كتب - إبراهيم الزياني:
تسبب اختلاف آراء الجهات الحكومية حول مشروع قانون حماية الأسرة من العنف، وتعبير بعضهم عن رفضه للمشروع أثناء انعقاد الجلسة، في غضب أعضاء مجلس الشورى، ليصبوا جام غضبهم على ممثلي الحكومة في جلسة الأمس.
وقال أعضاء مجلس الشورى إن الحكومة «لم تبذل أي جهد لمراجعة تعديلات اللجنة»، لافتين إلى أنه «ليس من صلاحية الحكومة رفض المشروع، إذ أن حق الموافقة أو الرفض يقتصر على السلطة التشريعية، ولا يحق لجهات أخرى أن ترفض المشروع وتتجاوز صلاحياتها».
وبدأ الجدل بعد أن دعا ممثل وزارة العدل، الشوريين لعدم الموافقة على المشروع بقانون مبدئياً، وقال إنه لا بد أن يتم حماية الأسرة من العنف بأطر متوازنة لا تخرج عن أطر المجتمع، وأضاف أن المشروع لا بد أن يأتي لصون الحقوق، ليقوي الروابط الأسرية بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية، لا أن يأتي بتدابير جزائية كالحبس، ورأى أن العقوبات «قد تضر بالأسر وتسبب شرخاً في نفس الجاني وأسرته وتضر بالروابط».
وسرعان ما تدخل رئيس لجنة المرأة والطفل د.عبدالعزيز أبل -والتي أعدت تقرير المشروع بقانون-، ورد على سابقه «بذلنا جهداً جباراً، وناقشنا كافة الجهات المسؤولة، واستمعنا لكل الآراء بسعة صدر، بما فيها ممثلو وزارة العدل، ولم نسمع هذا الرأي. أدعو أعضاء المجلس للرجوع إلى كافة نقاشات اللجنة، ليروا أنه لا يوجد ما يدل عن رفض ممثلي الحكومة للمشروع من حيث المبدأ»، لافتاً إلى أن رأي اللجنة لم يكن «مناكفاً لما أتت بها الجهات الحكومية، إذ ندرك أنها الجهات المنفذة للقانون، وكنا متعاونين معهم».
وعقب ممثل العدل «الوزارة قدمت مرئياتها وتحفظت على القانون، وحضورنا -لاجتماعات اللجنة- لا يعني تنازلنا عن رفض المشروع مبدئياً»، منوهاً بأن اللجنة لم تستأنس برأي المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، لإبداء رأيها في ما إذا كان المشروع بقانون موافقاً للشريعة.
فيما دعا ممثل وزارة الداخلية لإعادة دراسة المشروع، وقال «أبدينا رأينا بالمشروع أمام مجلس النواب، إذ دعونا لإعادة دراسة القانون من كافة الجوانب لما له من تداعيات سلبية على الترابط الأسري، كما أنه قد يتعارض مع الشريعة الإسلامية».
واختلفت ممثلة وزارة التنمية الاجتماعية مع رأي الجهتين الحكوميتين، وشددت على أهمية المشروع بقانون، وقالت «ننتظر إصدار القانون منذ مدة طويلة، ونؤكد على أهميته، إلا أننا لدينا كثير من الملاحظات والمرئيات التي قدمناها كتابياً، ونتمنى من اللجنة دراستها بشكل مستفيض».
وزاد الاختلاف الحكومي في الآراء، وإبداء رفضهم للمشروع أثناء الجلسة بعد أن ناقشوا القانون مع اللجنة لفترة امتدت لسنة، من حدة مداخلات الشوريين.
وقال عبدالعزيز أبل «من المؤسف أن تتصرف السلطة التنفيذية بهذا الشكل»، واستغرب من ادعاء ممثل العدل بتسليم اللجنة مذكرة تبين تحفظها على المشروع، وقال «لم نستلم الاعتراض، والمستشار -ممثل العدل- كان يقدم آراءه على المواد أثناء مناقشة القانون في اجتماعات اللجنة».
ورفع أبل من حدة انتقاداته لممثلي الحكومة، وقال «كيف يدعي اليوم -ممثلو الحكومة- أنهم لم يعبروا عن رأيهم ولم يأخذ به، ما قيل لا يليق بهم ولا بالسلطة التنفيذية، من المعيب ألا يلتزموا وهم يمثلون جهة حكومية من أين أتى -الرفض-، اليوم نزل الوحي عليهم». وبين أبل أنه تواصل مع وزيرة التنمية الاجتماعية قبل يومين حول المشروع، وذكر «أبلغناها أن المشروع مدرج على جدول أعمال الجلسة، وليس بإمكاننا تأجيله إذ أرجأنها في مرتين مضت، ولا بد أن يعرض على المجلس ليقرر الموافقة عليه أو رفضه أو إرجاعه للجنة»، مشيراً إلى أن «تعديلات الوزارة ليست جوهرية ولا تستدعي إعادة التقرير إلى اللجنة».
واتفق النائب الأول لرئيس المجلس جمال فخرو مع رأي أبل، وقال «من المخجل أن تأتي جهات حكومية بآراء مختلفة ولا يتفقون أمام المجلس، من المؤسف ألا يكون للحكومة رأي موحد»، وأردف «تقرير اللجنة يوضح أن ممثلي الحكومة حضروا الاجتماعات ولم يبدوا عدم موافقتهم على المشروع، كما أن ممثل الداخلية قال أنهم قدموا ملاحظاتهم لمجلس النواب، والقانون الحالي يختلف بشكل تام عن المقترح الأصلي، بعدما أجرت اللجنة تعديلات جوهرية»، وبين أن «المشروع بقانون قبل تعديلات اللجنة، كان يتعلق بالعنف على الأنثى، والآن تحول على الأسرة ككل، كما أنه تضمن بعض العقوبات والجزاءات التي لم تكن موجودة في النص الأصلي»، معتبراً أن الحكومة «لم تبذل أي جهد لمراجعة تعديلات اللجنة».
