هناك قصة معروفة بين اثنين من المتقاعدين عندما التقيا يوماً بعد سنين طويلة من تركهم العمل، سأل أحدهما الآخر هل سامحت رئيسك الظالم في العمل الذي كان يضغط عليك ويضايقك في تلك الفترة؟ فرد صاحبه أبداً لن أسامحه هذا مستحيل فقال له الآخر «أعتقد أنك لا تزال في السجن الأبدي وأنه لا يزال يضايقك» يقول الله سبحانه وتعالى «فمن غفل وأصلح فأجره على الله».
إن تلك الصفات الأخلاقية والإنسانية الراقية التي يتحلى بها العظماء من جميع المتقاعدين في العالم هي دليل واضح على السمو الروحاني يتصدرها ذلك التسامح العظيم ويعني أن تصفح عمن أساء إليك وكان من أعز الناس عندك، وليس سهلاً أن يسامح الإنسان من أساء إليه أو سلب حقاً من حقوقه أو أهان كرامته، ولكنك يا أخي وعزيزي المتقاعد إن لم تتحلَ بفضيلة التسامح فإنك تعاقب نفسك وتبعد عنها الفرح والبهجة والطمأنينة وفضل السكينة.
وهبنا الله نعمة النسيان تلك النعمة التي تحمينا وتحافظ على وجودنا واستقرارنا، لقد جعل القانون الأزلي العفو نفقة تتصدق بها على الآخرين ويا لها من نفقة ليس لثمنها حدود، وأن أول درجات التسامح والغفران أن يسامح الإنسان نفسه، والتسامح مع النفس ينقيها ويحررها من أغلال الذنب، فالمقصودون على علم بما أقول في هذه السطور وما أقصده من كلامي الصادق إذاً فليتذكروا ماذا هم فاعلون من ظلم في حق الآخرين وإن التسامح ليس من حقهم ولا يستحقونه، إن الذين يشعرون بعقدة الذنب ولا يسامحون أنفسهم يعيشون حياة شقية خالية من المتع والمسرات حاملين ذنوبهم على ظهورهم جالبين لأنفسهم سوء الطالع وخيبات الأمل، فكيف للإنسان ألا يغفر لنفسه وقد غفر الله له، إنه لشيء يدعو للأسف والشفقة. يجب عليك يا أخي المتقاعد أن يسود في حياتك الاستعداد الدائم للتسامح مع نفسك والآخرين لتحيا فيها الحب والخير والسلام.
لقد أثبتت الأبحاث الطبية والنفسية أن ارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين والجلطة المفاجئة سببها الأساس هو عدم التسامح، فحالة الغضب والكراهية تخلق تفاعلات كيميائية في الجسد تسمم خلاياه وتؤدي إلى إعاقة الدورة الدموية وتشويش الفكر وعدم اتزانه، فالفكر مرتبط بالجسد والتفكير السلبي بأنواعه المختلفة الذي يؤثر تأثيراً هداماً في أعضاء البدن ولا يوجد هدام كالحقد والكراهية وتمني الشر للآخرين.

صالح بن علي