كتب ـ جعفر الديري:
يضطر البعض وتحت ضغط الحاجة للعمل في ميادين لا تتسق ومواهبهم وإمكاناتهم، وكثيرين منهم يضعفون أمام إغراء المال، ويتخلون عن أمور جميلة كان يمكن أن تشيع السعادة في حياتهم السعادة لو تمسكوا بها.
لست سعيداً
أحد هؤلاء مجيد محسن، كان يحلم أن يتخصص في «الأحياء» وينال الدكتوراه، لكنه ضعف أمام إغراء المال وضغط الحاجة ومتطلبات الحياة وتوظف.
يعترف مجيد أنه يحقق مدخولاً جيداً بوظيفته، لكنه ليس سعيداً رغم ذلك «راتبي الذي أتقاضاه يحلم به كثيرون، وبفضله استطعت الزواج وتأسيس أسرة وبيت كبير واسع، لكني لا أشعر بالسعادة، وما أزال أحس وكأني أخون نفسي».
ويضيف «كان خطئي أني تركت التخصص في الأحياء والكائنات البحرية، ودرست ما يناسب السوق.. ظننت إمكانية التوفيق بين هوايتي ووظيفتي، لكن للأسف جذبتني أجواء العمل، أنا بالكاد أستطيع مطالعة كتاب صغير عن هذه الأحياء بين الفينة والأخرى».
نقطة تحول
هدى صالح أمرها مختلف، درست ما يوافق مزاجها وإمكاناتها حتى نالت شهادة محترمة أهلتها لوظيفة تعليمية، وهي تشعر اليوم بالسعادة، وتعتبر إصرارها على سلوك هذا الطريق نقطة تحول في حياتها.
حاول والدها ثنيها عن دراسة الفنون ووسّط كثيرين دون جدوى، تقول «كنت مصرة على رأيي.. تعلقت منذ صغري بالرسم والنحت، وأعجبت أيما إعجاب بفناني عصر النهضة تحديداً، حتى كبر معي الشغف بالفن».
ورغم أن هدى لا تمارس هواية الرسم «إلا أن مطالعة الفن ودراسته وتدريسه تشعرني بالسعادة، قرأت الكثير وشاهدت الكثير، وما أزال أشعر بظمأ لا يروى».
الفطرة أولاً
وتعتقد سعاد محمد أن الغلبة دائماً للفطرة والمحيط الذي ينشأ فيه الفرد «حتى لو زاول الإنسان وظيفة لا تناسب ميوله، فإنها لن تتمكن من محو ملكاته».
وترى سعاد أن الإنسان يمارس موهبته من أجل نفسه.. من أجل إسعادها، وتشبهها بـ»واحة يفد إليها العطشان ليستريح في ظلها ويشرب ماءها البارد، لكنها متى ارتبطت بالمال، ذهب بريقها ولم تعد تحقق وظيفتها الأولى.. السعادة».
وتعجب سعاد لحال أناس يدعون حبهم للفن والأدب ينتظرون من يشتري أعمالهم «ذاك يعرض مجموعة من رسوماته في إحدى المعارض وعينه على علية القوم ومن يدفعون أكثر، وكتاب تسألهم لماذا لا تكملون رواياتكم أو قصصكم وما الفائدة؟ من يشتريها؟ وكأن المواهب والملكات خلقت للربح مزيد والمتاجرة لا لتهذيب النفس».
ويحمل عباس سيد إبراهيم الإنسان الموهوب نتائج خياراته «كل فرد منا لا طاقة لأحد على قلبه، فحتى لو اضطرتنا الظروف إلى وظائف لا تناسب ميولنا، فإن إرادتنا يجب أن تكون أكبر».
عباس معجب شخصياً بالكاتب الروسي جورجي «حياته خير دليل على أن الوظيفة لا يمكنها أن تسرق من الإنسان موهبته، عانى شظف العيش، لدرجة بيع أعقاب السجائر، ومع ذلك لا يراه الناس حتى الآن سوى أديباً عظيماً، وهناك كثيرون من أمثاله لم تقف الوظيفة حجر عثرة أمام هواياتهم».