تؤكد ربة المنزل حنان عطية «لم أعد أستطيع مغادرة منزلي يوم الجمعة، لقد تحول من يوم للراحة والاستمتاع ليوم مليء بالمخاوف والقلق»، معبرة بذلك عن موقف قطاع كبير من المصريين من هذا اليوم الذي يشهد باستمرار أحداث عنف دامية.
ويوم العطلة الأسبوعية هذا لملايين المصريين الذين كانوا يخصصونه للنزهات وارتياد النوادي الرياضية أو دور السينما أو المسارح عادة، أصبح يوماً مليئاً بمشاهد العنف والقتل والدماء ما أجبر كثيرين منهم على البقاء في منازلهم. وتشهد مصر كل جمعة تظاهرات وأعمال عنف في مختلف المدن منذ نهاية نوفمبر الماضي عندما أصدر الرئيس الإسلامي محمد مرسي الإعلان الدستوري.
وتفاقم الوضع مع سقوط قتلى وجرحى منذ الذكرى الثانية للثورة نهاية يناير الماضي. وسقط منذ ذلك الحين أكثر من 60 قتيلاً معظمهم في أيام الجمعة. وتصف حنان وهي أم لثلاثة أطفال الجمعة قائلة إن «اليوم يبدأ بالتظاهرات وينتهي بإطلاق نار ومولوتوف وعنف ودماء». وأضافت معبرة عن شعور عميق بالإحباط «لم أستطع السفر لأسرتي في مدينة الإسكندرية خوفاً من التظاهرات وقطع الطرق».
من جهتها، قالت ربة المنزل ريهام إبراهيم (33 عاماً) وهي أم لطفلين إن «الجمعة تحول من يوم للخروج والراحة إلى يوم حبس اختياري بالمنزل». وأضافت بغضب «زوجي قلق للغاية على أبنائنا لذلك لم نعد نخرج من المنزل رغم أنه يوم إجازتنا الأسبوعية»، مشددة على أن وقوع حوادث قتل أثناء التظاهرات يزيد من مخاوفها ويجبرها على البقاء بالمنزل.
وقالت رشا عادل (27 عاما) إن «عدم النزول للشارع يوم الجمعة أصبح ثقافة، الأصل هو أننا أصبحنا نبقى بالمنزل». وتابعت محاضرة اللغة الانجليزية هذه التي تقيم في مدينة الإسكندرية الساحلية واعتادت التنزه مع أصدقائها يوم راحتها الجمعة أن الخروج من المنزل يوم الجمعة «أصبح مغامرة والوصول إلى وسط المدينة أصبح أشبه بعملية انتحارية». وأضافت أن «الطبيعة الجديدة ليوم الجمعة غيرت أسلوب حياتي وجعلتني اخرج مع أصدقائي يوم السبت».
وتسبب ذلك بطبيعة الحال بتراجع إقبال المصريين على النوادي الرياضية ودور السينما والمسارح بشكل لافت الجمعة. ويقول إبراهيم فوزي وهو مدير دار سينما في القاهرة «الإقبال يوم الجمعة تراجع بنسبة تتجاوز 50% والأسر غابت بشكل شبه تام»، مؤكداً أن «الأمر ينطبق على كافة فروعنا بالبلاد».
وبالقرب من قصر الاتحادية الرئاسي في القاهرة بقي ساحة لأحداث العنف بين المتظاهرين وقوات الأمن لأسابيع طويلة، تتخذ بعض المحال تدابير أمنية احترازية خاصة استعداداً للجمعة بعدما كان اليوم الرئيسي لاستقبال الزبائن. ويقول محمد إحسان (33 عاماً) وهو مدير محل للأدوات الرياضية بواجهات زجاجية كبيرة «الجمعة أصبح يوماً له استعدادات خاصة الآن، فنحن في قلب الأحداث». ويشير الرجل إلى عشرة ألواح من الصاج تراصت قرب المحل، قائلاً «اضطر لتركيب تلك الألواح لحماية واجهة المحل الزجاجية ليل الخميس ولا سيما أن المحل تعرض لمحاولة سرقة من قبل». والتدابير نفسها اتخذتها محلات أخرى بجواره.
ولا تقتصر أحداث العنف على القاهرة وحدها بل تمتد إلى مختلف المدن المصرية. وتشهد مدن القناة الثلاث وبعض مدن الدلتا ومدينة الإسكندرية شمالاً تظاهرات واشتباكات بين المتظاهرين والشرطة.
وقد قتل نحو 10 أشخاص في مدن القناة في يوم جمعة واحد. وبشكل عام، تصيب شرارة العنف مواطنين من غير المتظاهرين.
فقد قتل شاب نزل إلى الشارع ليشتري ملابس في مدينة المحلة وسط الدلتا بعد أن دهسته سيارة مسرعة أثناء الاشتباكات. كما اعتقلت الشرطة مواطنا نزل لشراء أدوية. وقد توفي لاحقاً في سجنه، كما قال أهلهما لحقوقيين. وانعكس عزوف المصريين عن الخروج من منازلهم يوم الجمعة اقتصادياً بشكل سلبي على المحال التي كانت تعتبره يوم التسوق الأسبوعي ذي الربح الوفير. وقال صابر حسين وهو مدير محل ملابس نسائي شهير في حي مصر الجديدة قرب قصر الرئاسة «يوما الخميس والجمعة كانا أفضل أيام الأسبوع من حيث رواج البيع». لكنه أضاف بحسرة ان «الجمعة اصبح يوما عاديا. البيع تراجع بما يزيد على 50% بسبب أحداث العنف الأخيرة».
وبينما كان يمر من أمام قصر القبة الرئاسي أحدث ميادين العنف يوم الجمعة، لخص سائق التاكسي محمد أحمد حالة القلق والخوف المرتبطة بهذا اليوم قائلاً «الجمعة أصبح يوماً لا نريده أن يأتي من الأساس».
«فرانس برس»