الذي سار عليه أهل البحرين، متمنين للمشاركين فيه كل التوفيق والنجاح لما فيه خير الجميع. وفي عصرنا هذا يجب أن يتسع مفهوم التسامح وقبول الآخر ليكون وسيلة داعمة لجهود المجتمع من أجل ترسيخ مفهوم السلام العالمي والسلم الأهلي واستتباب الأمن والاستقرار واحترام حقوق الإنسان والحريات العامة في ظل سيادة النظم والقوانين.
وانطلاقاً من مبادئ ديننا الحنيف فإن مملكة البحرين كفلت حرية المذاهب الإسلامية والأديان السماوية والثقافات الإنسانية لجميع الناس منذ مئات السنين مما شجعهم في البقاء على هذه الأرض الطيبة حتى يومنا هذا ينعمون بطيب الحياة الكريمة». للحفاظ على التسامح وحرية الأديان وما ينتج عنها من تعايش سلمي بين مختلف مكونات المجتمع لابد أن تكون هناك جهود وإجراءات مستمرة لبناء الثقة، فلا يمكن أن يتحقق التعايش السلمي إذا غابت الثقة عن المجتمع نفسه. وهو ما ينبغي الاهتمام به والالتفات إليه.
ومسألة بناء الثقة لا تتحقق بشكل عشوائي، وإنما هي جهود مقصودة، وعملية منظمة تستغرق وقتاً زمنياً طويلاً حتى تظهر نتائجها. والثقة أيضاً تبدأ عندما يكون هناك قبولاً من كافة الأطراف بالأطراف نفسها، واستعداداً نفسياً ومادياً للتواصل والتعامل والعيش المشترك. حيث تخرج عن العملية مجموعة من القيم والتاريخ المشترك الذي يساهم في بناء الثقة، ويجعل من هذه العناصر أسس للتعايش السلمي، وإن واجهت الأزمات بين وقت وآخر، فإنها حتماً ستعود إلى الوضع الطبيعي وهو ضرورة العودة إلى التعايش السلمي لأنه الحقيقة الحتمية لأي مجتمع تعددي.