كل صباح يسأل ابنا إبتسام الصغيران أمهما متى تعود الأسرة لمنزلها في بلدة تاورغاء الليبية.. ترغب الأم في طمأنتهما لكنها تخشى طول الانتظار.
وإبتسام محمد سالم «32 عاماً» وأسرتها ضمن آلاف من سكان البلدة التي كانت معقلاً للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي أثناء الانتفاضة في عام 2011 ولكنهم فروا منها مع اجتياح المعارضة المنتصرة إياها.
وبعد أكثر من عام لايزال مصير هؤلاء النازحين غامضاً ويقولون إن الدولة تخلت عنهم بعد أن وصمتهم ظلماً بأنهم من أنصار القذافي.
ويقول السكان إنهم يخشون الاضطهاد والهجمات الانتقامية والاعتقالات العشوائية إن هم عادوا لديارهم وهو شعور ولدته حرب عمقت الانقسامات وأججت المخاوف من عمليات انتقامية في معاقل أخرى للقذافي مثل سرت وبني وليد.
وتقيم إبتسام وزوجها علي وطفلاهما في مبنى كان في السابق مقراً للإقامة تابعاً لأكاديمية بحرية في العاصمة طرابلس. وفر عدد آخر من سكان تاورغاء شرقاً إلى بنغازي وجنوباً إلى بلدات أصغر وهم يقيمون في مواقع بناء أو مبان خاوية. قالت إبتسام وهي تجلس مع زوجها داخل غرفة يصفها علي ساخراً بأنها 5 نجوم لأن بها دورة مياه وشرفة تستخدم كمطبخ «لا يأمن الناس العودة لتاورغاء، هذا هو الواقع، نحن مقيدون، لا توجد حرية». ويقول سكان المدينة إن ذنبهم أنهم ينتمون لبلدة استخدمتها قوات القذافي كقاعدة لقصف مواقع للمعارضة على بعد 50 كيلومتراً في مدينة مصراتة الساحلية. ويضيف سكان تاورغاء أنهم كانوا رهائن لدى قوات القذافي وأن فئة قليلة هي التي خدمت طواعية ضمن قواته.
وبشرة الكثير من سكان تاورغاء أدكن لونا من جيرانهم، وهو أمر يؤخذ أيضاً عليهم.
فالمعارضون يقولون إن مرتزقة «أفارقة» من أماكن يمكن أن تصل إلى السودان ساندوا القذافي ولايزال البعض يسعى للانتقام.
ويؤكد علي «لم يكن لأسرتي أي صلة بنظام القذافي لكننا ندفع ثمن شيء نحن غير مسؤولين عنه، هذا عقاب جماعي».
وقالت جماعات حقوقية إن ثوار مصراتة الساعين للانتقام نهبوا ودمروا منازل في تاورغاء وقرى زراعية قريبة بعد حملة قصف شنتها قوات القذافي.
وذكرت منظمات حقوقية أن نحو 1300 شخص من سكان تاورغاء اعتقلوا أو فقدوا أو قتلوا ووصفت الانتهاكات بحق سكان البلدة بأنها «ربما تمثل جرائم ضد الإنسانية ويمكن أن تنظرها المحكمة الجنائية الدولية».
ويبرز ذلك التحديات التي تواجه الحكام الجدد في ليبيا لمعالجة المظالم واحتواء من اختاروا عدم مساندة الانتفاضة سواء خوفاً من القذافي أو لتأييدهم إياه فعلياً.
ومع ضعف الشرطة والمحاكم وانتشار الأسلحة في كل مكان يقوم الليبيون بتصفية حساباتهم القديمة واندلعت اشتباكات بين معارضين سابقين وقبائل حاربت في صف القذافي أو وقفت على الحياد. أما الحكومة فتقول إنها تعمل على تعزيز المصالحة.
وقالت وزيرة الشؤون الاجتماعية كاملة خميس المزيني «أعتقد أن كل شيء سيعود لطبيعته» واصفة الشعب الليبي بأنه شعب رحيم وتوقعت انحسار الغضب قريباً. وأضافت أنه يمكن الاعتماد على شيوخ القبائل في مصراتة لحل المشكلة. ولكن سكان مصراتة يقولون إنهم يرغبون في القصاص من جرائم القتل والاغتصاب وغيرها من الجرائم الوحشية التي عانوا منها خلال المعارك.
وذكر بعض سكان تاورغاء أنهم حافظوا على صداقاتهم القديمة مع مواطني مصراتة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ولكن في السر. ويرفض كثيرون في مصراتة عودة سكان تاورغاء وهو ما يجد المسؤولون في طرابلس أنفسهم بلا حول ولا قوة حياله حتى الآن.
وسئم بعض سكان تاورغاء السابقين الانتظار وأعلنوا عزمهم العودة في يونيو المقبل رغم ضعف قوات الأمن لدرجة تعجز معها عن حمايتهم.
والاستياء على أشده داخل منطقة مخيمات تتناثر فيها القمامة يقيم فيها سكان تاورغاء وسط قلق من إجلائهم.
ويخيم هدوء رهيب على تاورغاء التي كانت تشتهر من قبل بتمورها. وتظهر آثار طلقات الرصاص على المنازل والشقق السكنية.
وتتناثر فوارغ طلقات الرصاص على الأرض المتربة وسط أحذية وأطباق محطمة وعلب حليب وملابس. وعلى جدران أحد المساجد كتبت عبارة «مصراتة قوية».
«رويترز»