حاوره – هشام الشيخ:
قال الممثل الإقليمي للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بدول مجلس التعاون عمران رضا إن:» أكثر من 51% من اللاجئين السوريين في دول الجوار هم من الأطفال وأن أولوية احتياجاتهم هي الإيواء وتقديم الرعاية الصحية، مشيراً إلى الأهمية الكبيرة لمشاريع تماثل المدرسة التي أقامتها مملكة البحرين في مخيم الزعتري في الأردن لدورها في تقديم الحماية الاجتماعية والنفسية للأطفال والأسر هناك وتوفير بيئة آمنة لهم». ودافع رضا في حوار خاص بـ»الوطن» عن استقلالية عمل المفوضية عن القرارات السياسية لمنظمات الأمم المتحدة الأخرى التي تلعب حكومات الدول الكبرى نفوذاً في قراراتها، مضيفاً أن نسبة الإنفاق الإداري للمنظمة لا يتجاوز 7% من قيمة المساعدات، إضافة إلى إنفاق المفوضية حوالي 2.4 مليار دولار العام الماضي على مستوى العالم، في حين كانت الموازنة المرصودة للعام نفسه لا تتجاوز 1.1 مليار، أي أقل من نصف ما تم إنفاقه، ما اعتبره دليلاً آخر على ثقة الحكومات في التعامل مع المنظمة.
وأكد تنفيذ برامج للمساعدات في كل من ميانمار ومالي وموريتانيا من خلال تمتع مفوضية اللاجئين بقدرة أكبر على الوصول إلى مناطق نائية قد لا تستطيع منظمات الإغاثة في الدول العربية والإسلامية الوصول إليها، نظراً لاعتبارات سياسية أو مادية تتعلق بالعمل في تلك المناطق، معربا عن ترحيبه بـ»رغبة دول عربية التعاون وممارسة نفوذ أكبر في رسم سياسات المنظمة».

ما تقييمكم لتجاوب البحرين مع نداءاتكم لتقديم المساعدات للاجئين السوريين؟
مملكة البحرين قدمت الكثير، خصوصاً بمخيم الزعتري في الأردن حيث أنشأت مدرسة مهمة جداً لأبناء اللاجئين، وساهمت في إنشاء عدد كبير من المخيمات هناك، وفي الحقيقة المدرسة ليست فقط من أجل التعليم إنما هي تمثل حماية اجتماعية ونفسية للناس هناك، كثير من الأطفال فقدوا آباءهم ومرت بهم مشاهد مروعة، وكثير من الأسر تفككت وتباعد أفرادها أو آباء فقدوا أبناءهم (..) قضية اللاجئين قضية تخص الأطفال في المقام الأول وتصل نسبتهم إلى حوالي 51% من إجمالي اللاجئين، فيما تصل نسبة النساء والأطفال معاً إلى نحو 75%.

ما أهم الاحتياجات الحالية المفوضية لإغاثة للاجئين السوريين؟ وأي الدول المضيفة تتحمل العبء الأكبر؟
اللاجئون السوريون يحتاجون تقريباً إلى كل شيء، ومن أهم ما نحتاجه هو إيواء اللاجئين وتقديم الرعاية الصحية، أين يمكن أن تقيم كل هذه الأعداد الكبيرة، حاليا 61% تقريبا من اللاجئين في الدول المحيطة بسوريا تم إيواؤهم في مناطق حضرية في المدن خارج المخيمات، مثلما هو الحال مع جميع اللاجئين في لبنان، وبالنسبة لتركيا يقيم أغلب اللاجئين هناك في مخيمات ذات جودة عالية ، وفي الحقيقة تقدم تركيا خدمة مميزة للاجئين هناك كلفتها الكثير، كما إنها تسمح للشباب السوري الالتحاق بالجامعات التركية.. الأردن ولبنان يبذلان أقصى ما يمكنهما ووجود اللاجئين يمثل ضغطا هائلا عليهما.
أولوية عملنا حاليا مساعدة حكومتي لبنان والأردن وهو أمر واجب على المجتمع الدولي، وبمراجعة الأرقام نجد أن أكبر عدد للاجئين السوريين هو في لبنان بحوالي 330 ألف لاجئ، يليه الأردن بـ320 ألفا، وفي تركيا 185 ألف لاجئ، إضافة إلى 160 ألفاً في العراق، وحوالي 44 ألف سوري نزحوا إلى مصر.

