كتب - محرر الشؤون المحلية: تشكل التدخلات الأمريكية الخفية الهاجس الأكبر وراء الفتن والاضطرابات التي شهدتها بعض الدول العربية في الوقت الراهن ولاتزال تتخوف من امتدادها إلى مزيد من الدول العربية بما فيها مملكة البحرين عبر تكريس الطائفية وتوسيع الحلف الصفوي الأمريكي، في محاولة لاستغلال بعض الأحداث والتحركات الشعبية فيها بدءاً من مصر وانتهاء بدول الخليج العربية، والتحكم فيها وتوجيهها لتحقيق مخططات تهدف إلى إعادة رسم خريطة المنطقة وفق مصالح قوى الهيمنة الإقليمية والدولية من خلال ما يمكن تسميته الانقلابات الناعمة التي تتستر برداء السلمية المزعومة. وتعد المنظمات الأمريكية المشبوهة التي تتلقى دعماً مباشراً من الخارجية الأمريكية وسفاراتها بالمنطقة الأداة الأبرز التي تلجأ إليها الإدارة الأمريكية سعياً إلى بث الخلاف والفرقة داخل البلاد، لينخروا في أساساته أملاً في تغيير نظامه تماماً، وذلك وفقاً للاستراتيجية التي تبنتها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس قبيل توليها مهام منصبها، وأعلنت عن ذلك أمام الكونغرس الأمريكي وهو ما عرف لاحقاً بالفوضى الخلاقة. التدخل في شؤون البحرين وتدفع واشنطن بعض قوى الداخل في الدول التي تستهدفها، للتصعيد والتأجيج ثم يقولون للحكومة إننا لا نرضي بالعنف ويهولون من الموقف ويضخمون لأجل تركهم التمادي في التخريب وهذا دور مكشوف ولم يعد خافياً وأصبح الكل حكومة وشعباً يدرك حقيقة هذا الدور وأهدافه، لاسيما وأن تسريبات ويكيليكس كشفت فضائح عديدة عن الاتصالات بين السفارة الأمريكية في البحرين والقيادات، لذلك أصبح من السذاجة تصديق مقولاتهم التي يحاولون الدفاع عن تدخلاتهم السافرة في الشؤون الداخلية الخاصة بالبحرين، للدفع نحو تحقيق المصالح والخطط والمؤامرات المندرجة بانتهاج أسلوب الفوضى الخلاقة وحرب اللاعنف بوصفها آخر صيحات أشكال الاحتلال الأجنبي. ففي مصر كشفت الأحداث الأخيرة بخصوص التمويل الأمريكي لما يسمى بمنظمات المجتمع المدني، جدلاً واسعاً هناك، ويقول المراقبون للشأن المصري إن ضغوطاً هائلة مورست على السلطات المصرية لإطلاق سراح عدد كبير من الأمريكيين المتهمين في تلك القضية، في تعد صارخ على السيادة المصرية، والقضاء المصري. تأتي تلك الأحداث في مصر بعد أن تخلى الأمريكان عن الرئيس المصري السابق حسني مبارك، بأنه حليف لهم، وبعد تصريحات كثيرة أكدت فيها الإدارة الأمريكية إبان الأحداث التي شهدتها مصر في يناير 2011، بأن النظام المصري قوي ومستقر، تماماً كما فعلوا مع شاه إيران حينما جلبوا الخميني من العراق وأخذوه إلى فرنسا ومن ثم إلى إيران ومساعدته للإطاحة بالشاه ونفس الشيء بالعراق حين سلموها إلي إيران لقمة سائغة. ويرى كثير من المحللين أن ما حدث في مصر يراد له أن يحدث في مملكة البحرين كبوابة لينفذوا بمخططاتهم إلى بقية دول الخليج العربية. المنظمات الدولية التي ترفع شعار العمل من أجل حقوق الإنسان، ثبت بالحقائق الدامغة أنها تابعة إما لوزارة الخارجية الأمريكية تماماً، أو تابعة لأكبر الأحزاب الأمريكية وهي بذلك تضرب حيادها في مقتل، كما إن هناك اتجاهاً للعديد من المراقبين حتى في الغرب يرى أن ما يسمى بمنظمات حقوق الإنسان الدولية ما هي إلا وهم يجري تسويقه واستغلاله لتسهيل التدخل في شؤون الدول التي تريد القوى العظمى ذات النفوذ في تلك المنظمات وقتما تدعو مصالحها لذلك. وكنتيجة لما تقدم فإنه يسهل تفسير قيام الولايات المتحدة بإقناع السلطات المصرية منذ فترة طويلة بالتوقيع على اتفاقات تخدم توجه التدخل في الشؤون الداخلية بذريعة حقوق الإنسان، والأمر نفسه حصل في البحرين حين سعى بعض الوزراء السابقين إلى دفع البحرين إلي التوقيع على اتفاقات تسمح بالتدخل في شؤونها الداخلية رغم أن دولاً عربية وخليجية لا تعترف بهذه الاتفاقات ولا توقع عليها. كراجسكي وتكريس الطائفية في البحرين يقوم السفير الأمريكي بعقد لقاءات بشكل يومي مع شخصيات يأمل استغلالها لتحقيق مآرب سبق وإن حصل عليها في العراق، ومن الثابت أن هذا الأسلوب لا يمكن أن يحدث في أي دولة خليجية أو تقبل به أي دولة في العالم، ولهذا السبب تتزايد المطالبات يوماً بعد يوم خصوصاً بعد الشواهد التي تؤكد الانحياز الأمريكي للمعارضة الطائفية وتجاهلها الواضح لممارساتها