كتب ـ أمين صالح:
حقق بونويل في المكسيك فيلمين ناطقين باللغة الفرنسية، الأول «هذا اسمه الفجر» 1955، وتدور قصته حول طبيب يعتني بالفقراء في إحدى الجزر، يخفي صديقه الهارب من الشرطة، بعد اتهامه بجريمة قتل، والصديق الذاهل، نتيجة موت زوجته، يطلق النار على الرأسمالي الذي يستغل عمال الجزيرة، محملاً إياه مسؤولية موت زوجته.
والفيلم الثاني «الموت في الحديقة» 1956، يضم ممثلين فرنسيين ومكسيكيين، بينهم الفرنسي ميشيل بيكولي ويؤدي دور قسيس شاب ساذج لكنه مخلص وصادق، والفيلم كتبه بونويل مع لويس ألكوريزا، وهو معد عن رواية خوسيه أندريه لاكور الصادرة عام 1954.
المعروف عن بونويل أنه لا يجعل صور فيلمه وأحداثه قابلة للتفسير والتأويل بسهولة، وهو يعارض ـ بثبات وعلى نحو صارم - تقديم إجابات جاهزة وسهلة.
بونويل هنا يوجّه هجومه ضد الكاثوليكية والإمبريالية معاً، المرتبطتين ببعض على نحو مباشر، كاشفاً عن طبيعة الحرية الفردية، ومداها وثمنها.
أحداث الفيلم تنقسم بين المدينة والغابة، في إحدى مناطق أمريكا الجنوبية، فرنسي مسن يحلم بالعودة مع ابنته الصماء البكماء إلى فرنسا وفتح مطعم هناك، هو أيضاً يرغب في الزواج من مومس انتهازية ليست مهتمة به بل بثروته، لكن كليهما يموتان في الحديقة.
الابنة ترتبط بعلاقة عاطفية مع شاب، هو منقب عن الماس في المناجم، ولا نعلم إن كان هو سارق البنك أم لا، ويخطط للذهاب إلى البرازيل. الشاب والفتاة، في النهاية، يكونان الناجين الوحيدين في قارب بينما الغسق يحل، ولا ندري إن كانا سيهربان أم لا.
هناك في خط موازٍ لذلك، عمال المناجم يخططون لثورة مسلحة ضد محاولة الحكومة العسكرية الفاسدة لتأميم مناجم الماس، والشاب يستغل الانتفاضة في الانتقام ثم الإفلات من مكيدة جنائية، وهو ليس وحده المنخرط في الانتفاضة لأسباب شخصية أو لتحقيق مآرب أخرى.
الحديقة المذكورة في العنوان توحي بالفردوس، الذي يتمثل في الغابة وإليها تهرب مجموعة من القرويين من عمال المنجم، فراراً من عنف الثورة وبطش العسكر، ممن يمسكون بزمام السلطة في البلاد بعد إجهاض ثورتهم، التي لم يكن الدافع من ورائها عشق الحرية بل الجشع. وتكون نقطة انطلاقهم حطام طائرة كانت تزودهم بالمؤن، وفي الغابة الجميلة والمميتة في آن يضيعون.
«نازارين» 1958، الفيلم يعد من أفضل ما أخرج بونويل في مرحلته المكسيكية في الخمسينات، وحاز جائزة في مهرجان كان السينمائي الدولي.
كتب بونويل السيناريو مع خوليو أليخاندرو، مستمداً المادة من رواية الكاتب الإسباني بنيتو بيريز جالدوس، الذي توفي عام 1920.
وتدور أحداث الحكاية عن قسيس مكسيكي يدعى الأب نازاريو، في غاية النقاء والشفافية، يعيش بين الفقراء، ويكرس نفسه لفعل الخير ومساعدة الآخرين.
كل ما يحصل عليه يتبرع به للمحتاجين، وهو عرضة للسرقة على نحو متكرر، عندما تعلم الكنيسة بأنه حمى مومساً مطلوبة، تجرده من وظيفته، هو يعمل في تشييد الطرق مقابل الخبز، لكن زملاءه العمال يطالبون بطرده، المومس تصبح مريدته، تطري قدرته على اجتراح المعجزات رغم إصراره على أن الله والعلم وحدهما قادران على إنقاذ حياة طفل يحتضر.
مقابل تواضع وإخلاص هذا القسيس، نجد بذخ وقمعية الكنيسة المتحالفة مع سلطة الدولة الفاسدة، هذا التحالف يرفض أي خروج أو استقلالية عن قيم تفرضها وتروج لها، وهو يعتبر، رغم كل فضائله، خارجاً عن المسار الصحيح.
في حديث بونويل عن الفيلم، ويقول «أنا مغرم بالشخصية في الفيلم، هو قسيس لكن ماذا يعني ذلك؟ يمكن أن يكون حلاقاً أو نادلاً، ما أثار اهتمامي أنه رغم مغامراته مع العاهرات واللصوص وغيرهم، ظل مخلصاً لأفكاره التي لم يقبلها المجتمع، الأفكار التي أدت إلى إدانته من قبل قوى النظام، لو تعين على المسيح أن يعود ثانيةً لصلبوه من جديد، رجال الكنيسة من ذوي النفوذ والقوة سوف يدينونه، إذ مسموح لك أن تكون مسيحياً نسبياً، أي بشكل غير مطلق، لكن أن تكون نقياً بشكل مطلق، وبريئاً تماماً، فذلك يعني أن تواجه الفشل والخذلان».
«الحمى تشتد في إل باو» 1959، عن سجناء سياسيين في معسكرات للرقيق تابعة لحكومة ديكتاتورية في إحدى دول أمريكا اللاتينية، الليبرالي يؤمن بقدرته على فتح قنوات إصلاح في النظام الفاشي الذي يعمل لصالحه، لكنه يكتشف متأخراً أن النظام السياسي أكثر ضراوة مما كان يعتقد، سذاجته تتسبب في موت محبوبته، وفي عبودية السجناء السياسيين الذي رغب في حمايتهم «كتاب عالم لويس بونويل، تحرير جوان ميلين».
«الشاب أو المسافر» 1960، كتب بونويل سيناريو فيلم «الشاب» بالاشتراك مع هيوجو بوتلر، اعتماداً على قصة «الرجل المسافر» للكاتب بيتر ماثيسين، وهو فيلمه الثاني الناطق باللغة الإنجليزية، بعد «مغامرات روبنسون كروزو».
الفيلم عن الجنس مع القاصرات والكراهية العنصرية، إنه عن المجابهة بين رجلين أمريكيين، أحدهما أسود «وهو عازف موهوب»، والآخر أبيض.
مشكلة الأسود أنه لم يستجب لمحاولة امرأة بيضاء مراودته وإغوائه، فتتهمه بأنه اغتصبها، محرضة الناس عليه، هو يهرب مذعوراً، خشية أن يعدم من غير محاكمة قانونية.
يلجأ إلى جزيرة، حيث يعيش الحارس العنصري في عزلة مع فتاة مراهقة في الثالثة عشرة من عمرها، بريئة ومنطوية، ويشتهيها جنسياً، هذا الحارس يضطر إلى مساعدة الرجل الأسود، المتهم زوراً، فقط من أجل أن يتجنب تدخل القانون، كذلك الأمر مع رجل الدين الذي يسعى إلى تبنيها بينما هو يطمع فيها ويعدها بمفتاح الجنة، مغتصباً بذلك عقلها وبراءتها.