يقال بأن السمكة لا يمكن أن تعيش إلا في بحرها وعندما تكون في بيئة غير التي تعودت عليها تموت، ذلك هو اختصار لمشاعر من تربى وترعرع في مدينة المحرق العريقة ولا تهون باقي المدن، نعم فكل شبر من تراب البحرين هو كنز ثمين لا يمكن التفريط فيه، لكن تبقى المحرق عاصمة البحرين القديمة ودانة من دانات الخليج العربي، فحديثي لن يكون إنقاصاً في حق باقي المدن بقدر ما هو وصف للقليل لهذه المدينة، والتي عشت فيها معظم أيام حياتي بمنزل جدي بفريج الشيوخ.
حكاية عشق يسطرها أبناء هذه المدينة التي عرفت بطيب أهلها ومحافظتهم على العادات والتقاليد المتوارثة عن الأجداد جيلاً بعد جيل، فلا يمر يوم فيه احتفال لإحياء الموروثات الشعبية إلا ووجدت كل البحرينيين متوجهين إلى المحرق للمشاركة، وفيها انطلقت أغلب الفنون والشخصيات التي كانت لها بصمة من هذه الجزيرة الصغيرة ووصلت إلى العالمية، هو إحساس يكنه ابن المحرق إلى سوق المحرق وإلى المنازل العريقة الشامخة ونسيم الهواء العليل المحيط بسواحل البحر، فلا أستغرب أن يتغنى بها الشعراء ويكتب في حبها أصحاب الأقلام المبدعة.
كانت المحرق ومازالت قلعة من قلاع العزة والكرامة ضد الاستعمار والعدوان الخارجي، ورقماً صعباً في معادلة القوى فشبابها ونساؤها لا يعرفون المذلة، ولا يرضون بأن تحاك لهم المؤامرات والدسائس كما لا يمكن أن يكسر أحد التلاحم بين أهالي المحرق، فهذه المدينة عرفت ومنذ القدم بتكاتف أبنائها بمختلف أطيافهم وتوجهاتهم ولم يعرفوا الطائفية قط، عرفوا بصفاء قلوبهم وحبهم لوطنهم وقيادتهم، فقد احتضنت هذه المدينة أجيالاً من حكام البلاد من آل خليفة الكرام، ومازالت منازلهم والشواهد التاريخية شاخصة للعيان، ففي كل زاوية من زواياها كانت هناك قصة تسطر في كتاب الزمن أحداثاً لا تنسى سيظل يذكرها كل من زار المحرق. ويكن أهالي المحرق كل الولاء لجلالة الملك المفدى ولصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان مكانة خاصة، فهو القائد المحنك الذي يفتخر به شعب البحرين ويعتز به الأشقاء في دول الخليج العربي، فتراه متواجداً في جميع المناسبات الشعبية بين الناس ماشياً على قدميه أو زائراً لمجلس من المجالس، لا يذخر جهداً في حل المعضلات والوقوف في الشدائد لرأب الصدع وتجاوز الأزمات، فلذلك وغيره تجد أن الشعب قد اجتمع على حب هذه الشخصية الكبيرة فهو بحد ذاته وطن، ويشهد استقبال سموه من أهالي المحرق الحشود المتآلفة بكل ود ومحبة.
عبدالله الشاووش