كتب ـ أحمد الجناحي وياسمين صلاح:
استطاع عرض «عصابة خربوش» تأصيل التعاليم الأخلاقية لدى الأطفال بأسلوب شيق ومبتكر، وأوصل فكرة العرض دون تكلف وعناء، ورسم أمام أطفال احتشدت بهم الصالة الثقافية معالم الطريق الآمن بعيداً عن عصابات الشر والخديعة وسلب كل جميل في الوجود.
المسرحية المقتبسة من رواية «أوليفر تويست» للكاتب الإنجليزي الشهير تشارلز ديكنز، طوعها المخرج أحمد جاسم لبيان درب الخير من الشر، وإرشاد الطفل عند كل مفترق طرق إلى أهمية اختيار الطريق الصحيح دون التأثر بالغرباء والحساد، والحذر عند اختيار الأصحاب والأصدقاء والرفقاء.
ازدواجية العرض كانت حاضرة في مشاهد المسرحية، بين موال البحر التقليدي ذي اللمسة الخليجية البحرينية، ونص المسرحية الغربي، وتنقل المخرج بشخوص العرض وببراعة من مشهد لآخر، مالئاً كل تفاصيل الحكاية بالتشويق وردود الفعل والمفاجآت المنتظرة خلف كل إشارة وهمسة وقول وفعل ودلالة موسيقية أو إيماءة حركية.
ابتكر المخرج أسلوبه الخاص في استخدام الدمى المتحركة، وخلفية العرض المتحركة إلى جانب ديكور متنوع يلائم كل مشهد، ما أضفى على العرض قيمة كبيرة، شدت الجمهور من الدقائق الأولى لبدء العرض وحتى نهايته، ولم يتسرب الملل للحاضرين وخاصة الكبار منهم كعادة مسرحيات الأطفال.
ولم يغفل مخرج العمل عن إقحام أغاني الأطفال الهادفة لتكون خير مساهم في إيصال فكرة العرض للطفل، ولم ينس أن يضيف لمسة فكاهية ترسم الابتسامة على وجه الطفل وفي أحيان أخرى تضحكه، رغم البناء التراجيدي للحكاية بكل تفاصيلها.
الكلام المنمق البسيط، واللبس الجميل المناسب لكل دور ومشهد، كانت أدوات المخرج وزاده وسلاحه، وبهما جميعاً ـ إلى جانب أبطال تقمصوا أدوارهم وبرعوا فيها ـ ساهم كثيراً في إيصال فكرة العرض دون تكلف لعقل الطفل وبصورة غير مباشرة.
وأكثر ما شد الانتباه في المسرحية، إقحام الأطفال في العرض وإشراكهم في توجيه الممثلين وسؤالهم عن مكان رئيس العصابة أو ما شابه، أي كان جمهور الحاضرين من الأطفال جزءاً من الحكاية لا مجرد متفرجين حياديين يتابعون بصمت.
استطاع العرض أن يوصل الفكرة كاملة للطفل ويقنعه بضرورة اختيار الطريق الصحيح في الحياة، وترك بصمة عند كل مشاهد، مفادها أن الأطفال بذور يجب رعايتها لتكون ثماراً صالحة في المستقبل.
وحول معد العمل ومخرجه الأصل الإنجليزي المترجم للعربية للرواية، إلى اللهجة المحلية الدارجة لتقترب من استيعاب الأطفال، وتدور القصة حول يتيم يتشرد في الشوارع وتحاول عصابة استغلاله وتوظيفه لصالحها، لكن تجري الأحداث بعكس ذلك، فيتم إنقاذ الطفل عبر عائلة محترمة تربيه وتعلمه الصواب من الخطأ وتتقلب به الظروف والمغامرات حتى ينجو من العصابة.
واستخدم العمل مجموعة من التقنيات الصوتية والبصرية الممتعة للأطفال، كالعرض السينمائي المعد خصيصاً للمسرحية، وأضاف جماليات بصرية على مشاهد وأغان تمازجت بين الفرح والحزن وأغاني الحوارات الكوميدية.