ما هو حجم النفقات الإدارية للمنظمة وكم تمثل نسبتها من مبالغ المساعدات؟
سعيد جدا بهذا السؤال، فلدينا واحدة من أقل معدلات التكاليف الإدارية، وهي تتجاوز نسبته 7%، وهناك تصور خاطئ عن ارتفاع المصاريف الإدارية للأمم المتحدة، وأعتقد أن رغبة كثير من حكومات الدول في التعاون معنا دليل ثقتها بعملنا، وحوالي 98% من تمويلنا يتم بشكل تطوعي من الدول لعلمها أننا نؤدي عملاً جيداً ومهماً.

البعض يتساءل عن فاعلية وحياد عمل المفوضية تحت مظلة الأمم المتحدة، وإن كانت خاضعة لنفوذ دول كبرى مثلما هو الحال مع مجلس الأمن؟ وما هي أكبر دولة تدعمكم مالياً؟
يجب تجنب خلط السياسة بأعمال الإغاثة والشؤون الإنسانية، ففي مجلس الأمن من يتخذ القرارات هي حكومات الدول، أما نحن وكالة تعنى بالشؤون الإنسانية وعملنا ليس سياسيا ولا نقوم بأي دور سياسي، وإذا كان الأمر يتعلق بمخاوف من ممارسة النفوذ لتوجيه تركيز المنظمة للعمل في مناطق دون أخرى فإن حوالي 70% من عملنا موجه للاجئين في دول إسلامية.
أكبر ممول لعمل المفوضية هي الولايات المتحدة الأمريكية، ونتلقى الدعم الأكبر من الدول الغربية، الأوروبية وكندا وأستراليا، واليابان، غير أنه في الدول العربية يتم العمل الإغاثي من منطلق كونه ثقافة، وليس من خلال مؤسسات الأمم المتحدة، ويمكن لمثل التجربة الحالية لدول المنطقة أن تعزز ثقة تلك الدول في عمل مفوضية اللاجئين لمزيد من التنسيق والتعاون فيما بعد، لتجاوز أي سوء فهم نتيجة المشهد السياسي العام في مراحل معينة.
إن ما يشعرني بالسعادة هو محاولات الدول العربية بالمنطقة لممارسة نفوذ أكبر في عمل المنظمة، وأعتقد أن عليهم فعل ذلك، وسبيل ذلك هو العمل معنا، ونحن نقول لهم دعونا نتحدث عن سياسات المنظمة، ونتشارك في رسم سياسات المنظمة في كيفية تنفيذ عملها، الذي ينصب فقط على كيفية توفير احتياجات الناس وليس أي شيء آخر.

إلى أي مدى تعتقد أنكم منظمة مستقلة؟
نحن مستقلون تماماً، وعلينا أيضا التعاطي مع الحكومات، وقد يحدث أن تحاول التأثير، لكننا محظوظون لأن عملنا إنساني يتعلق بالإيواء والصحة والتعليم والمياه، ونحاول البقاء بعيدين عن الشأن السياسي لنظل قادرين على القيام بعملنا.
الموازنة العالمية للمنظمة عن العام الماضي كانت 1.1 مليار دولار، لكننا أنفقنا 2.4 مليار دولار، أي أكثر من الضعف، لذلك كل الجهد منصب على العمل، وهذا يظهر مجددا ثقة الحكومات في فاعلية عملياتنا.
كم يبلغ إجمالي المبلغ الذي تحتاجونه لإغاثة اللاجئين السوريين، وكم حصلتم عليه حتى الآن؟
طلبنا مليار دولار لمساعدة اللاجئين في الدول خارج سوريا، و500 مليون للاجئين في الداخل، وحتى الآن لم نحصل سوى على 20% من هذه المبالغ، علما بأن مبلغ 1.5 مليار دولار يكفي فقط لمدة 6 شهور، وهو ما يوضح ضخامة الأزمة، فهذا المبلغ تمت مراجعته للمرة الرابعة بسبب تزايد ضغط عملية النزوح.
هناك 3 نطاقات تحتاج الدعم، من خلال تعاون الأمم المتحدة مع حوالي 55 من الوكالات والمؤسسات المحلية والدولية، النطاق الثاني بدعم الحكومات التي تتحمل دوراً كبيراً، وثالثاً هو تقديم الجهات دعمها مباشرة إلى اللاجئين، فالهدف في النهاية هو مساعدتهم، ونحن نناشد كل من يستطيع تقديم شيء أن يبادر على الفور.

