كتب ـ علي الشرقاوي:
في خضم انشغالاتنا اليومية والحياتية من أجل الكتابة والبحث عن لقمة العيش، ننسى المبدعين من أصدقائنا ممن ساهموا في إثراء المجتمع أو الحركة الأدبية بأنماط جديدة ومغايرة ومختلفة عن المطروح في الساحة.
إبراهيم عبدالله بو هندي، المولود في فريج الفاضل 1948، جيل الحركة الأدبية الجديدة في البحرين، أحد الشعراء القلائل الذين عملوا على خلق أنماط جديدة من الكتابة في الساحة البحرينية، هي قصيدة التفعيلة والمسرحية الشعرية العامية.
بينما انشغل غالبية شعراء البحرين بكتابة قصيدة التفعيلة الفصحى، كان بوهندي يحفر درباً جديداً في نمط شعري غير موجود بالساحة الأدبية، وهو كتابة قصيدة التفعيلة، بصمت يشبه صمت قطرات المطر وهي تنحت الصخر.
كان المناخ الشعري في البحرين إبان تلك الفترة غير مهتماً أبداً بالشعر العامي، وربما كانت تجربة الشاعر علي عبدالله خليفة في «عطش النخيل» استثناءً من ذلك، لأن علي خليفة جاء بروح مغايرة للموال السائد حينها.
إبراهيم بو هندي لم يهتم كثيراً بآراء الشعراء ومتعاطي النقد، وبدأ بمواصلة تجربته غير عابئ بآراء الآخرين في تجربته المختلفة والمغايرة، تجربة مستمدة من الواقع اليومي، وامتداداً لشعر الأغنية والذي كان يعمل عليه مع مجموعة من الملحنين والمغنين، قبل هذه الفترة، وفي مشاركته كممثل في «اسكتشات» كان يقدمها نادي التضامن منتصف الستينات، مواصلاً عملية الحفر البطيء إلى لحظة صدور مجموعته الشعرية العامية الأولى «أحلام نجمة البشة»، وكانت مرحلة جديدة في كتابة قصيدة التفعيلة العامية، يكون بمثابة نوع آخر يضاف إلى أنواع كتابة شعر التفعيلة التي عرفته البحرين.
ملامح القصيدة العامية
يكتب بوهندي في قصيدته «سوالف عشاق تسكنهم الأرض» من ديوان «أحلام نجمة الغبشة»:
وأنت وياي
اشكثر هالدنيا تسوى
وأنت تعطيني حنانك
والهوى في قلبي يقوى
وأنت ترسم لي طريجي في طريجك
وأنت تتألم معاي
وأنت تسقيني وتشرب من هواي
أنت تزرع في حياتي وردة حلوة
تكبر بحبك وتكبر
اشكثر هالدنيا تسوى
وأنت يمي
اشكثر عيني تغني لك وتكتب لك قصايد
اشكثر قلبي يضحك
اشكثر شوقي يزيد
بوهندي وعوالم المسرح العامي
أدخل إبراهيم بو هندي البحرين في مجال جديد غير مطروق قبلاً، وهو كتابة المسرح الشعري العامي، وكان الوحيد الذي أدخل هذا النمط من الكتابة إلى خشبة المسرح البحريني، وكتب مسرحية «إذا ما طاعك الزمان» وأخرجها الفنان محمد عواد وعرضت بتاريخ 8 يونيو 1973، ومسرحية «سرور» وأخرجها الفنان عبدالرحمن بركات وعرضت يوم 5 أغسطس 1975 ومثلت البحرين في مهرجان دمشق يومي 11 و12 مايو 1975 بإخراج خليفة العريفي. قلت في مقدمة مسرحية «مفتاح الخير» التي انتهيت من كتابتها 25 ديسمبر 1979 وصدرت عام 1984 عبر منشورات مسرح أوال «إذا كان لنا أن نؤرخ لبروز ظواهر المسرح الجاد في البحرين، لا يمكننا ألا أن نشير بالبنان إلى مسرح أوال الذي عمل على تقديم النصوص البحرينية المعبرة عن الإنسان البحريني ابتداءً من (سبع ليال) باللهجة العامية، مروراً بـ(سرور) الطالعة من توظيف الأسطورة بالشعر العامي، وصولاً إلى (الطبول) باللغة الفصحى.
وإذا كان لنا أيضاً أن نؤرخ لتأسيس المسرح الطفلي في البحرين، لا يمكننا تجاهل ريادة مسرح أوال في تقديم أول عرض للأطفال وهو مسرحية (عامر والقرد) وبعدها (ديرة العجايب) و(وطن الطائر)».
وأنا لا أريد أن أتكلم عن المسرحية فلا إضافة للمؤلف على ما كتب، ولكن أتمنى أن تتسع دائرة طباعة الفصول المسرحية البحرينية، وأن يخرج هذا النص على الخشبة برؤية لا أتوقعها ولا يتوقعها قارئ، ليكون لنا مسرحنا الخاص المميز والمختلف.