مثل المسرحية نخبة من نجوم المسرح والدراما تتقدمهم الفنانة هيفاء حسين وشباب مسرح البيادر عادل الجوهر (الحائز على جائزة أفضل ممثل في المهرجان المسرحي الخليجي الأخير بعمان)، أحمد مبارك، البسام علي، عبدالرحمن بوبدر، عبدالله الدرزي، شريفة طالب، أحمد عبدالغفور، محمد صقر، ومحمد حسن، وكتب كلمات الأغاني الشاعر عادل المحميد والموسيقى أحمد عبدالعزيز وأعد المشاهد السينمائية عبدالله فؤاد ومحمد بوقحوص ونفذ الديكور علي سيف. وكان مسرح البيادر مثل البحرين في المهرجان الخليجي الأخير بعمان بمسرحية «بلاليط»، وتم اختيارها كأفضل عمل في البحرين لعام 2012، ورشحت للمهرجان الخليجي ولقيت صدى جماهيرياً لدى النقاد والمهتمين بالمسرح.
ابتعدوا عن طريق الخطأ
مخرج العمل أحمد جاسم يقول «أردت أن أوصل رسالة ضمنية للأطفال مفادها «ابتعدوا عن طريق الخطأ»، مثلنا هذه الرسالة بطريقة توضح أن طريق الشر يأتي من خلال أناس يسحبونك لا شعورياً لهذا الدرب، و عن طريق الغرباء، ونقول لهم انتبهوا أن يسحبكم أي غريب لهذا المسلك». وعن سبب اختياره لهذه القصة العالمية «أوليفر تويست» يضيف «اخترت هذه القصة بالذات لأني معجب بها منذ أكثر من 10 سنوات، فالمؤلف حين كتب قصته وجدت بالفعل عصابات تسرق الأطفال وتنتهك حقوقهم، فاستطاع ديكنز من خلال قصته أن يوصل رسالة خطيرة جداً للمجتمع وهي أن الأطفال في خطر وهناك أشرار يسحبون أطفالنا لطريقهم». وأردف «مضمون القصة جميل أخذناه وأردنا إسقاطه على واقعنا، ولكن بطريقة كوميدية وبسيطة، وأقحمنا نكهة شعبية بحرينية على عملنا هذا حتى لا يقال عنه عمل أجنبي، من خلال أغاني البحارة». ويعد المخرج بعمل جديد للأطفال نهاية العام الجاري أو بداية العام المقبل.
وتقول هيفاء حسين «أردنا التركيز على كل رسالة مضمونها خير وإيجابي، وتقديمها للطفل، حيث أن مسرح الطفل يتراجع بشكل ملحوظ ونحن كفنانين هناك نوع من الحسرة على نوعية الأعمال المماثلة، لأنها أهم الأعمال المقدمة أساساً، لأن الأطفال هم زهور المستقبل ونحتاج لتقديم فن راقٍ وهادف». وتتابع «المسرحية تطرح قضية الخير الشر، والأهم كيفية عرض الفكرة، في السابق لم نكن نكلف بأعمال الأطفال، وركزنا في عملنا هذا على موضوع السينما والإضاءة والديكور، هو مكلف إنتاجياً ولكن أردنا المجازفة وتقديم شيء جميل، وتركيزي الحالي في الأعمال هو على المسرحية، ونخطط لعرضها في دول الخليج». عادل الجوهر يقول «لعبت في المسرحية دور زعيم عصابة خربوش، مهمته سرقة الأطفال اليتامى وتربيتهم على السرقة حتى يستفيد منهم، وأردنا إيصال رسالة للأطفال مضمونها «مهما حدث، إياك ومرافقة أصدقاء السوء أو الغرباء حتى وإن كانوا لطفاء ومرحين، لأن في النهاية كل ما يهم هو الأخلاق، و مهما كان يجب ألا يرتبط الطفل بأحد إلا إذا كانت أخلاقه سمحة».