الإرهابية، تتزايد المطالبات للجهات المسؤولة بالدولة أن تتخذ مواقف أكثر حزماً وأن لا تترك لأيٍ كان أن يتدخل في شؤونها الداخلية وينال من سيادتها ويثير الفتنة والفرقة فيها. ويُعتقد على نطاق واسع في الأوساط الدبلوماسية والإعلامية الخليجية بشكل يصل درجة اليقين أن توماس كراجيسكي سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى مملكة البحرين الذي تولى منصبه في أكتوبر 2011، يراد له أن يلعب دوراً لتكريس الطائفية وتوسيع الحلف الصفوي الأمريكي بالهيمنة على المزيد من البلاد بعد اختطاف العراق وتسهيل الاستيلاء على أفغانستان بدعم وشراكة كاملة بين إيران والشيطان الأكبر المزعوم أمريكا. في 2003 عمل كراجسكي مستشاراً سياسياً لبول بريمر في بغداد، كما شغل منصب مستشار لسفير شؤون شمال العراق في 2008 في السفارة الأمريكية في بغداد. ويقال إنه كان وراء اتفاق نوري المالكي مع الأكراد وأنه وقف ضد الدعم الأمريكي لإياد علاوي. وكانت واشنطن عينت كراجيسكي سفيراً للولايات المتحدة في اليمن منذ 2004 - 2007، وهناك في اليمن مارس السفير هوايته في تجاوز الأعراف الدبلوماسية والتي من المفترض أنه أو غيره من الدبلوماسيين الذين عينتهم بلدانهم كممثلين لها لدي الحكومة اليمنية أن يتحركوا من خلال القنوات الدبلوماسية في علاقاتهم واتصالاتهم مع الجهات داخل الدولة التي يتطلب عملهم التواصل معها ودون أن يتجاوزوا تلك القنوات. وقد عمل السفير كراجسكي أيضاً في نيبال والهند وبولندا ومصر ودولة الإمارات العربية المتحدة. وفي مقال له نشر قبيل تعيين كراجسكي سفيراً لأمريكا في البحرين حول الدور المشبوه الذي يخشى من السفير الأمريكي القيام به يشرح الكاتب الصحافي يوسف البنخليل الأسباب التي دفعت الكثيرين للتحفظ على تعيينه سفيراً لأمريكا في البحرين قائلاً إن السفير الأمريكي الجديد تولى مهام إدارة العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمعارضة العراقية خلال فترة حكم الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، حيث قام خلال العام 2002 (العام الذي يسبق الغزو الأمريكي للعراق) بعقد سلسلة من اللقاءات مع المعارضة الشيعية والكردية في العاصمة البريطانية لندن. فهل من الممكن أن يلعب الدور نفسه مع ما تسمى بـ (المعارضة البحرينية) في الخارج خلال الفترة المقبلة؟. ويمضي قائلاً: لدى السفير الأمريكي كراجيسكي علاقات قوية جداً مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وهو ما يعني أن علاقاته مع حزب الدعوة العراقي قوية ووثيقة، وكما هو معروف فإن هذا الحزب العراقي هو الحزب الشيعي الذي يتبنى نظرية ولاية الفقيه. وكانت للمالكي مواقف سابقة مع جمعية الوفاق عندما دعاها للاستفادة من التجربة العراقية. فهل سيوظف السفير الأمريكي الجديد علاقاته مع نوري المالكي لتوثيق العلاقات بين ثلاثة أطراف؛ جمعية الوفاق، حزب الدعوة العراقي، وواشنطن من أجل إحداث تغييرات جوهرية في الدولة البحرينية؟ ويضيف أن السفير الأمريكي الجديد كان له دور كبير في مفاوضات السلام الفلسطينية ـ الإسرائيلية التي انتهت بإبرام معاهدة غزة -أريحا عام.1995 فهل يتطلع السفير نحو تطبيع بحريني - إسرائيلي؟. الكونفيدرالية الخليجية وفي مواجهة كل تلك المخاطر يؤكد الخبراء في الشأن الخليجي والدولي أن الوسيلة الوحيدة للوقوف في وجه الغطرسة الأمريكية وغيرها من التهديدات التي تتربص بمنطقة الخليج والبحرين تحديداً تكمن في اتحاد دول مجلس التعاون في كونفيدرالية خليجية تحفظ سيادة دولها بحيث تكون قادرة على الدفاع عن نفسها. وفي هذا الخصوص يؤكد المفكر الكويتي د.عبدالله النفيسي أن هناك حلفاً سرياً ثلاثياً يجمع الولايات المتحدة الأمريكية وإيران وإسرائيل، وساق النفيسي خلال لقاءات عقدها في زيارة قام بها للمملكة مؤخراً أدلة موثقة على استمرارية هذا التحالف الذي يشكل خطراً كبيراًً على منطقة الخليج والدول العربية بشكل عام. ويؤكد النفيسي كذلك حتمية قيام دول الخليج بإيجاد بدائل استراتيجية لتحالفها مع أمريكا، موضحاً أن واشنطن حليف غير موثوق وأنها لا تعترف إلا بمن يقف في وجهها، كما إنها لا تعرف صديقاً دائماً سوى مصالحها الخاصة التي تحدد وحدها بوصلة علاقة أمريكا بدول العالم وزعمائه.
970x90
{{ article.article_title }}
970x90