«سرور» برؤية عبدالله السويد
في مقال بعنوان «مسرحية إذا ما طاعك الزمان.. من التراثي إلى الوظيفي» كتبت جريدة الوقت البحرينية في أحد أعدادها «جاء مسرح أوال بعد غياب طويل في غياهب الضياع، ليعيد ضخ الدماء المسرحية في مهرجانه الرابع من خلال بوابة (إذا ما طاعك الزمان)، وفي هذه البوابة التراثية التاريخية التي تمهد لمستقبل مسرحي حافل في البحرين، يأتي الشاب عبدالله السويد مخرجاً لمسرحية شعرية تراثية عرضت في السبعينات من تأليف الشاعر إبراهيم بوهندي، وإخراج الفنان محمد عواد».
أبدع السويد في إخراج النص المسرحي من الإطار التراثي إلى الوظيفي، حيث وظف قضية مهنة الغوص توظيفاً رمزياً يأخذ كل الأبعاد الإنسانية التي يتجلى فيها الصراع بين الشر والخير، وبين الاستبداد الإقطاعي والقوى الشعبية المضطهدة. استخدم السويد الرمز استخداماً كثيراً ومضطرداً من خلال تقنية القماش التي أخذت حيزاً فنياً في المسرحية من بدايتها إلى نهايتها، فنجد القماش يلعب دوراً رمزياً من خلال لونيين مختلفين الأسود والأبيض، وكل واحد منهما يأخذ دلالة أراد المخرج إيصالها دون إطناب، وتصريح يفسد المواربة، والرمادية الدلالية.
القماش نراه مرة يرمز لظلمة البحر وغدره، وظلم الحياة من خلال اللون الأسود، ومرة يرمز للموت من خلال اللون الأبيض الذي يمثل الكفن. وأخذ القماش في بعض مقاطع المسرحية دوراً حركياً فعلياً من خلال دوران المرأة على زوج جارتها التي تنتظر رجوع زوجها من الغوص سالماً، ولكن المرأة تتحدث مع جارتها وهي مستمرة في حركة تتنبأ بالمستقبل وبيدها القماش الذي يلتف على جسد زوج جارتها إلى أن يغطيه كاملاً، وبهذا تكون فاجعة الزوجة المنتظرة لزوجها. ثم يأتي الغواصون مستسلمين للواقع المرير فيقيدوا الزوجة التي تمهد للثورة بالقماش أيضاً «الغتر التي توضع على الرأس» من اليدين إلى الفم.
جسد السويد الأبعاد المأساوية للإنسان البسيط المظلوم المغلوب على أمره في الزمن الماضي، إنه يقوم بنقلة فيها بحسن التخلص وقوة الحبكة المسرحية من خلال رمز ''الكرسي'' الذي ينذر بظهور الحداثة التي لم تكن أحسن حظاً للإنسان البسيط من الماضي غير تبدل الشكل والمظهر ولكن مع بقاء المنهج والطريقة، فالحال هو الحال ولكنه ألبس ثوباً حديثاً يتلاءم مع البيئة العصرية. استطاع السويد أن يجعل المسرحية ماء يغرف منه الجمهور حسب معرفته، فالمسرحية استطاعت أن تستوعب كل الفئات العمرية الصغير منها والكبير، وأن تمزج الرمزي بالسطحي الظاهري.
وفي تصريحات خاصة قال المخرج عبدالله السويد إن مسرحية «إذا ما طاعك الزمان» تناقش أكثر من قضية مجتمعية من خلال طرح درامي.






سيرة بوهندي
صدرت له عدة أعمال «أحلام نجمة الغبشة» شعر باللهجة العامية البحرينية 1975م، «أشهد أني أحب» 1987، «الوطيسة» نص شعري 1994، «غزل الطريدة» 1994.
وفازت مسرحيته «هل يجف القلب» 1986 بالجائزة الثانية في مسابقة وزارة الإعلام للتأليف المسرحي.
ما كتبناه عن تجربة إبراهيم بوهندي بهذه الصورة الأولية، ما هو إلا لإلقاء بعض الضوء على تجربة أحد المؤسسين لتجارب قصيدة جديدة في الحركة الشعرية بفرعها العامي، وتأسيس لنمط مغاير من الكتابة الشعرية المسرحية باللهجة العامية، بعد أن أثبتت حضورها اللافت في تاريخ المسرح البحريني، وأيضاً دعوة المهتمين بتاريخ الحركة الأدبية الجديدة والمسرحية لدراسة هذا النوع من التأسيس، والبحث والتنقيب في تاريخ الحركة الأدبية والمسرحية في البحرين المعاصرة، لإخراج الكنوز الكثيرة التي كشفها لنا المؤسسون للحركة الثقافية.