كيف تقيم الفترة الراهنة في ما يتعلق بقضايا اللاجئين مقارنة بأزمات سابقة شهدتها المنطقة؟
يبدو أن الوقت الحالي ليس سهلا بالنسبة للعالم خاصة هذه المنطقة، سبق أن خضنا تجارب قاسية في عديد من الفترات مثل البوسنة ورواندا والكنغو وغيرها لكن الصعوبة الحالية تكمن في تزامن عدد من المشكلات في آن معاً، إضافة إلى أن ما يثير القلق في الحالة السورية هو تأثيرها على دول أخرى، بحيث تصبح أزمة إقليمية، وفي سوريا والأردن لايزال هناك لاجئون عراقيون نحاول تقديم العون لهم، وفي سوريا حوالي 500 ألف لاجئ فلسطيني يعيشون أوضاعا قاسية نزح منهم حوالي 30 ألفا، ونسعى لدعم الأونروا في هذا الخصوص.

حدثنا عن دلالات الإعلان الأخير عن وصول عدد اللاجئين السوريين إلى مليون في دول الجوار؟ وما أسباب زيارتكم المملكة في هذا التوقيت؟
عدد اللاجئين ارتفع إلى مليون في أقل من عام وهو يشير إلى أن الكارثة مازالت مستمرة حيث كان عدد اللاجئين 35 ألفا فقط في أبريل من العام الماضي، وخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة زاد عدد اللاجئين بمقدار 400 ألف سوري، ولايزال المعدل اليومي لنزوح السوريين يتراوح بين 5-7 آلاف وهي زيادة كبيرة جدا، يفرون إلى لبنان وتركيا والأردن والعراق ومصر، لذلك فإن الأزمة الإنسانية للاجئين السوريين أصبحت ضخمة إلى حد بعيد، مما يوجب التفكير في كيفية تلبية الاحتياجات الإنسانية المتفاقمة.
الزيارة الحالية يوم واحد وهي ليست الأولى أو الأخيرة ، وأحد أسبابها التنسيق مع المسؤولين البحرينيين بشأن إجراءات تقديم تعهد المملكة لدعم الشعب السوري في مؤتمر المانحين في دولة الكويت وقيمته 20 مليون دولار، إذ كانت استجابة الدول المانحة خاصة من قبل دول مجلس التعاون قوية لمناشدة المفوضية نظرا لضخامة احتياجات اللاجئين السوريين. وأتيت أيضا للتباحث مع المسؤولين هنا حول سبل زيادة الدعم المقدم للسوريين، وعقدت لقاءات في هذا الشأن مع مسؤولي وزارة الخارجية، والمؤسسة الخيرية الملكية.

هل هناك أولوية لعملكم حاليا في مناطق دون أخرى في العالم؟
لاشك أن المشكلة السورية تعتبر حالة خاصة بسبب استمرار تفاقمها وارتفاع الأعداد غير المتوقع، لكن حين تكون مهمتنا تقديم الحماية للاجئين وجميعهم بشر، ولا يمكن القول مثلا إن اللاجئين في مالي وبورما وموريتانيا والصومال واليمن وسواها من الدول في مرتبة أقل من الاهتمام.

هل تواجهكم صعوبات في الوصول إلى اللاجئين، خصوصاً من جانب الحكومات؟ حيث تشكو معظم المؤسسات الخيرية العربية والإسلامية غياب قدرتها على مساعدة اللاجئين في ميانمار ومالي مثلا، وهل لكم دور في هذين البلدين؟
أنا فخور بالمؤسسة التي أعمل بها منذ أكثر من 25 عاما من خلال الأمم المتحدة، حين بدأت بالعمل في السودان خلال الحرب الأهلية .. نحن نصل إلى أقصى المناطق النائية ونعمل في ظروف صعبة ومناطق خطرة، ونتمكن من إقناع الأطراف المعنية بأن عملنا إنساني بحت لذلك في معظم الأحيان نصل إلى من يحتاجون المساعدة، وفي الوقت الحالي ما نطمح إليه هو مزيد من القدرة على الوصول إلى الناس.

هل تمكنتم من الوصول إلى المناطق المتضررة في ميانمار؟
بالتأكيد، وننفذ حالياً برامجاً للمساعدات في غرب راخين «أراكان»، منذ 6 شهور.

وهل تسمح لكم الأنظمة التي تقتل شعوبها بإغاثة اللاجئين كنظام الأسد مثلا؟
الأمر يتعلق بالسبب الذي نحن هناك من أجله وهو فضلا عن مساعدة السوريين إنما أيضاً مساعدة اللاجئين العراقيين والفلسطينيين، ولدينا طاقم مكون من 350 موظفاً بعضهم من السوريين، ولسنا وحدنا هناك العديد من المنظمات الأخرى لتقديم المساعدات.