من جانبها، قالت النائب الثاني لرئيس المجلس د.بهية الجشي إن «اللجنة لم تترك جهة لها علاقة بالقانون إلا وأخذت رأيها لمناقشته»، وطرحت الجشي عدة تساءلت «أي كانت وزارتا العدل والداخلية عندما كانت اللجنة تبذل كل ذلك الجهد؟ كيف يأتيان اليوم ويبديان عدم موافقتهما مبدئياً، وهل تريد وزارة العدل إعادة المشروع للجنة لمزيد من الدراسة، أم ترى أنه لا داعي للقانون؟»، معتبرة أنه «لا يمكن أن نأتي بعد سنة من عمل اللجنة لإعداد التقرير ونرفضه مبدئياً».
وعقب ممثل وزارة الداخلية على مداخلة الجشي «نحن لم نرفض المشروع قانون، وجميع مذكراتنا منذ أن كان مقترحاً تطالب بإعادة دراسة مواده»، موضحاً أن الداخلية لم تجتمع مع اللجنة بعدما أجرت تعديلاتها الجوهرية على المشروع بقانون.
وقال خالد المسقطي إنه «ليس من صلاحية الحكومة رفض المشروع، إذ أن حق الموافقة أو الرفض يقتصر على السلطة التشريعية، ولا يحق لجهات أخرى أن ترفض المشروع وتتجاوز صلاحياتها»، وشدد على أن المجلس «هو من يقرر مناقشة مواد المشروع من عدمه، ومن لديه تحفظ أو ملاحظات من حقه تقديمها»، معتبراً أن ما حدث «ليس أسلوب تعامل مع المجلس».
من ناحيته، ذكر محمد الستري أن التعديلات الواسعة التي قامت بها لجنة المرأة والطفل على المشروع بقانون، تستوجب إعادة عرضه على اللجنة التشريعية، للنظر في مدى موائمته مع القوانين الأخرى.
وتفهم وزير مجلسي الشورى والنواب عبدالعزيز الفاضل غضب الشوريين من موقف الجهات الحكومية في الجلسة، وقال «اتفق معكم أن آراء مندوبي الوزارات يجب أن تصل عن طريق وزارتنا للمجلس».
ورأى عبدالرحمن عبدالسلام أن «المشروع بقانون فيه ثغرات، ولا بد أن تسترجعه اللجنة لأخذ رأي المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية»، وقال إن «القانون يجرم العنف الأسري، وفيه ثلاث أنواع، العنف الجسدي والنفسي والجنسي»، وضرب عبدالسلام مثلاً «إذا كان الابن المراهق يشاهد الأفلام الإباحية، وقام والده بضربه، يذهب الابن ويشتكي عليه؟ إذا من سرق 3 كنارات حبس 21 يوماً، فمن ضرب ابنه ماذا سيفعلون به؟»
وبعد نقاش مستفيض استمر لقرابة الساعتين، تدخل رئيس المجلس علي الصالح، واقترح إعطاء الجهات فترة شهر لتقديم مرئياتها حول المشروع، وقال «السلطة التنفيذية هي الجهة المطبقة للقانون، وكما يقال أهل مكة أدرى بشعابها، ومن خلال تجربتهم يرون أن المشروع بحاجة لمزيد من الدراسة، للخروج بقانون متكامل خال من الثغرات»، وأردف «إذا لم يقر المشروع -اليوم- لن تكون هناك كارثة وفراغ تشريعي». وبناء على مقترح الصالح، طلب رئيس لجنة المرأة والطفل عبدالعزيز أبل سحب المشروع بقانون، وصوت المجلس بالموافقة.
ويهدف المشروع بقانون بحسب اللجنة، للحفاظ على كيان الأسرة من التفكك والاعتداءات الجسدية والجنسية والنفسية التي قد ترتكب من فرد على آخر في محيطها، إذ جاء المشروع ليعالج وضع خاص للأسرة في إطار خاص.
وكانت اللجنة، أجازت في تعديلاتها على المشروع، لمراكز الشرطة اتخاذ الإجراءات في حالة تلقي بلاغات بخصوص العنف الأسري، إذ سمح بنقل المعتدى، خصوصاً الأطفال بناء على أمر صادر من النيابة العامة إلى مكان آمن أو إحدى دور الإيواء التابعة للوزارة. كما استحدثت مادة، لضمان الإجراء الوقائي والحامي للمعتدى عليه وإعطائه حق جواز تقديم طلب أمر حماية إلى النيابة العامة تفرض فيه على المعتدي عدم التعرض للمعتدى عليه أو عدم الاقتراب من أماكن الحماية أو أي مكان يذكر في أمر الحماية أو عدم الإضرار بالممتلكات الشخصية للمعتدى عليه أو أي فرد من أفراد الأسرة، وتمكينه المعتدى عليه أو من يفوضه من استلام متعلقاته الشخصية الضرورية.
وشددت عقوبة من يخالف أمر الحماية باستخدام العنف تجاه أي من المشمولين بأحكام القانون، إذ يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على شهر وبغرامة لا تزيد على مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف أمر الحماية أو أياً من شروطه، مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد في قانون العقوبات أو أي قانون آخر يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وبغرامة لا تزيد على مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف أمر الحماية باستخدام العنف.