كتب - حذيفة إبراهيم:
إن توافق الأطراف المشاركة في حوار التوافق الوطني خلال الجلسة الأخيرة على أن «النقطة التي لا يتم حسمها يتم ترحيلها لجلسة تالية» و»ما تم التوافق عليه لا يجوز مناقشته مرة أخرى» تمثلان جواز المرور لسير جلسات التوافق الوطني بكل أريحية ووطنية، إلا على من أبى، ومن أبى يؤكد انخراطه في سجل المؤزمين الذين يعملون لأجندة تسعى لزعزعة الأمن والاستقرار.
ورغم المراوحات وزخم المناورات التي تبديها الأطراف في وسائل الإعلام المختلفة، إلا أن معطيات الأمور وقرائن الأحوال تؤكد أن قافلة الحوار ستسير بشكل أكثر وضوحاً وشفافية عقب البيان الصريح لوزير الديوان الملكي الذي عبّد الطرق وقومها وفقاً للشرعية والدستور، وخلق أول جسور الثقة الاستراتيجية لمن يريدون من الحوار الوطني البناء والإصلاح لا الهدم، الاستقرار لا الفوضى، التنمية لا الخراب والتدمير.
وإن تكن ثمة تصريحات متناقضة لممثلي الجمعيات الست، فهي تدخل في إطار امتصاص غضب المتطرفين المشددين أو تحقيق مكاسب جماهيرية، وما باكورة تصريحات رئيس شورى الوفاق المتحدث الرسمي باسم الجمعيات الست في الحوار سيد جميل كاظم عقب الجلسة الأولى إن «مشاركة الحكومة كانت معقولة ومتوازنة»، وبين آخر تغريداته التي تناقض موقفه الأولى، ولم تكن تلك أولى التناقضات الموثقة في تصريحات كاظم، ولن تكون الأخيرة، طالما أن هناك مرجعية دينية تحريضية متحكمة في العمل السياسي والإصلاحي ومبدأ الاستقرار الأمني، فضلاً عن وجود عدة خلافات داخلية في أروقة الجمعية، وذلك بني طرف مؤيد وآخر معارض للمشاركة في الحوار.
الخبراء والمراقبون للمشهد السياسي في البحرين يؤكدون عدم وجود معوقات حقيقية للجلسة السادسة كما يروج لها بعض اتباع صقور الوفاق، فالجمعية وإن حادت في أحايين كثيرة عن الخط الوطني، فلا يتوقع أن تعزز الفشل والخسائر التي بدأتها بالانسحاب من مجلس النواب، مروراً بمحاولة تشويه سمعة البحرين في الخارج، وانتهاء بالرهان على سرابات متعددة.
«التدخل الإيراني بكل قبحه، المرجعيات الدينية، الخلافات داخل البيت الواحد».. كل تلك الحقائق ظلت حاضرة منذ بدء حوار التوافق الوطني الأول.. ولن تكون بعيدة عن مرأى أي معطيات أو قرائن لتكرار تلك المفردات التي يمكن أن تغتصب استكمال الحوار في محوره السياسي.. هكذا -على الأقل- يبدو حال الوفاق وبناتها في نظر الرأي العام.
الخلافات حول جدول الأعمال هو المتوقع لجلسة الأربعاء المقبل، ولا مفر من التسليم بالإرادة الملكية الشرعية، الأمر الذي يقود خلال الجلسة السادسة ومقبل الجلسات التي تصاغ فيها الأجندة «جدول الأعمال» لرفع السقوف العالية التي طرحتها الجمعيات الست في عدة مناسبات.
ضمانات التنفيذ
ويتوقع أن تكون الضمانات في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني هو التحدي الذي سيواجه المتحاورين، ففي حين تطالب الجمعيات الست بطرح المخرجات للاستفتاء الشعبي، ترفض باقي الأطراف المتحاورة تلك النقطة، كونها مخالفة دستورية صريحة، فضلاً عن البحرين دولة مؤسساتية وتمتلك سلطة تشريعية وقنوات قانونية لتحديد المواقف. ومن المنطقي كما أوضح وزير العدل أن ما سيتم التوافق عليه داخل الجلسات يمثل استفتاء شعبي، باعتبار أن المشاركين يمثلون كل أطياف الشعب البحريني.
وسيحرص كل طرف ابتداء من الجلسة المقبلة -والجمعيات الست بالخصوص- على دراسة التوافقات جيداً قبل التوقيع عليها، فلا مجال للتراجع كما حصل خلال الجلستين الثالثة والرابعة، حيث شهدت الجلسة الماضية وضع آليات من ضمنها مضبطة للجلسة يوقع عليها ممثل عن كل طرف.
وستبقى سخونة الجلسة المقبلة هو ما توافقت عليه التصريحات من جميع الأطراف، فائتلاف الجمعيات السياسية قال عبر المتحدث الرسمي باسم الائتلاف أحمد جمعة إن «الجلسة القادمة ساخنة نظراً لمناقشة جدول الأعمال».
بانتظار المشورة
في ظل كل تلك التطورات داخل الحوار إلا أن المراقبين يتوقعون بأن الجمعيات الست بقيادة الوفاق تنتظر «أمراً» أو «مشورة» سواء من الدول التي تواصلت معها قبل الحوار أو المنابر الدينية التي لم تنأى بنفسها عن أي تدخلات على الطاولة.
وينتظر الشارع البحريني ما ستشهده الجلسة المقبلة بينما يتابع المراقبون ما ستقرره الجمعيات الست من إكمال المشاركة أو عدمه، كون لكل قرار تبعاته سواء على الشارع الذي ينتهج العنف أو من ينتظر مخرجات الحوار. ولن تستطيع الجمعيات الست تقديم أي طلبات أو أوراق عاجلة للمناقشة وذلك وفقاً للآليات الجديدة التي تقنن ذلك، وهو ما يعني أن الجلسة ستبقى مناقشة الأجندات فقط.
الغالبية من الشارع ومن خلال آرائه في مواقع التواصل الاجتماعي والمجالس، يعول على الحوار للخروج من الأزمة التي تعصف بالبلاد، حيث انبعثت تلك الروح من إيجابية التصريحات التي أدلى بها المتحاورون عقب الجلسة الخامسة إثر عودة التوافقات إلى الطاولة بعد غياب دام جلستين. كما إن الأجواء المشحونة في بعض القرى جراء عمليات التخريب لن تؤثر كثيراً على الطاولة وفقاً للمشاركين من الجمعيات الست.
وتبقى التصريحات الخالية من المضمون والتي تحاول أن تبقي بعض الجماعات الراديكالية إلى جانب شارعها هي ما تتسم به الوفاق، وهي غالباً ما تكون أشبه بالـ»البالونة» الضخمة لكن داخلها هواء قد ينفجر في أي لحظة، وما أدل على ذلك من بيانها الأخير حول الحوار، والذي انعدمت فيه المصداقية، وناقضت نفسها، إذ كانت هي من ضمن الـ98.4% من الشعب الذين صوتوا على ميثاق العمل الوطني، مما شكل إرادة شعبية كاملة وليست منفردة.