كتب ـ إسماعيل الحجي:
سقط مخرج مسلسل «فريحة» بنفس الشرك الذي نصبه لأبطال العمل، وعلى امتداد 65 حلقة ظلت الأحداث تدور حول حلقة مفرغة، بتفاصيل مملة وممطوطة وصدف يستحيل أن تتحقق واقعاً.
متابع المسلسل التركي لا بد أن يلحظ أصابع المخرج تتلاعب بأبطاله، لا تترك لها حرية الحركة، ويبدو واضحاً أنه يلوي عنق الحدث ويعري الكذبة أمام المشاهد، بحيث يشعر بالضبط أن ما يشاهده مجرد تمثيلية، لا قصة واقعية تروى صوتاً وصورة، كما هو حال مجمل الأعمال الإبداعية، من مسلسلات وأفلام سينمائية وسواها.
شكل الكذب أساس العمل التلفزيوني «فريحة» وبدايته ومنتهاه، فالكل يكذب على الكل، ويبدو أن المخرج نسي نفسه أيضاً ووقع بنفس المطب، فهو يكذب على مشاهد المسلسل.. ويقول له بوضوح أن العمل مجرد لعبة ابتدعتها واخترعتها ولم تحدث يوماً.
افتقد المسلسل ـ رغم امتداده على 65 حلقة ـ الحبكة الدرامية، وعنصر التشويق، وتنامي الحدث، والعقدة التي تجد حلها في نهاية العمل، أو ربما تتعقد أو تشابك أكثر، كحال الحياة بتفاصيلها المفرحة والمحزنة والواقعية وحتى اللاواقعية والأسطورية أيضاً، واستعاض المخرج عنها جميعاً بقصة محورية أساسها كذب البطلة «فريحة» على محبوبها «أمير»، وادعائها الانتماء لنفس طبقته المخملية وهي ليست كذلك، لتنكشف الخدعة في المشهد الأخير فقط من المسلسل، أي بعد 65 حلقة كاملة، انتظرنا خلالها أن تتضح الحقيقة وتأخذ الحكاية منحى آخر تحمل دلالات التشويق ورمزيته.
الأحداث الفرعية التي يفترض أن تغني العمل، وتشكل خلفية لضرورات العمل الدرامي، وتقارب واقع الحياة الإنسانية والمجتمعية، بدت مستنسخة عن الحدث المحوري المشوه، فهي أيضاً سلسلة من الأكاذيب والخيانات تحسم جزئياً في الحلقة الأخيرة، ربما لسبب واحد وهو أن المخرج ارتأى أن يجد مرتكزاً لجزء ثانٍ لعمله، وسجل رغبته هذه مكتوبة في المشهد الأخير من المسلسل.
لم يبتعد «فريحة» عن سيرة المسلسلات التركية، المقتبسة أصلاً من التجربة المكسيكية، حلقات طويلة، قصص حب مستحيلة، خيانات مشروعة.. فتوحات إغريقية لأبطال من ورق، صراع المال والسلطة، والخير والشر، ولا جديد آخر سواه، وهنا يطرح سؤال في غاية الأهمية.. كيف غزتنا هذه المسلسلات رغم سطحيتها وتفاهتها وغربتها عن واقعنا العربي؟!.
المخرج بدا كأنه فقد أبسط قواعد اللعبة، فن الإخراج والصورة مسخت مسخاً، والمشاهد كلها بدت مملة وطويلة بحوارات لا طائل منها، وكان يفصل بين المشاهد كلها بلقطة واحدة لا تتغير.. صورة جوية لجسر أسطنبول، أو لقطة لمنزل البطل أو البطلة من الخارج، وكأنه يقول لنا أن الأحداث تدور في أسطنبول مثلاً، أو انتبهوا الآن دخلنا منزل «فريحة» أو «أمير» ولا بد من طرق الباب.
باختصار كان المسلسل تكراراً ممجوجاً للأعمال الدرامية التركية الرومانسية منها، لا مكان لها على أرض الواقع، تستخف بعقولنا، ترسم لنا حياة مشتهاة غير موجودة في أي مكان بالعالم.