كتب ـ عبدالرحمن صالح الدوسري:
لا يختلف اثنان فيما يربط «العشة» و«الكبر» لجهة الشكل وطريقة التصميم، ولا من حيث الوظيفة، لكنهما يختلفان في المواد المستخدمة بالتصنيع، فـ»العشة» كلها من الخوص، ولا يلحق بها «حمام» لصعوبة إنشاء شبكات تصريف المياه، وهنا يربط الكثيرون «العشة» و«الكبر» بقصة الدجاجة والبيضة أيهما وجد قبلاً؟!.
تبقى «العشة» أقل كلفة بكثير من «الكبر»، ويستغرق إنشاؤها ساعات قليلة من النهار، ويتذكر من عايشوا تلك الفترة أن هذا المستوى من المعيشة لم يكن يكلف العاملين على تأسيس العشش كثيراً من الوقت ولا حتى المال، بل إن فزعة «الأولين» كانت المقياس الحقيقي والعامل المساعد الأول على سرعة إنجاز أي مشروع من هذا القبيل، وكانت كفيلة بأن تجهز مسكناً لعائلة لن تنتظر طويلاً في ظل النخوة الموجودة عند أهل الأول من أبناء الفريج.
كان بإمكان أي مواطن ورب أسرة بحريني الحصول على أرض يؤسس عليها داراً لعائلته، فالأراضي فاضية والعائلات لا يتعبها البحث عن بناء عريش أو «برستية»، ويتراص في «العش» أفراد العائلة مثل سمك صف على «تاوة» شواء.
أي مواطن مهما قل دخله الشهري أو الأسبوعي أو حتى اليومي، يختار المكان المناسب وسط البساتين، والبستان نفسه يؤمن الجذوع والسعف والليف وكل شيء لازم لأعمال البناء، وبإمكان خمس عشش وعريش وحظيرة وفناء صغير «حوي» أن تؤوي جداً وجدة و4 أبناء وزوجاتهم وجميع الأحفاد، بحيث يكون البيت للسكن والبستان للعمل، والجميع شركاء في حوش كبير تناثرت فيه البرستية والعشش وتصدرهم «الكبر» وهو عادة ما يكون سكن رب الأسرة وقائدها.
في السابق كنت تميز كبر «المعزب» عن الفقير بأن يسور من الخارج بسياج من الطين ويعتلوا سقفه «طربال» يحمي ساكنيه من مياه الأمطار التي تشاركهم افتراش مطارحه وفرشه، وتحولهم بعد أن تغزوهم إلى سكنة إحدى البرك، حتى النخيل كان لها دور في حماية البرستية المقتدرة بأن تبنى لها سياج يحفظها من الريح الشديدة والأتربة المتطايرة في أيام الشتاء.
هذه البيوت المبنية من سعف النخيل ويطلق عليها «الشيش» وهو جمع «عشة» ويعنى بها الغرف الصغيرة الحجم إذا قورنت بالبرستية الكبيرة المساحة والتي تتسع لعائلة مكونة من 4 أفراد وربما أكثر بخلاف العشة التي لا تستوعب أكثر من زوجين وطفلهما على طريقة الشقق والبيوت التي أصبحت برستية وعشش هذا الزمن.
والطريف أن الكثير من المرافق في البحرين بدأت من البرستية قبل أن يشوبها التطوير العمراني، مثل أول مطار للبحرين كان عبارة عن برستية من الخوص، حتى بلجريف الذي كان وراء بدايات الفن التشكيلي في البحرين كان يعشق رسم العشة جنباً إلى جنب مع الكبر.
ويعود السؤال يبحث عن إجابة أيهما أكثر كلفة في بنائه ومن هو الأبرد في لواهيب الصيف الحارة، ومن الذي يحيطك بالدفء في برد الشتاء القارس ومن ابتكر قبل الآخر «العشة» أم «الكبر»؟.